اكتشاف الممرات الجاذبية يساهم في فهم حركة المذنبات والكويكبات (بيكسابي)
كشف علماء الفلك في دراسة علمية جديدة عن وجود هياكل غير مرئية تعمل كشبكة من "الطرق السريعة الفضائية"، مما يتيح تنقل الأجرام الصغيرة بسرعة في أرجاء المجموعة الشمسية. ويمكن، بحسب الباحثين، استغلال هذه الممرات الناتجة عن تفاعلات الجاذبية داخل النظام الشمسي، في مهمات استكشاف الفضاء ودراسة الكويكبات والمذنبات.
ووجد الباحثون بعد تحليل بيانات الرصد والمحاكاة، أن هذه "الطرق السريعة" تتكون من سلسلة من الأقواس المتصلة بداخل هياكل كونية غير المرئية، تسمى "متشعبات"، وفقا لموقع "لايف ساينس" (livescience).
نشرت الدراسة في دورية "ساينس أدفانسز" (Science Advances) العلمية، وقام بها فريق من الباحثين من مرصد بلغراد الفلكي (Belgrade Astronomical Observatory) في صربيا وجامعة أريزونا في توكسون (University of Arizona, Tucson)، وجامعة كاليفورنيا في سان دييغو (UC San Diego)، مؤخرا .
أقواس الممرات السريعة حول المشتري (ساينس أدفانسز)
ممرات جاذبية
المتشعبات هي في الأساس ممرات جاذبية تنبثق من التجاذب الثقالي المعقد بين الأجرام السماوية. وهي ببساطة نموذج لبعض مسارات "السقوط الحر" ذات المظهر غير العادي عبر النظام الشمسي، بمعنى المسارات التي تتبعها الأجسام عند سقوطها، مثل تفاحة نيوتن، على مسار تمليه جاذبية جسم كبير، كما يقول الباحثون.
فعلى الأرض، وبالقرب منها، تبدو مسارات السقوط الحر كمجموعة من الخطوط (الخيالية) المستقيمة التي تلتقي في مركز الأرض بالنسبة للأجسام الساكنة مثل الصخور المتساقطة، وخطوط القطع المكافئ إذا أُعطي الجسم سرعة أفقية أولية، مثل لعبة البيسبول.
لكن "ممرات الجاذبية" هذه تكون أكثر تعقيدا في الفضاء، ويمكن أن تحدث عملية دفع بسيطة لجسم مادي تغييرا كبيرا في مساره في المناطق ذات الاستقرار الجاذبي النسبي حول الكواكب، تعرف بنقاط "لاغرانج"، حيث تتوازن جاذبية الكوكب مع جاذبية الشمس.
وبحسب الباحثين، يمكن لهذه الشبكة نقل الأجسام القريبة من كوكب المشتري إلى نبتون في غضون بضعة عقود، دون أي دفع، بدلا من مئات الآلاف من السنين المطلوبة عادة لقطع تلك المسافة. ونظرا لصعوبة اكتشافها لم يكن أمام العلماء سوى محاكاة كيفية تحرك بعض الأجرام مثل المذنبات والكويكبات، التي يمكن أن توفر بعض الأدلة المفيدة.
موضع نقاط لاغرانج (بالأخضر) حول كوكب (بالأزرق) يدور حول الشمس (ويكيميديا)
طرق سريعة قوسية
درس الباحثون هذه الممرات الجاذبية عن طريق محاكاة النظام الشمسي على جهاز الحاسوب وإرسال "جسيمات اختبار" من خلاله، مثل آلاف المركبات الفضائية التخيلية الصغيرة. بمرور الوقت، كشفت المسارات التي اتبعتها تلك المركبات الفضائية عن الشكل الحقيقي للمشعبات المنبثقة من نقاط لاغرانج للكواكب.
ووجد الباحثون أن ممرات الجاذبية الخاصة بالمشتري تخلق شكل قوس، يتركب من ممرات فوضوية محيطة بالممر المركزي الأكثر تنظيما. وفي نهاية كل دورة للمشتري حول الشمس (عام على كوكب المشتري)، ينتج الكوكب مثله مثل بقية الكواكب العملاقة، قوسا جديدا، لتتراكم الأقواس بمرور الوقت.
وتفسر تلك الممرات، كما يقول الباحثون، سلوك الكويكبات والمذنبات القريبة من مدار المشتري التي تغير مسارها بشكل غير متوقع نحو الفضاء السحيق أو الانغماس في النظام الشمسي الداخلي.
وقد لاحظوا من خلال عملية المحاكاة أن آلاف جسيمات الاختبار التي تمر عبر نقاط لاغرانج لكوكب المشتري غيّرت مسارها على مدار قرن من الزمان وانطلقت نحو الخارج باتجاه نبتون، بينما أكمل بعضها رحلته الملحمية هذه في أقل من عقد.
وبحسب مؤلفي الدراسة، فإن اكتشاف هذه "الطرق السريعة" يمكن أن يساعد في فهم كيفية تحرك المذنبات والكويكبات حول النظام الشمسي بشكل أفضل، والتهديد المحتمل الذي تشكله على الأرض. هذا إضافة إلى احتمال الاستفادة منه في بعثات استكشاف النظام الشمسي المستقبلية. لكن ذلك يحتاج إلى فهم أفضل لكيفية عمل هذه الممرات لتجنب الاصطدامات، وهي مهمة غير سهلة.