ساعد السد العالى فى مصر على تكوين بحيرة عظيمة غطت منطقة كبيرة من شمال السودان. بما فى ذلك وادى حلفا. وقبل الأنتهاء من إنشاء السد العالى فى صيف 1967 عمد علماء الأثار إلى التنقيب فى تلك المنطقة قبل أن تختفى إلى الأبد، وبفضل تلك الحملة التنقيبية أمكن التعرف إلى جوانب خفية من تاريخ السودان القديم. ففى بوهن على شاطئ النيل المواجه لوادى حلفا عثر المنقبون على حصن لم يكن أحد يعرف عنه شيئاً من قبل.
كانت السيطرة على مياه النيل من الأمور الحيوية بالنسبة إلى مصر. ولذلك كان قدماء المصريين يزحفون إلى الجنوب للسيطرة على بلاد النوبة ( جنوب مصر و شمال السودان ) وقد أكتشفت الحفريات الحديثة على إطلال مدينة مصرية ترجع إلى 2500 سنة ق.م.
غير أن الوجود المصرى فى النوبة كانت تهدده دائماً جيوش القاش ( الأسم القديم لشمال السودان ) ولذلك فإن فراعنة الأسرة الثانية عشرة ( حوالى 1900 ق.م. ) قاموا بإنشاء سلسلة من الحصون لحماية حدود النوبة. وكان الحصن الذى عثر عليه فى بوهن هو أكبر تلك الحصون و لم يكن أستخدامه مقصوراً على الأغراض العسكرية، بل كان يستخدم مقراً للحكومة الإقليمية و مركزاً تجارياً تصدر منه منتجات الجنوب كالذهب و العاج وغير ذلك، إلى مصر عن طريق النيل.
وقد سقط هذا الحصن فى أيدى القاش حوالى عام 1675 ق.م. وبعد ذلك بحوالى قرن أعيد بناؤه، و أمرت الملكة المصرية حتشبسوت بتجميله، فأضافت إليه معبداً جديداً كبيراً. وقد عمد الخبراء مؤخراً إلى فكه و نقله إلى الخرطوم، ليعاد تركيبه فى فناء متحف خاص. والمعروف أن القاش دمروا الحصن ثانية فى عام 1055ق.م.
وظلت مصر تسيطر على شمال السودان حتى القرن الثامن ق.م. وفى القرن السادس للميلاد قامت حول مدينتى " نباتا " و " مروى " مملكتا " دنقلة " و "علوه" المسيحيتين. وكان الغزاة العرب الذين أنتشروا خارج الجزيرة و أستولوا على مصر قد توقفوا عن الزحف بناء على معاهدة. وفى القرن الرابع عشر سقطت على التوالى مملكتا " دنقلة " و " علوة " بيد العرب.
كان السودان خلال فترة السيطرة العربية مجرد واد بدائى، وقد تزاوج العرب مع السكان المحليين بأعداد كبيرة. وكان الأتصال بالعالم الخارجى مقصوراً على قافلتين سنويتين كانتا تنقلان إلى صعيد مصر المنتجات السودانية، و أهمها العاج، و التبر و الصمغ، والعبيد الزنوج من الجنوب، مقابل منتجات مصنعة.
وقد حدث التغير فى عام 1820 عندما قام محمد على، حاكم مصر، بإيفاد حملة لغزو السودان، وكان الهدف من هذه الحملة هو ذهب السودان و القضاء على المماليك الذين هربوا من مصر ة أستقروا فى دنقلة. وفى عام 1821 تمكن من الأستيلاء على مناطق كردفان و ستار. ثم أنشأ الخرطوم، العاصمة الحالية، و أقام نظاماً إدارياً عهد بالإشراف عليه إلى الحاكم العام.
و المشكلة التى واجهت المصريين كانت تجارة الرقيق، إذ أن الحملات كانت ترسل كل سنة إلى مناطق الجنوب و الغرب لأقتناص الزنوج. وعندما تولى إسماعيل باشا حكم مصر عمد إلى أكتشاف جنوب السودان الذى بدأ يلعب بدوره تاريخ البلاد. وقد بذل إسماعيل باشا غاية جهده فى القضاء على تجارة الرقيق، مع ذلك لم يستطيع القضاء عليها نهائياً. وظل الحال كذلك حتى عام 1874 عندما وصل إلى السودان الجنرال الإنجليزى غوردن.
كان غوردن فى بداية الأمر يعمل بالسودان لحساب الحكومة المصرية، وعندما وقعت الأزمة المالية بمصر عام 1876 و أعلنت إفلاسها، سيطر الإنجليز على البلاد، وعندئذ أصبح غوردون حاكماً على السودان بأكمله.
وكرس غوردون قسماً كبيراً من نشاطه لمعالجة مشكلة تجارة الرقيق، ومشكلة التغلب على رد الفعل الناتج عن محاولاته لإلغاءها. ونجح غوردون فى ذلك و لكن الفساد صاب نواحى أخرى من السودان. فما أن غادر غوردن البلاد فى عام 1879 حتى عادت الحكومة إلى ما كانت عليه من الفساد، مما أفسح المجال إلى تجدد المتاعب.
بدأت متاعب السودان الجديدة عام 1881 عندما أعلن محمد أحمد أنه المهدى، وقاد ثورة بهدف طرد الأجانب من البلاد. وقد لاقت حركته نجاحاً كبيراً لدرجة أن غوردن أوفد ثانية إلى السودان فى عام 1884 للتفاهم معه، وسحب الحامية المصرية من الخرطوم. غير أن غوردن حوصر فى الخرطوم، وفى عام 1885، وقبل وصول النجدة إليه بوقت قصير، أقتحم دراويش المهدى المدينة، وكانت النتيجة مقتل غوردن، و أنسحاب البريطانيين من الخرطوم.
فى العام نفسه توفى المهدى، ولكن الثورة أستمرت ثلاثة عشر عاماً أخرى، تدهورت فيها حالة البلاد مالياً و عمتها الفوضى. و أخيراً أمكن التغلب على الدراويش بواسطة حملة إنجليزية مصرية بقيادة لورد كتشنر.
أتفق البريطانيون و المصريون فى عام 1899 على الأشتراك فى حكم السودان، و سرعان ما أعيد النظام، و أخذت موارد البلاد فى النمو. وفى عام 1952، تم الأتفاق على أستقلال السودان، وفى عام 1956 أصبحت السودان جمهورية مستقلة.