فؤاد سالم ترك بصمة لافتة في الأغنية العراقية
تصادف هذه الأيام الذكرى السابعة لرحيل المطرب العراقي، فؤاد سالم، بعد مسيرة فنية امتدت لأكثر من 40 عاما، تغنى خلالها بحب العراق وأهله، تاركا خلفه مجموعة من الأغاني الخالدة في ذاكرة الناس. كما لا يمكن إنكار دوره في الغناء المسرحي. وبرغم رحيله؛ إلا أنه ما زال مؤثرا في خارطة الغناء العراقي.
فؤاد سالم غنى لكبار الشعراء والملحنين العراقيين
نشأته ومشواره الفني
ولد فؤاد سالم عام 1945 في مدينة البصرة (جنوب العراق)، وتحديدا بمنطقة الخندق، ومنذ نعومة أظافره فقد والده، ليكون برعاية عمه "الحاج كاظم بريج"، وكان يغني في الطفولة؛ ليطرد الخوف عنه عند عودته من المدرسة إلى منزله وسط البساتين.
وأدت الصدفة دورها في توجه فؤاد سالم نحو الفن عندما استمع إليه أحد أعضاء نادي الميناء الاجتماعي في البصرة، عندما كان في زيارة إلى منزله، وكان يغني في غرفته للمطرب العراقي الراحل ناظم الغزالي، فنال إعجابه وقدمه للملحن مجيد العلي؛ ليكون عازفا على آلة "الأكورديون" في فرقة نادي الميناء، ومغنيا في بعض حفلاته، فأعجب الحضور بصوته، وتوقعوا له أن يكون خليفة للغزالي، الذي شكلت وفاته المفاجئة آنذاك صدمة كبيرة للعراقيين.
وفي عام 1968 حدثت النقلة الأكبر في مشواره الفني، عندما اختارته لجنة المسح الإذاعي والتلفزيوني في العراق، ليكون المطرب العراقي الوحيد الذي يصل للإذاعة والتلفزيون بدون أن يقف أمام لجنة اختبار، وسجل حينها أغنية "سوار الذهب"، وهي أول أغنية له، وكانت من ألحان سالم حسين، الذي اختار له اسمه الفني "فؤاد سالم" بدلا من اسمه الحقيقي فالح حسن.
وكان فؤاد سالم قد تألق مع الفرق المسرحية عبر أوبريت " بيادر خير"، وأوبريت "نيران السلف"، وأوبريت "المطرقة"، وكان آخر أوبريت له قد عمله مع المخرج الراحل عبد المطلب السنيد في أميركا بعنوان "الشمس تشرق من هناك" عام 2002.
العقد الذهبي للأغنية
و شكل فؤاد سالم مع زملائه ياس خضر وفاضل عواد وحسين نعمة وسعدون جابر وقحطان العطار انعطافة كبيرة في الأغنية العراقية في سبعينيات القرن المنصرم، وما يزال هؤلاء المطربين مع كاظم الساهر، الذي ذاع صيته نهاية ثمانينيات ومطلع تسعينيات القرن الماضي في صدارة الأغنية العراقية بشهادة غالبية المختصين.
وتعامل فؤاد سالم مع غالبية الملحنين الكبار أمثال كوكب حمزة ومحمد جواد أموري وياسين الراوي وطالب القره غولي ومحسن فرحان وغيرهم، كما تعامل مع كبار الشعراء العراقيين مثل عريان السيد خلف وكريم العراقي وكاظم إسماعيل كاطع، وسجل عشرات الأغاني المهمة، أبرزها "يا عشقنا" مع المطربة شوقية العطار، وسمّيت هذه الأغنية بأغنية الأرض والوطن، ونالت شهرة واسعة حينها.
وبعد أن ابتسم الحظ له، وبات في مقدمة المطربين العراقيين من حيث جمالية الصوت وحسن اختيار أغانيه، تعرض لمضايقات عديدة من السلطات العراقية في عهد الرئيس الراحل أحمد حسن البكر؛ بسبب ميوله اليساري، حتى تعرض للاعتقال والتحقيق أكثر من مرة، وتعرض أيضا للضرب في مكان عام، وهو أمر أجبره على مغادرة البلد إلى الكويت نهاية عام 1977، ومنها توجه إلى اليمن، ثم عاد إلى الكويت التي انطلق منها بقوة نحو الجمهور الخليجي، وكذلك العربي.
وسجل فؤاد سالم الكثير من الأعمال الغنائية المهمة، لعل أبرزها أغنيته الشهيرة "مشكورة"، وهي من كلماته وألحانه، كذلك سجل قصيدة الشاعر العراقي بدر شاكر السياب "غريب على الخليج"، وقصيدة الشاعر محمد مهدي الجواهري "يا دجلة الخير"، فضلا عن العشرات من الأغاني الأخرى، التي تمزج حب الوطن باللون العاطفي.
وفي عام 1985 غادر الكويت ليستقر في الإمارات، ثم توجه للسعودية، وبعدها إلى سوريا، ثم إلى أميركا قبل أن يعود إلى العراق بعد عام 2003، وأراد الاستقرار فيه؛ إلا أن الظروف التي شهدها البلد لم تساعده على الوجود فيه، ليأتيه زائرا ثم يعود إلى منفاه في سوريا، وقد رحب به العراقيون كثيرا، واحتفوا فيه بترحاب كبير، كذلك أقام عدة حفلات في نادي العلوية ونادي الصيد وقاعة الشعب في بغداد وأيضا في أربيل.
ثم عاد إلى سوريا مجددا حيث تعرض إلى انتكاسة صحية كبيرة عام 2013 نتيجة إصابته بتلف في خلايا الدماغ، فقد على إثره النطق والحركة، ليعاني كثيرا قبل أن يرحل إلى مثواه الأخير في 20 ديسمبر/ كانون الأول من العام ذاته، وقد تم نقل جثمانه في وقت لاحق إلى العراق ليدفن فيه.
الملحن طالب غالي قال إن فؤاد سالم كان يتماهى مع اللحن، ويمنحه إحساسه المتدفق بالشجن
آراء بصوته
يقول الملحن طالب غالي إن فؤاد سالم يتميز بسرعة الحفظ، بحيث لا يُتعب الملحن، وكان يتماهى مع اللحن، ويمنحه إحساسه المتدفق بالشجن والارتواء، ويضيف عليه من إحساسه الخاص إضافات نوعية.
أما الملحن نامق أديب، فيرى أن فؤاد سالم كان حريصا جدا في أعماله، وكذلك دقيقا في اختياره للنصوص، التي يريد أن يغنيها، فضلا عن دقته في اختياراته للألحان، كما كان دقيقا جدا في ارتداء نوعية الملابس وشكلها، إذ دائما ما يؤكد أن هذه البدلة تتناسب مع هذا التصوير، كذلك كان يتدخل في ديكور الاستديو الذي يصور فيه أغانيه".
المطربة العراقية سيتا هاكوبيان (يمين) اعتبرت أن فؤاد سالم من أعذب الأصوات في الأغنية العراقية
أما المطربة العراقية سيتا هاكوبيان، فأكدت أن "فؤاد سالم يبقى الصوت الأعذب في الأغنية العراقية لحد الآن، ورحيله خسارة كبيرة".
عمري انقضى وعديته ..
وكل طور إلك غنيته!!#فؤاد_سالم pic.twitter.com/ItTnMqTDUM
— غديــر الصالح (@feezoof) December 14, 2020
الشاعر الغنائي ناظم السماوي، الذي كتب مجموعة من أغاني فؤاد سالم، فيقول إن المطرب الراحل كان يمتلك مواصفات نادرا ما تجدها في مطرب آخر، فهو صوت جميل، وكان شابا طيبا ووسيما، يمتلك ثقافة عالية، ويمتاز بالكرم، فضلا عن دقة اختياراته للأغاني، كما أنه سريع الحفظ ويتذوق الكلمة بشكل رائع جدا.
المرض أتعب فؤاد سالم في سنواته الأخيرة
عازف القانون جمال السماوي، الذي كان مسؤولا عن الفرقة الموسيقية، التي رافقت المطرب الراحل في حفلاته داخل العراق بعد عام 2003، أكد أن "فؤاد سالم مطرب كبير، وله ميزات عديدة منها جمالية الصوت، وحسن اختياره لمواضيع أغانيه؛ لكني أتفاعل جدا معه عندما يقوم بغناء الموال، أضف إلى ذلك هو الخليفة الشرعي لمطرب العراق الراحل ناظم الغزالي؛ لأنه يغني بنبرة الغزالي، وكذلك بذات المقامات العراقية التي كان الغزالي يغنيها.
وتابع السماوي "فؤاد سالم يصعب تقليده، وهو فنان ذكي ومثقف موسيقيا؛ لأنه ملحن أيضا وعازف جيد على آلة العود، لذلك كنت أشعر بالارتياح عندما أعزف خلفه".