حذف ياء المتكلم الزائدة المتصلة بالفعل الماضي
حذفت في تسع مواضع
1- ءاتــن الله : حذفت ياء آتاني في موضع واحد؛
في قوله تعالى : (فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَـاـنَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا ءاتَـاـنِ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا ءاتَـاـكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ(36) النمل.
ما قدمته ملكة سبأ هو شيء يسير منقطع، تريد بهديتها صرف سليمان عليه السلام عن ملكها، وما آتاه الله سبحانه وتعالى لسليمان هو عطاء دائم في حياته؛ من تسخير الرياح، والبنائين والغواصين من الجن الذين يعملون له ما يشاء، وجعل جيشه يتكون من الإنس والجن والطير ....
فماذا يكون عطاؤها هذا مع عطاء الله لسليمان عليه السلام حتى يسكت عنها، فحذفت ياء آتاني لبيان ديمومة عطاء الله له واستمراره؛ الذي يغنيه عن الحاجة لأي عطاء آخر.
وأثبت الياء في أربع مواضع أخرى؛
في قوله تعالى: (قَالَ يَـاـقَوْمِ أَرَءَيْتُمْ إِنْ كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَءاتَـاـنِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَـاـرِهُونَ(28) هود.
وفي قوله تعالى: (قَالَ يَـاـقَوْمِ أَرَءَيْتُمْ إِنْ كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَءاتَـاـنِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنصُرُنِي مِنْ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ(63) هود.
وفي قوله تعالى: (رَبِّ قَدْ ءاتَيْتَنِي مِنْ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَـاـوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّـاـلِحِينَ(101) يوسف.
وفي قوله تعالى: (قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ ءاتَـاـنِي الْكِتَـاـبَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا(30) مريم.
وكان إثباتها في هذه المواضع الأربعة؛ لأن أقوالهم كانت لبيان أن الله تعالى آتاهم ما لم يكن عندهم، فقد حول إليهم ما ذكروا وصُرف عن غيرهم؛ فآتى نوح عليه السلام رحمة من عنده وهي النبوة، ومثلها لصالح عليه السلام في الموضع الثاني من سورة هود، وآتى يوسف عليه السلام الملك بعد أن كان عبدًا مملوكًا وسجينًا، وكذلك آتى الكتاب لعيسى عليه السلام.
أما قول سليمان عليه السلام من قبل؛ فهو لبيان أن ما آتاه الله تعالى أغناه عن غيره، وليس لبيان أن ما آتاه الله لم يكن عنده من قبل؛ فلما اختلف بيان القائلين اختلف الرسم في إثبات وحذف الياء.
2- أخرتن : حذفت في موضع واحد؛
في قوله تعالى: (قَالَ أَرَءَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاّ قَلِيلاً(62) الإسراء.
حذفت ياء (أخرتني) لأن طلب الشيطان هو؛ أن يؤخر ويستمر تأخيره إلى يوم القيامة؛ حتى يتمكن من إغواء بني آدم بقدر ما يستطيع، فطلبه فلم يكن طلبه ليطول عمره فقط؛ بل لتطول فتنته للبشر.
وأثبتت في قوله تعالى: (وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَـاـكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنْ الصَّـاـلِحِينَ(10) المنافقون.
وكان إثباتها لأن الطلب فيها؛ أن يؤخر من حضره الموت تأخيرًا يسيراً، يتمكن فيه من التصدق والإنفاق مما رزقه الله، ويعمل صالحًا ينجيه من العذاب ويكون من الصالحين. فطلبه لأجل قصير ينقطع، وليس لأجل طويل يستمر، فالفاء في (فَأَصَّدَّقَ) التي تفيد التعقيب دون تراخ؛ تبين مراد القائل في طلبه.
3- اتبعن : حذفت ياء اتبعني في الموضعين الوحيدين؛
في قوله تعالى: (فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِي لِلَّهِ وَمَنْ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَـاـبَ وَالْأُمِّيِّينَ ءَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدْ اهْتَدَوا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَـاـغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ(20) آل عمران.
وفي قوله تعالى: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِ وَسُبْحَـاـنَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ(108) يوسف.
حذفت ياء (اتبعني) في هذين الموضعين؛ لأنه من يكون مع الرسول، ويحمل صفته في إسلام وجه لله، أو يعمل عمله في الدعوة إلى الله، ويضمه الله إلى جانب رسوله في مخاطبة المشركين؛ لا يكون إلا دائم الإتباع للرسول ، ومستمر على دين الله، سواءً أكان المتبع له في حياته، أو في أي عصر كان بعد مماته. وظل التابعون من هذه الأمة على اتباعهم لدعوة نبيهم عليه الصلاة والسلام ، بينما انقطعت دعوة الأنبياء من قبله، أو أبدلت بما هو غريب عنها.
4- دعان: حذفت ياء دعاني في موضع وحيد:
في قوله تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186) البقرة.
كان حذف ياء (دعائي) علامة على أن الدعاء المستجاب من الله تعالى هو لمن دام توجهه إلى الله تعالى، واستمر في لجوئه إليه، ولذلك يحب الله تعالى من عبده الإلحاح في الدعاء؛ لأن ذلك من علامات صدق استمرار اللجوء إلى الله عز وجل. والاستجابة من الله عندئذ محققة؛ إما بتعجيل طلبه، أو صرف السوء عنه، أو تأخير أجره ليوم القيامة؛ ما لم يعجل الإجابة، أو كان في دعائه إثم أو قطيعة رحم.
5- أشركتمون: حذفت ياء أشركتموني في موضع وحيد؛
في قوله تعالى: (وَقَالَ الشَّيْطَـاـنُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ ..... إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّـاـلِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ(22) إبراهيم.
حذفت ياء (أشركتموني) في هذا الموضع لأن الذي استمر على إشراكه بالشيطان؛ هو الذي حشر معه في نار جهنم، وأما الذي لم يشرك به، أو انقطع إشراكه به؛ فقد نجا وفاز بالجنة.
فالشيطان يخاطب الذين داموا على إشراكهم به، ولا يخاطب المنقطعين عن إشراكهم به، أو الذين لم يشركوا به من قبل. .
6- كذبون: حذفت ياء كذبوني في ثلاثة مواضع؛
في قوله تعالى: (قَالَ رَبِّ انصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ(26)، (39) المؤمنون.
وفي قوله تعالى: (قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ(117) الشعراء.
وقد حذفت ياء (كذبوني) في المواضع الثلاثة؛ لأن دعوة نوح وهود عليهما السلام على قوميهما في هذه المواضع كان بعد طول تكذيب لهما، واستمرارهم على تكذيبهما.
7- أكرمن : حذفت ياء أكرمني في موضع وحيد؛
في قوله تعالى: (فَأَمَّا الْإِنسَـاـنُ إِذَا مَا ابْتَلَـاـهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ(15) الفجر
حذفت ياء (أكرمني) لأن القائل يقصد إكراماً دائمًا مستمرًا له من الله؛ بسبب طول التنعم بعطاه الله له، ولا يتوقع زوال النعمة عنه.
8- أهانن: حذفت ياء أهانني في موضع وحيد؛
في قوله تعالى: (وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَـاـهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَـاـنَنِ(16) الفجر.
حذفت ياء (أهانني) لأن القائل يقصد إهانة دائمة مستمرة له؛ بسبب طول التقطير عليه، وضيق العيش، ويائس من سعة في الرزق تفرج عنه.
9- هدان: حذفت ياء هداني في موضع واحد؛
في قوله تعالى: (وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَـاـجُّونِي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَـاـنِ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ(80) الأنعام.
حذفت ياء (هداني) في الموضع الأول من الأنعام لأن محاججة قوم إبراهيم عليه السلام له كانت في طريق الهداية الذي يستمر في السير عليه، وقد جاء قبلها: (إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَـاـوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ (79) الأنعام.
وأثبتت ياء هداني في موضعين:
في قوله تعالى: (قُلْ إِنَّنِي هَدَـاـنِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ(161) الأنعام.
وكان إثباتها في هذا الموضع؛ لأن الحديث فيها عن هداية جديدة، وليس الاستمرار على هداية قائمة قبل النبوة، وإن كانت هي ما كان عليه إبراهيم عليه السلام، لكن الذين أرسل إليهم كانوا مشركين بالله، وعبادًا للأصنام.
وثبتت في قوله تعالى: (أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَـاـنِي لَكُنْتُ مِنْ الْمُتَّقِينَ(57) الزمر.
وكان إثباتها في هذا الموضع؛ لأن الحديث فيها عن هداية لم يتخذها سبيلا، أو انقطع عنها ولم يستمر عليها، وقد انقطعت بانقطاع الدنيا؛ فتحسر على ما فرط فيها كما جاء في الآية السابقة لها: (أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَـاـحَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنْ السَّـاـخِرِينَ(56)، وتمنى لو أن الله هداه لكان من المتقين، أي تمنى لو أن أمره في الدنيا انتهى على هدى، وكان من المهتدين المتقين، أما في الآخرة فكل واحد قد رأى صدق ما وعد به من قبل، وبصره يومئذ حديد.
هذه الأفعال التسعة التي حذفت فيها ياء المتكلم الزائدة المتصلة بالفعل الماضي.
أبو مُسْلِم/ عبْد المَجِيد العَرَابْلِي