❞هذه القلوب الحيوانية التي لو نُقِلت إلى جوانح البهائم لعاشت بها … وهذه النفوس التي تذل لأحقر من في الأرض ولا تثور إلا على السماء، وهذه العقول التي تحاول أن تكتب للروح تاريخًا أرضيًّا يبتدي وينتهي في التراب فتكون الحقيقة الإلهية التي لا يدركها الإنسان بسبيل من الوهم الإنساني الذي لا يدرك الحقيقة …
… وكتبتها وأنا أطمع أن تكون الطبيعة قد نفخت فيها نَسمَةَ الحياة للعواطف الميتة المُدْرَجة في أكفان من الحوادث الدنيئة؛ فإن هموم العيش لا تُميت من عواطف القلوب إلا تلك التي لا تعرف كيف تستمد الحياة من روح الطبيعة، وإنما يكون استمدادها من مادتها فتحيا بخبر وتموت بخبر، وقد تمضي كالوحش الذي يرميه الصائد ولا يصميه فينفِر حاملًا جنبه وفي جرحه الموت والحياة معًا …
… وكتبتها أتناول ألفاظها من تحت لساني وأكشف من قلبي معانيها وأنقض عليها ألوان الطبيعة التي تصوِّر أحلام النفس وخيالاتها، وأنا أرجو أن أكون ❝
❞ قد وضعت لطلبة الإنشاء المتطلعين لهذا الأسلوب أمثلة من علم التصوُّر الكتابي الذي توضع أمثلته ولا توضَع قواعده؛ لأن هذه القواعد في جملتها إلهامٌ ينتهي إلى الإحساس، وإحساس ينتهي إلى الذوق، وذوق يفيض الإحساس والإلهام على الكتابة جميعًا فيترك فيها حياة كحياة الجمال، لا تداخِلُ الروح حتى تستبد بها، ولا تتصل بالقلب حتى تستحوِذَ عليه فتكون له كأنها فكرة في ذاته.
وكل علوم البلاغة إنما تدور على شرح أمثلة بليغة وغير بليغة. فما من كاتب يحاول أن يستفيد تصورَه من هذه العلوم على أن ينزلها في ذلك منزلة الأصول والضوابط إلا انتهى إلى مَلكة علمية تتصل منه بعقل جامد كأنه غلاف لفظي نسجته القواعد والأمثال، فإلى أن يَعقد الموت لسانه لا تكون قيمة عمره قد أربَت في البلاغة على ثمن كتاب من كتب علوم البلاغة … ولا غرو فإن من ضلال العقل أن يعمل المرء لمقدمات متسلسلة يُنتج بعضها بعضًا وليس لمجموعها نتيجة. ❝