ان قصة " رحلة الحاج من هذا العالم إلى العالم الآتى " والتى كانت سبباً فى شهرة مؤلفها " جون برنيسان "، تعد من أكثر القصص إثارة فى الأدب الإنجليزى. وهى تحكى المحاولات التى يبلغها الإنسان لخلاص نفسه.

ولد برنيان فى " أيلستو " القريبة من " بدفورد " عام 1628، و كان أبوه سباكاً فتعلم منه حرفة إصلاح الأوانى. ولما كانت أسرته فقيرة فقد أرسل برنيان إلى مدرسة الفقراء.
وفى سن مبكرة أظهر برنيان خيالاً خصباً، إذ إنه بدأ فى التاسعة أو العاشرةة يرى أحلاماً مرعبة و رؤى مخيفة، ظلت تزعجه حتى وصل إلى عمر الشباب. ونشير هنا إلى أنه عندما بلغ الثامنة و الخمسين من عمره نظم قصيدة بعنوان " مرثاة الطفل الذى أستيقظ "، وفيها قسم يصف أستيقاظه من كابوس لاحقه وهو طفل.
ولم يتأثر برنيان بأهوال الحرب الأهلية بين الملك شارل الأول و البرلمان، إلى أن جند فى الجيش الأيرلندى عام 1645، وقد خدم فيه ثلاث سنوات عاد بعدها إلى مسقط رأسه فى " أيلستو ". وبعد سنتين تزوج من امرأة لا تقل عنه فقراً، ولكن الفقر لم يحل دون سعادتها.

تأثر برنيان بالكتب الدينية التى قرأها، فكان يلجأ، من حين إلى آخر، إلى التأمل و يشعر إنه " رجل لم يوفقه الله للتقرب من المسيح عند مواجهته الموت ". هذه العبارة تساعدنا، مع مواقف و أقوال أخرى مماثلة، على تفهم الرؤيا التى كانت تنتابه أحياناً.

كان برنيان يخشى أن يلهو يوم الأحد لأن ذلك يعد خطيئة. وفى يوم من أيام الأحد، و بينما كان يشارك فى ألعاب القرية، سمع صوتاً يقول : هلى تفضل التخلص من خطاياك و الأنتقال إلى السماء، أم أنك تفضل البقاء عليها و الأنتقال إلى الجحيم ؟؟؟ ". وعندما رفع بصره نحو السماء خيل إليه وجه المسيح قد تراءى له.
أما شفاؤه من تلك المخاوف فقد بدأ عندما سمع بعض النسوة من بدفورد يتحدثن عن " ولادة جديدة من رحمة الله على قلوبهن ". وكانت تلك النسوة من أعضاء جمعية دينية. فأنضم برنيان إلى تلك الجماعة فى سنة 1653، ومع ذلك فإنه لم يتخلص من التساؤلات التى كانت تؤرقه إلا بعد ذلك بزمن. وكان لقراءة الإنجيل الأثر الفعال فى تبدل تفكيره وهو يقول : " بدأت أنظر إلى الإنجيل بعينين جديديتين، و أخذت أقرأ فيه كما لم أقرأ قط".

بعد أن تغلب برنيان على الصراع الذى كان يدور فى داخله، أراد أن ينقل ما تعلمه إلى الآخري. وفى عام 1655 بدأ يعظ الناس بحماسة و إخلاص. ولكن البلاد التى ظلت حقبة طويلة ممزقة بسبب الخلافات الدينية بين البروتستانت و الكاثوليك، جعلت السلطات فيها تتوجس خيفة من الوعظ الخاص. لذلك ألقى القبض عليه فى عام 1660، ومع ذلك رفض أن يوافق على الأمتناع من الوعظ، فحكم عليه بالسجن مدة ثلاث أشهر. ولكن مدة إقامته فى السجن بلغت أكثر من عشر سنوات.

و عندما أفرج عنه فى عام 1672، أنتخب جون راعياً لابرشيته، وحصل على تصريح بالوعظ. وفى عام 1675 ألغى التصريح و أعيد برنيان إلى السجن حيث مكث فى سجن " بدفورد قرابة سنتين ( وفى هذه المرحلة كتب الجزء الأول من قصته " رحلة الحاج " ). وفى عام 1685 كان برنيان قد أصبح واحداً من أبرز الواعظين فى إنجلترا، وكان من عاداته أن يزور لندن حيث كان له عدد كبير من الأتباع و المعجبين.

نالت مؤلفات برنيان شهرة واسعة فى تاريخ الأدب الإنجليزى، مع العلم أن رغبته الحقيقية لم تكن فى الشهرة بقدر ما كانت فى مساعدة الناس لخلاص نفوسهم.
أما أهم مؤلفاته فهى " المغفرة لزعيم الأثمين عام 1666، و " رحلة الحاج " ( الجزء الأول ) عام 1678، وكتاب " الشعر للفتيان و البنات " عام 1686،
وقد توفى برنيان فى لندن فى 31 آب ( أغسطس ) عام 1688.