من القارة البعيدة آتى صوت السينما مُعلنًا عن ثقافة شعب غابت عننا لسنوات طويلة، بعد أن اقتصرت معرفتنا بلداننا العربية على كون أن الشعب الكوري ما هو إلا المصنّع غير مدركين الجانب الفني منه، حتى فتح الفيلم الكوري Parasite، العام الماضي أمام السينما الكورية الباب لكي تنطلق، ويرة منها الجمهور نافذة هامة لهذه السينما المبهرة والتي تحاكي عالم الواقع الممزوج بالخيال أحيانًا، والذي جعلك تمتزج فيه بعزوبة دون فجاجة، أو تغييب للعقل بشكل ما.
ومع بداية عرض فيلم The Call على منصة نتفيلكس العالمية، واحتلاله قائمة الأعلى مشاهدة على الموقع، لتعلن كوريا عن إنتاجها القوي الذي جذب الجميع لمشاهدته سينمائيًا بعد الخطوات التي قطعتها تلك الدولة دراميًا لغزو المنطقة العربية دراميًا ولكنها لم تنجخ بالشكل الكافي ولم تحقق المرجو كالأعمال التركية التي اشتهرت وانتشرت بشكل أكبر منها خلال السنوات الأخيرة.
قام ببطولة فيلم The Call، الكوري جنوبيًا كل باك شن هي، جيون كونغ سيون، كيم سونغ ريونغ، لي أل، أوه جونغ سي، لي دونغ هوا، وهو عن قصة الكاتب البريطاني سيرجيو كاسي، والذي تم إعداده هذا العمل كفيلم إنجليزي عام 2011.
ولم يكن هذا العمل الكوري الوحيد الذي يحمل هذا الاسم في 2020، بل أن هناك فيلم أميركي آخر يحمل ذات الاسم ولكنه يتحدث في ثمنينات القرن الماضي، وقصته مختلفة تمامًا، كما أنه عام 2013 تم إصدار فيلم يحمل ذات الاسم وكان يثير في إطار الجرمية وهو من بطولة هالي بيري ومايكل إكلوند وإخراج براد إندرسون.
ونرصد من خلال هذا التقرير الأسباب التي تجعل المشاهد يتحول إلى جديد السينما الكورية من خلال فيلم “the call”، الذي نال إعجاب الجمهور.
The Call البصريات الجاذبة للعين
عانت المسلسلات الكورية التي تم عرضها على القنوات المصرية والعربية من كفاءة صورة ليست بالممتازة، لنجد أن العمل السينمائي الذي اختار المنصة الأشهر عالميًا لعرضه يتميز بصورة عالية الجودة خاطفة لللعين، وذات ألوان ومؤثرات بصرية هائلة، لتمحي ما قدمته الدراما الكورية في أذهان المشاهدين من رداء في بعض الأحيان.
التفوق الغير معتاد تمثيليًا
مع ما تعرف عليه الجمهور العربي بوجه خاص في الأعمال الكورية، كانت الخلفية لديه هي الأداء التمثيلي الزائد عن الحد، أو الباهت والبطئ في أغلب الأحيان، والذي كان بقدرته أن يكون منفرًا للجمهور بكل سهولة، إلا أن العمل السينمائي الذي نحن بصدده الآن يمحي كل ما سبق من خلال أبطال الفيلم بارك شي هاي و جيون كونغ سيو، لي آل، والذين استطاعوا جميعًا، أن يكونوا أصحاب أداء ثابت وممتاز في أغلب المشاهد، وخاصة فيما يخص التحولات التي تصاحب الشخصيات بين الماضي والحاضر، وردود الأفعال تجاه الأحداث التي تتجانس مع الفانتازيا تارة والمشاعر تارة آخرى.
الواقع والفانتازيا في نسيج متألف
يروي فيلم The Call قصة فتاتين تعرفا على بعضهما البعض من خلال مكالمة هاتفية، لتكتشف بطلات العمل أن كل منهما تعيش في زمن مختلف ولكن الزمنين يتوقفا على بعضهما البعض، وحياتهم تترتب على بعضها الآخر محاولين أن يغيرا في عالم كل منهما للأحسن، بالطبع هذا شئ من الخيال والفانتازيا، ولكنها كانت محبوكة على عكس ما يمكن أن يُطلق عليه “الأوفر” في السيناريوهات الآخرى، لنقع تحت إيقاع متزن وسليم في سينما كوريا جديد الانطلاق علينا بشكلها الجديد.
الخرافات .. في كافة الدول واحدة
كان هناك جانب آخر في قصة فيلمنا the call، في حياة الفتاة التي تعيش في الزمن الماضي، والتي كانت تتلقى التعذيب في الكثير من الأحيان من السيدة التي تعيش معها، والذي أدى بها هذا التعذيب المستمر إلى قتل رفيقتها قبل أن تقتلها الأخيرة،اعتقادًا منها أنها “مسكونة” روحيًا، بأرواح شريرة كوالدتها التي توفت، وتقوم بالاعتداء عليها جسديًا لطرد هذه الأرواح، وفي إحدى محاولات قتلها وبمساعدة رفيقتها صاحبة الاتصال الهاتفي تجعلها تكشف ما ستقوم به هذه السيدة وتقتلها بطلة المكالمة الهاتفية قبل أن تُقتل على أيدي صاحبة الخرافات.
ومن خلال هذه الزاوية التي عرضها الفيلم، نجد أن الإيمان بالخرافات والأوراح لم يقتصر على وطن بعينه أو طبقة بعينها، ولكنها تتطابق في الجميع دون اختلافات حتى في طريقة التعامل .
فيلم The Call التداخل القصصي بين الفائدة والضرر
مع تداخل قصة the call، بين الخيال والفانتازيا وبين الحقيقة، نجد أن هذا التداخل خدم الفيلم في بعض الأوقات حيث أنه خرج بالعمل من النقاط المُعتاد مشاهدتها في الاعمال الكورية والتي تم تداولها خلال الكثير من الأعمال التي ظهرت رومانسية فقط، وذات إطار إجتماعي محدد، إلى الرعب والأكشن والتشابك الفكري الذي يأخذ عقل المشاهد إلى الدخول في الأحداث بشكل أكثر عمق وتركيز.
ولكن يمكن اللوم على هذا التشابك، بأنه وصل بالفيلم إلى حاله من التيه في بعض الأحيان بالمشاهد المصاحبة للنهاية التي تم بها دمج الزمنين المختلفين الذين تقم بهما الأحداث لكي يصل إلى نقطة النهاية التي جاءت أيضًا في حالة من عدم الثبات الكلي لأحداث الفيلم، وذلك بسبب أن المؤلف حاول أن يذهب بالنهاية غير المتوقع وإطعام المشاهدة في النصف ساعة الأخيرة في الفيلم بجزء من التشويق والإثارة الذي لم يخدمه كما يجب، والذي أضفى إلى جانب التشويق التيه وعدم الركوز، لنجد في آخر مشاهد the call، أن الفتاة التي تعيش في أيامنا قد خرجت من غطاءها التي وضعت به، وتجد والدتها في انتظارها قد اختفت في النهاية وكأنها الرياح وعادت الفتاة لتعيش بمفردها مرة آخرى، بين هل ما سار طوال الساعتين للفيلم يمكن أن يكون حقيقي أم خيال.
عزة عبد الحميد - أراجيك