الحيتان المنقارية تفضل العيش في الأعماق البعيدة (بيكساباي)
رصد العلماء صوتا غريبا آتيا من المياه المحيطة بجزر سان بينيتو المكسيكية عام 2018، وسبق أن سجل العلماء صوتا آخر مشابها قبالة ساحل كاليفورنيا. ومن المعروف أن للحيتان والدلافين أصواتها المميزة، إلا أن هذا الصوت الجديد -الذي مُنِح اسم "بي دبليو 43" (BW43)- لم يكن مثل الأصوات المسجلة سابقا.
حيتان منقارية متنوعة
اعتقد العلماء في ذلك الوقت أن هذا الصوت ينتمي لأحد أنواع الحيتان المنقارية من نوع "ميسوبلودون بِرِّيني" (Mesoplodon perrini) التي تختبئ في أعماق البحار، والتي لم تر من قبل حيةً.
وتم التعرف على هذه الحيتان المنقارية بعد أن جرفت المياه 5 جثث منها إلى شواطئ كاليفورنيا بين عامي 1975 و1997. وتتشابه حيتان "بِرِّيني" كثيرا مع حيتان هيكتور المنقارية من النوع "ميسوبلودون هيكتوري" (Mesoplodon hectori)، ولطالما صُنِّفَت تبعا لها.
وتعد الحيتان المنقارية من الثدييات الأقل صيتا في العالم؛ وذلك لأنها تفضل العيش في الأعماق البعيدة. فعلى سبيل المثال، سجل أحد أنواع الحيتان المنقارية في الشهر الماضي أعمق غطسة لثديي بحري على الإطلاق؛ إذ قضى حوت "كوفييه المنقاري" (Cuvier’s beaked whale) ما يقرب من 4 ساعات تحت الماء من دون تنفس، كما أن بعض هذه الحيتان من نوع "ميسوبلودون ميرَس" (Mesoplodon mirus) يزن آلاف الكيلوغرامات.
وما زال العلماء يتعرفون على المئات من هذه الثدييات الضخمة، وذلك بعد مئات السنين من تسمية أول حوت منقاري. واعتاد العلماء في البداية تصنيف الحيتان المنقارية ضمن نوعين فقط، إلا أننا الآن نعرف ما لا يقل عن 23 نوعا منها. ورغم ذلك، فإننا نجهل الكثير عن هذه الكائنات التي تقضي أغلب وقتها على عمق آلاف الأمتار تحت سطح الماء.
يتم التعرف على الحيتان المنقارية بعد نفوقها (سيلفر ليبرز-ويكيبيديا)
سمات مميزة
وحديثا، تعرفت الرحلة الاستكشافية -التي قادها علماء من جمعية رعاة البحر للحفاظ على البيئة (Sea Shepherd Conservation Society) في 17 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي- على 3 من الحيتان ذوات المنقار، التي طفت على سطح المياه بالقرب منهم، والتقط العلماء العديد من الصور وتسجيلات الفيديو لهذه الحيتان، كما وضعوا مسجلا للصوت لرصد الإشارات الصوتية لهذه الحيتان.
كما جُمِعَت عينات من الحمض النووي البيئي (وهو الحمض النووي الذي يتَخَلَّف عن الكائنات في البيئة التي تعيش فيها) لهذا الكائن الغريب. ورغم أن العينات ما زالت قيد الدراسة والتحليل، فإن العلماء يرجحون أنها لكائن جديد لم يتم التعرف عليه من قبل.
فطبقا للبيان الصحفي الذي نشرته الجمعية، فإن العلماء يعتقدون أن هذه الحيتان الثلاثة لا تنتمي إلى النوع "ميسوبلودون بِرِّيني" أو إلى أيّ من أنواع عائلة الحيتان المنقارية، كما أن الأصوات التي رُصدت لا تشبه الأصوات الصادرة عن أي نوع من الحيتان المعروفة.
وحول هذه البيانات التي تم جمعها يقول جاي بارلو -وهو أحد قادة البعثة الاستكشافية- إنهم "تعرفوا على كائن جديد لم يسبق التعرف عليه في مثل هذه المنطقة، كما أنه لا يشبه شكليا أو صوتيا أيا من الكائنات المعروفة".
عينات الحمض النووي البيئي توفر الدليل على أنواع الحيتان وصفاتها (رولاند إدلر-ويكيبيديا)
إشكالية التصنيفات الجديدة
وعلى النحو ذاته، يرى مدير حملات جمعية رعاة البحر بيتر هامرستيد أن "اكتشاف نوع جديد من الحيتان المنقارية يبرهن على مدى الغموض الذي تحويه المحيطات".
ويتطلب تصنيف أي نوع بحري جديد عددا من الأدلة والمعلومات الكافية، وعملية جمع هذه الأدلة تعد أمرا مضنيا على الباحثين الذين يتعقبون تلك الكائنات البحرية التي تغوص في الأعماق البعيدة، أضف إلى ذلك أن نقص المعلومات المتعلقة بالحيتان المنقارية يزيد الأمر تعقيدا؛ إذ تصعب مقارنة أنواع الحيتان تلك في ظل غياب الأدلة الوراثية الكافية.
لذا، فإن جمع عينات الحمض النووي البيئي "من المياه التي غاصت فيها هذه الحيتان يوفر الدليل القاطع على المكان الذي تواجدت فيه هذه الكائنات"، كما تقول إليزابيث هندرسون، وهي باحثة الصوتيات الحيوية المشاركة في البعثة، كما نقله عنها موقع مونجاباي (Mongabay).
وتضيف هندرسون "ما زلنا نعقد الأمل على وجود بعض هذه الأحماض النووية البيئية المتبقية لتلك الكائنات، سواء نتج ذلك عن جلدها المنسلخ في المياه أو بعض بقايا البراز الخاص بها".