لو أنها غابت ولم تظهر من خلال عملٍ فني درامي، لكان خريفنا هذا العام ناقصاً. هذا ما شعرت به بعد أن شاهدتها في مسلسلها الجديد. طبعاً أتحدث هنا عن النجمة الأسترالية “نيكول كيدمان“، التي أمتعتنا العام الماضي بمسلسل أكاذيب كبيرة صغيرة Big little lies. وإلى اليوم يتذكر المتلقي العمل بتفاصيله الممتعة وحبكته المدروسة المقنعة، ورقي أداء كيدمان لشخصية سيليست رايت في الجزء الأول والثاني منه.
حضور كيدمان الأخير جاء عبر مسلسل التراجع The Undoing تحفة قناة HBO الذي أضفى رونقاً جميلاً وخاصاً على شهر نوفمبر وخريف سنة 2020، بأجوائه الهادئة الدافئة والباردة قليلاً.
نبذة عن مسلسل التراجع The Undoing
ضمن قالبٍ درامي، اجتماعي، تشويقي، ينقلنا مسلسل التراجع بأحداثه إلى داخل حياة النخبة في منطقة مانهاتن داخل مدينة نيويورك. حيث تدور قصة العمل حول الطبيبة النفسية الناجحة غريس فريزر (تؤدي شخصيتها الممثلة نيكول كيدمان)، وزوجها طبيب الأورام جوناثان فريزر (يجسد الدور الممثل هيو جرانت). زوجان ثريان يعيشان حياة مثالية، تبدأ هذه الحياة بالإنهيار مع إتهام الزوج بجريمة قتل امرأة تدعى إيلينا ألفيس (تلعب دورها الممثلة ماتيلدا دي أنجيليس)، بعد أن تم اكتشاف وجود حمضه النووي في مرسمها (مسرح الجريمة). ليتبين لاحقاً أنها كانت عشيقته السرية وأم طفلته، تعرف عليها كونه الطبيب المعالج لابنها المصاب بالسرطان.
الضحية الغامضة
تظهر شخصية إيلينا في الحلقة الأولى أثناء اجتماع لسيدات الطبقة المخملية لتنظيم مزاد لجمع التبرعات لمدرسة أبنائهم ريردون. تبدو عليها ملامح الغموض والحذر، بالإضافة لتصرفاتها الغريبة الشبيهة لسلوكيات بعض الأناس الشعبيين، كممارستها فعل الأمومة عندما قامت بترضيع ابنتها أمام سيدات تجتمع بهن لأول مرة، كاشفةً عن صدرها العارم دون استحياء. تحاول ألفيس التقرب من زوجة عشيقها غريس، فيترجم حضورها لك كمشاهد أنها تعترض طريقها، دون فهم واضح لغايتها. تظهر أمامها عارية الجسد بالكامل في غرفة تبديل الملابس في النادي الرياضي وتتبادل معها أطراف الحديث. وفي حفلة المزاد تترصدها طوال الوقت، كما تقوم بتقبيلها في المصعد قبل مغادرتها الحفل.
شخصية غامضة مضطربة غير منضبطة بسلوكياتها، خائنة لزوجها، ساحرة وجاذبة للجنس الأخر وهذا جلياً بتجمع الرجال حولها في حفلة المزاد. امرأة مهووسة بعالم الأثرياء، ولُحظ ذلك من خلال سعيها الانخراط فيه.
سيناريو يتلاعب بك كمشاهد
مع اكتشاف وقوع الجريمة في الحلقة الأولى، وضوح معالم الجريمة ووجود الأدلة الكافية التي تدين جوناثان، كا علاقته الجنسية بالضحية والصور التي التقطتها كاميرات المراقبة بالإضافة لهروبه والتواري عن الأنظار. إلا أن كاتب السيناريو تمكن في الكثير من الأوقات التلاعب بتفكيرنا وجعلنا استبعاد الشبهة عنه، ورمي شخص أخر في قفص الإتهام. في البداية مال الشك صوب غريس المرأة المخدوعة البائسة (ربما تتدعي جهلها موضوع الخيانة)، أيضاً والدها فاحش الثراء فرانكلين راينهارت (يؤدي دوره دونالد ساذرلاند) الذي ظهر في أحد المشاهد واقفاً أسفل منزل زوج إيلينا، فتساءلنا عن مدى معرفته به؟!، وكرهه كذلك لجوناثان.
زوج الضحية نفسه فرناندو ألفيس (يجسد دوره اسماعيل كروز كوردوفا) الذي يعرف أن امرأته خائنة، وأن والد طفلتها التي يعتني بها هو طبيب ابنه الذي ساعده على الشفاء. هنري ابن جوناثان وغريس هنري (الممثل نوا جوبي) بعد أن اكتشفت والدته سر إخفاءه المطرقة التي قتلت بها إيلينا في علبة آلة الكمان، ليعترف أنه وجدها مخبأة وتأكده أن والده القاتل.
رغم بطء الأحداث في أغلب الحلقات، لا يمكن إغفال دور السيناريو في تحقيق عامل الإثارة والتشويق مع كل حلقة وتركك مشدوهاً للحصول على إجابات لأحداث تنضح بالأسئلة.
من نقاط ضعف السيناريو نقطة أساسية وسؤال راودني مراراً وتكراراً.. هل يعقل أن معالجة نفسية ناجحة، تنخدع كل تلك السنوات بشريكها في الحياة؟! لم تلحظ أي سلوك غير سوي على زوجها من قبل؟! أم أنها شخصية تتغاضى وتكف النظر لأجل حياة مثالية، ولو زيفاً.
أيضاً مشهد المطاردة، لا شك أن من يلاحقونه مجرم فار من العدالة. لكنه ليس بسفاح.
أداء مبهر لنيكول كيدمان
لا شك أن وجود نيكول كيدمان كبطلة رئيسية في العمل، أحد أسباب نجاحه واهتمام المشاهد بمتابعته. قدمت نيكول أداء مبهر ومقنع لشخصية المعالجة النفسية غريس. حيث اتسمت الشخصية بالهدوء والإتزان العقلي طوال المسلسل، والاستقرار النفسي في بدايته. استطاعت بتعمقها الواضح في الدور أن تعكس بأداءها أسلوب حياة الطبيبة النفسية، المنحدرة من عائلة ثرية تسعى لتحقيق الكمال في معيشتها كطبقة مخملية أمام المجتمع. بين واقع مأزوم نفسياً وماضٍ غارقٍ بالحب والاستقرار، ترجمت تلك التقلبات بملامحها، بعضلات وجهها، ونظراتها، حافظت على تشتت روحها بتشبثها الخارجي. صدمات كثيرة تعرضت لها، خيانة زوجها واتهامه بجريمة قتل، رغم ذلك كانت لديها رغبة بالاقتناع ببراءة زوجها، لو كان ذلك على حساب تحقيق العدالة للضحية وعائلتها. بما أنه لا وجود لأداة الجريمة بعد. ولكن تشهد تحول وانقلاب في رأيها بعد أن علمت أن ابنها قد أخفى المطرقة (أداة الجريمة) لحماية والده.
من أفضل المشاهد في رأيي، حينما اكتشفت سلاح الجريمة في علبة ألة الكمان لولدها هنري. هل شاهدت صدمة غريس؟ أنا شخصياً قمت بتكرار المشهد أكثر من مرة. إنها ساحرة بالفعل. اختلطت نظرتها بالخوف والشك.
أيضاً اللحظة التي قررت بها الانقلاب والشهادة في المحكمة ضد جوناثان، وتسليمه بنفسها للعدالة بالاعتراف ضده، والنظر في عينيه والمواربة لقول الحقيقة. استحوذت على ثقة لجنة الأعضاء المحلفين، وعلينا في أداءها.
جوناثان المجرم اللطيف
استطاع الممثل الرائع هيو غرانت من وضعنا في حيرة من أمرنا، نشك ببراءته حيناً ونتعاطف معه حيناً أخرى.. ونتمنى براءته كذلك الأمر. بدايةً تتسأل هل ممكن أن تتم محاكمته وهو طبيب معروف وثري؟ هل سينجو مرة جديدة أصحاب الطبقة المخملية بفعلتهم؟ رغم القرائن الموجودة!
يتمتع جوناثان بشخصية ماكرة يخدعنا بلسانه المعسول، قادر على التلاعب بالعقول. وميض عينيه يحرك عواطفك، علاقته وحبه لابنه تثير الريبة تجاه إنسانيته. لتؤكد الحقائق التي تتكشف لاحقاً، أن حبه لهنري يعزز له صورته المثالية كأب. فهو إنسان نرجسي، لا يشعر بالألم تجاه مايرتكب من أفعال.
الجينيريك بصوتها
لم أعلم أن نيكول كيدمان هي من تغني الجينيريك، أول سماعي لها. أحببت الأغنية جداً، تخيلت أن القصة وردية، بمعوقات حياتية بسيطة.
صرحت كيدمان أنها رفضت الأمر برمته، بادئ ذي بدء. لكن المخرجة “سوزان بير” أقنعتها بالغناء. كما أقنعتنا بإخراجها المميز للعمل، وبصورتها وألوانها وكوادرها. عدا مشهد المطاردة، أقصد هنا السرعة التي هبطت بها طائرة الهليكوبتر. والسماح لغريس ووالدها المشاركة بالمطاردة بطائرة الهليكوبتر، ولكن التفسير المنطقي يقول أن الطائرة ربما لوالدها فرانكلين الذي يتمتع بنفوذ سلطوي كأحد أثرياء نيويورك.
علي عمار - أراجيك