لوحة ما بعد ظهيرة الأحد للفنان جورج سوارت (مواقع التواصل)
يشير لفظ الحداثة إلى حركة عالمية في المجتمع والثقافة سعت منذ بداية القرن العشرين إلى مواءمة جديدة مع مفاهيم وقيم الحياة الصناعية الحديثة. استخدم فنانو الحداثة في جميع أنحاء العالم صورا ومواد وتقنيات جديدة لإنشاء أعمال فنية شعروا أنها تعكس بشكل أفضل حقائق وآمال المجتمعات الحديثة.
تستخدم مصطلحات الحداثة والفن الحديث عموما لوصف الحركات الفنية التي حددها النقاد والمؤرخون منذ واقعية غوستاف كوربيه، وبلغت ذروتها في الفن التجريدي وتطوراته في الستينيات.
وعلى الرغم من أن المصطلح يشمل العديد من الأساليب المختلفة، فإن هناك بعض المبادئ الأساسية التي تحدد الفن الحداثي منها: رفض القيم الفنية التاريخية المحافظة مثل التصوير الواقعي للموضوعات والالتزام بالمنظور، والاهتمام بالابتكار والتجريب في الأشكال والألوان والخطوط التي يتكون منها العمل الفني مع الميل إلى التجريد، والتركيز على العملية الفنية نفسها وليس المنتج النهائي فقط.
كانت الحداثة أيضا مدفوعة بأجندات اجتماعية وسياسية متنوعة مختلفة، مرتبطة غالبا بالأفكار الطوباوية والرؤى المثالية للحياة البشرية والمجتمع والرغبة في المساواة والتقدم.
الاستقلالية والحداثة
يعمل الفن الحديث على تقديم الأفكار والمشاعر والعواطف بطرق جديدة بناء على التجارب الشخصية بعيدا عن الأفكار الكلاسيكية التي تسلم بالعقل الجمعي ولا ترسخ للفردانية. يحدث ذلك عن طريق اللوحات وأجهزة العرض، والشاشات التفاعلية، ومقاطع الفيديو.
ومن بين الأشكال الأولى للتمثيل الفني لوحات الكهوف التي أثبتت أن البشر منذ قديم الزمن كانوا قادرين على التجريد، وقادرين على التواصل مع الآخرين عن طريق اللغة الفنية، ومع ظهور الحداثة لم يعد هناك حدود للفن وطرق التعبير.
بمرور الوقت تمتع المجتمع بمختلف مجالات التطور الثقافي مثل الرسم والمنحوتات والعمارة والمسرح والرقص والسينما والأدب، لكن مع تطور التكنولوجيا تم تعديل طرق العرض لتناسب التطور التكنولوجي ومفاهيم الحداثة، وظهرت أنواع أخرى من الفنون مثل التصوير الفوتوغرافي وفنون الفيديو والميديا.
قدمت الحداثة ربطا بين الفن بجميع أشكاله وعبورا نوعيا بين جميع الأشكال والأنواع الفنية، وأصبحت العلاقة بين الإنسان والطبيعة، والعلاقات الإنسانية هي ركائز المعرفة والإلهام، خاصة بعد ظهور منصات رقمية مثل إنستغرام ويوتيوب وغيرها من المنصات التي تروج الفن عبر الإنترنت، وبدأ الناس في التفاعل مع الفن بشكل يومي بعيدا عن المتاحف وقاعات العرض المغلقة. يحدث ذلك باستمرار، وله تأثير كبير، رغم المزاعم التي تلقي اللوم على التكنولوجيا في عدم اهتمام الناس بأشكال فنية معينة مثل المسرح على سبيل المثال.
على الجانب الآخر يعتقد الفريق المضاد أنه حتى الفنون الكلاسيكية والفنون التي لا تعرض عبر المنصات الرقمية، ما زالت موضع تقدير كبير في المجتمع، وأن المسارح ودور الأوبرا وقاعات عرض الفنون ما زالت مزدحمة بالرواد.
أي أن جوهر الفن ما زال نقيا ومتصلا بمحبيه، ومثيرا للجدل دائما سواء كان حقيقيا أو افتراضيا، ثابتا أو ديناميكيا، سيبقى بغض النظر عن الشكل الذي يتخذه والطريقة التي يعرض بها، وكل ما في الأمر أن المنصات الرقمية جعلت الوصول إلى الفن أكثر سهولة.
بشكل عام هناك طريقتان مختلفتان للتفكير في الفن الحديث، أو نسختان مختلفتان من القصة. تتمثل وجهة النظر الأولى في النظر إلى الفن على أنه شيء يمكن ممارسته أو التفكير فيه كنشاط منفصل جذريا عن الحياة اليومية والاهتمامات الدنيوية. يعتقد أصحاب هذه الرؤية أن الفن مستقل عن المجتمع. أي أنه مكتفي ذاتيا وذاتي الإشارات.
في المقابل يعتقد أصحاب وجهة النظر الأخرى أن الفن الحديث استجابة للعالم الحديث وصراعات وتحديات المجتمع، مما يعني أن بعض الفنانين المعاصرين سعوا إلى نقل الخبرات المتغيرة في بلدانهم من خلال الفن، عندما بدؤوا في تسجيل وتوثيق الخبرات اليومية والتحولات الإنسانية عن طريق الفن، وهنا ظهرت الحداثة.
تحديات الفن الحديث
ورغم أن جذوره تعود إلى القرن التاسع عشر، فإن مقاربة الفن الحديث بوصفه ممارسة مستقلة ترتبط بشكل خاص بأفكار النقاد الإنجليز روجر فراي (1866-1934) وكليف بيل (1881-1964) وكليمنت غرينبيرغ (1901-1994) ومدير متحف نيويورك للفن الحديث ألفريد إتش بار (1881-1902). لفترة من الزمن افترض الجميع أن الفن قائم بذاته، وأن الفنانين يتصارعون فقط مع المشكلات المتعلقة بالرسم والنحت، ويمكن وصف تلك الفكرة بالمنهج الشكلي.
اقترح غرينبيرغ أن الفن في خطر من تحديين مرتبطين بصعود الدكتاتورية متمثلة في ستالين وموسوليني وهتلر وفرانكو، بالإضافة إلى الثقافة البصرية التجارية الاستهلاكية التي ظهرت مع الفن الحديث.
أدارت الأنظمة الدكتاتورية ظهورها للفن الطموح، وحظيت بقبول الجماهير من خلال الترويج لشكل منحط من الواقعية كان من السهل على الجماهير فهمه باعتباره فنا معلبا يجذب أكبر عدد من العملاء القادرين على الدفع. كان هذا الإلهاء مقصودا وموجها لتخريب الذوق وجعل الفن الهابط "كيتش" (KITSCH) متداولا ومنتشرا.
قارن غرينبيرغ التيار الرئيسي للفن الحديث المهتم بالتجربة الجمالية المستقلة مع ما أسماه "طريقا مسدودا" أو الاتجاهات الفنية التي لا تقود إلى مكان. حتى عندما كان هذا مقيدا بالتقاليد الأوروبية، فقد ظهرت العديد من الاتجاهات الفنية الأكثر أهمية في أوروبا ما بين الحربين العالميتين، وأرادت هذه المجموعات الفنية دمج الحياة والفن وغالبا ما استندت ممارساتها على الرفض الاشتراكي للثقافة البرجوازية.