طيور البيئات المعتدلة والاستوائية يمكنها التعامل مع ارتفاع درجات الحرارة بشكل جيد (بيكساباي)
لا نعرف بالتحديد التبعات التي سيحملها تغير المناخ على أنواع الكائنات الحية. فهناك اعتقاد سائد بأن حيوانات المناطق الاستوائية ستعاني بشكل أكبر مقارنة بالكائنات التي تعيش في المناطق المعتدلة.
فاعتياد الحيوانات الاستوائية على بيئة حرارية مستقرة يجعلها معرضة للجفاف ولفقدان مساكنها وارتياد مناطق جديدة خارج حدود بيئتها المعتادة مع ارتفاع درجات الحرارة، الأمر الذي قد يؤدي إلى خسائر فادحة في أنواع الكائنات الحية.
إلا أن دراسة جديدة أجراها باحثون من جامعة إلينوي (University of Illinois) بالولايات المتحدة ونشرت نتائجها في دورية "فانكشنال إيكولوجي" (Functional Ecology) في الرابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي أظهرت أن كل الطيور التي تعيش في البيئات المعتدلة والاستوائية يمكنها التعامل مع ارتفاع درجات الحرارة الحاد بشكل أفضل بكثير مما كان متوقعا في السابق.
تأقلم حراري عجيب
ووفقا للبيان الصحفي الصادر عن الجامعة، يقول هنري بولوك قائد الدراسة، إن "الكائنات ذوات الدم البارد ساكنة المناطق الاستوائية -مثل الحشرات- تعتبر شديدة التأثر باحترار المناخ. إلا أننا لم نر الشيء ذاته في الطيور. فالفسيولوجيا الحرارية للعديد من هذه الطيور، بما في ذلك الأنواع الاستوائية، أظهرت قدرتها على التأقلم مع درجات الحرارة التي تزيد بكثير عما تكابده في أيامها العادية".
الحمام جاء كأفضل الطيور تحملا لارتفاع درجات الحرارة (بيكساباي)
ولاختبار قدرة الطيور التي تعيش في البيئات المعتدلة والاستوائية على تحمل الإجهاد الحراري الزائد، جلب بولوك 81 نوعا من الطيور من بنما وكارولينا الجنوبية وذلك لمعرفة مدى استجابة هذه الطيور لارتفاع درجات الحرارة.
وباستخدام بعض المستشعرات الصغيرة، تمكن بولوك من قياس درجة حرارة الجسم الداخلية لهذه الطيور وكذلك معدل التمثيل الغذائي (مجموعة التفاعلات الكيميائية التي تولد الطاقة أو تبني المكونات الأساسية للخلية) وذلك بعد تعريض الطيور لمستويات متزايدة من درجات الحرارة المرتفعة.
الحمام أكثر تحملا للحرارة
استجابت الطيور التي تعيش في البيئات المعتدلة وكذلك الاستوائية لارتفاع درجات الحرارة بشكل جيد. وبينما كانت طيور كارولينا الجنوبية أكثر تحملا للحرارة من الطيور البنمية، إلا أن كلتا المجموعتين قد جاوزتا توقعات بولوك. كما جاء الحمام من بين أفضل أنواع الطيور تحملا لارتفاع درجات الحرارة.
ففي حين تستخدم جميع الطيور اللهث للتحكم في درجة حرارتها، استفاد الحمام من قدرته الفريدة على التعرق لتخفيف وطأة ارتفاع درجات الحرارة. وهو ما يصفه بولوك قائلا "لقد تجاوزت قدرة الحمام على التحمل معدلات القياس المعتادة التي ترصدها أجهزتنا".
وعلى الرغم من أن هذه النتائج توفر أول دليل على مدى التحمل الحراري الذي تتميز به مجموعة متنوعة من الطيور، فإنها قد تأخذ سياقا ذا أهمية كبرى إذا ما وضعت في ضوء الاحترار العالمي.
قدرة الحمام على التعرق تزيد من مقدرته على تحمل ارتفاع درجات الحرارة (بيكساباي)
وهو ما يفسره بولوك قائلا "أظهرت مجموعتا الطيور قدرة على تحمل درجة حرارة في مدى 40 درجة مئوية. إلا أن هذه الطيور تواجه درجة حرارة قصوى تبلغ حوالي 30 درجة مئوية في بيئاتها اليومية، مما يعني أن أمامها مدى متسعا من درجات الحرارة التي يمكن تحملها".
وبعبارة أخرى، فحتى وإن زادت درجات الحرارة إلى 3-4 درجات مئوية -كحد أقصى كما يتوقع العلماء- فإن هذه الطيور ستظل قابعة تحت ظل هامش الأمن الحراري الذي توفره لها أجسامها.
تحذيرات ودراسات مستقبلية
لا تضع هذه الدراسة الاحترار التدريجي بعين الاعتبار، فقد اهتمت بعض الدراسات السابقة بفحص آثار مثل ذلك الإجهاد الحراري المزمن على الطيور.
وهو ما يؤكده بولوك بأننا "مازلنا بحاجة إلى مزيد من البيانات التي تجمع العديد من الطيور من المواقع المختلفة، وذلك لدراسة تأثير الإجهاد الحراري المزمن والممتد على فترات زمنية أطول. إلا أنني أعتقد أن معظم هذه الطيور -على أقل تقدير- ستكون قادرة على تحمل درجات الحرارة المرتفعة".
الاحترار العالمي يؤثر بشكل غير مباشر على موارد الطيور وبيئاتها (بيكساباي)
وعلى الرغم من هذه النتائج الواعدة، فإن الباحثين يؤكدون ضرورة توخي الحذر حيالها، فالقصد من هذه النتائج ليس تخفيف الاهتمام بالطيور الاستوائية، وهو ما يشرحه جيف براون المؤلف المشارك في الدراسة بأن "علينا ألا نفترض أن الطيور الاستوائية ستبلي بلاء حسنا إذ ارتفعت درجة الحرارة، وإلا كان ذلك بمثابة استنتاج سطحي لنتائج دراستنا".
ويضيف براون "من المحتمل جدا أن يؤثر الاحترار على الطيور الاستوائية بشكل غير مباشر، وذلك بالتأثير على مواردها أو على بيئتها الاستوائية".