المشرعون الفرنسيون صوّتوا بالإجماع على إعادة القطع الأثرية الثمينة إلى بنين والسنغال بعد أكثر من قرن على نهبها وعرضها في باريس (الفرنسية)
وافقت الجمعية الوطنية الفرنسية، على قرار مجلس الشيوخ بشأن إعادة الفنون والأصول الثقافية للسنغال وبنين.
وناقشت الجمعية الوطنية القرار المتعلق بإعادة التراث الثقافي في فرنسا التابع للسنغال وبنين أمس الاثنين، بعد أن اعتمده مجلس الشيوخ في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
وعقب النقاش، وافق النواب على قرار مجلس الشيوخ، لكنهم رفضوا اقتراح تشكيل لجنة لدراسة المزيد من طلبات الإعادة المماثلة.
وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، قد وعد بإعادة تاج ملكة مدغشقر، رانافالونا الثالثة.
ولإعادة التاج كان يجدر أن يكون هناك تشريع قانوني، إلا أن عدم إبلاغ ماكرون البرلمان مسبقا بذلك أثار حفيظة مجلس الشيوخ الذي أقدم على خطوة في هذا الاتجاه.
وبعد موافقة الجمعية الوطنية على القرار، من المقرر أن يراجع مجلس الشيوخ مباحثاته حول القرار مجددا.
استعادة مماثلة
وفي يناير/كانون الثاني، أعادت فرنسا إلى بنين 28 قطعة أثرية تعود إلى فترة مملكة أبومي، امتثالا لوعد قطعه ماكرون في مارس/آذار 2018، بعد أن هُرّبت إلى فرنسا.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2019، أعاد رئيس الوزراء السابق إدوار فيليب، للرئيس السنغالي ماكي سال، سيفا تاريخيا للزعيم الديني الحاج عمر تال الفوتي أحد أبرز شيوخ الطريقة التجانية في السنغال.
وتمتلك فرنسا ما يقرب من 90 ألف قطعة أثرية تاريخية تنتمي إلى أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، تم تهريب 46 ألفا منها خلال الحقبة الاستعمارية الممتدة في الفترة 1885-1960، بينما غابت بلدان شمال أفريقيا العربية عن الوعود الفرنسية بإعادة الآثار لبلدانها الأصلية.
ويتم عرض معظم الأعمال في عدة متاحف بفرنسا خاصة في العاصمة باريس.
ومع بدء الأنشطة الاستعمارية عام 1524، سيطرت فرنسا على أكثر من 20 دولة في غرب وشمال أفريقيا، وظلت 35% من القارة تحت السيطرة الفرنسية لمدة قاربت 300 عام.
إرجاع الآثار لبلدانها
لا تزال الأعمال الفنية والآثار المنهوبة من بلادها الأصلية محل جدل كبير، حيث يعتقد البعض أن نهب التراث أمر خاطئ، ويجب أن تعود المسروقات إلى بلادها، بينما يرى البعض أن وجودها في بلاد أخرى هو أحد أنواع الترويج للحضارة، بالإضافة إلى أن البعض يعتقد أن الأعمال الفنية والآثار المنهوبة تلقى اهتماما في البلاد المضيفة لها، أكثر من ملاكها الشرعيين.
وكانت اتفاقية لاهاي لعام 1907 هي الأولى التي اعترفت بأضرار الحروب والاستعمار على التراث الثقافي، وحظرت سرقة ونهب الآثار والقطع الفنية، أثناء النزاعات المسلحة والحروب.
وبالرغم من القوانين الحديثة الملزمة بإعادة التراث الثقافي والفني إلى أصحابه الأصليين، فإن الدول تماطل في الأمر، وتتعامل مع كل قطعة على حدة، مثل حجر رشيد الذي استولت عليه القوات البريطانية من الجيش الفرنسي في مصر عام 1801، ويعتبر اليوم من أكثر المعروضات شعبية وأهمية في المتحف البريطاني بلندن.
الجزائر استعادت 24 جمجمة لقادة المقاومة الشعبية ضد الاحتلال الفرنسي (مواقع التواصل الاجتماعي)
وفي عام 2017، وعد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بإعادة القطع الأثرية الأفريقية إلى القارة، وأثار التصريح دهشة واسعة بالنظر للأبعاد الاقتصادية والسياسية لقرار فرنسا التي بسطت يدها طويلا على الموارد الطبيعية والثقافية لأفريقيا.
الاسترداد والاستثناء
وفي ذلك السياق، كلّف ماكرون المؤرخة بنديكت سافوي والخبير الاقتصادي السنغالي فيلين سار بإصدار تقرير عن إمكانية إرجاع الآثار، وأوصيا، آنذاك، بضرورة إعادة جزء من المقتنيات والقطع الأثرية التي يبلغ عددها 90 ألفا من أصول تعود إلى جنوب الصحراء الأفريقية.
وفي أعقاب التقرير، نشرت مجلة "جون أفريك" (Jeune Afrique) الفرنسية تقريرا ينتقد غياب الإشارة لبلدان شمال أفريقيا (العربية) فيه، وكانت فرنسا التي استعمرت تلك البلدان استحوذت على الكثير من تحفها الفنية بما فيها ألواح قرطاجية وتماثيل رومانية وكنوز بيزنطية وغيرها من المسروقات التي أخذت من العثمانيين وضمت إلى المجموعات الفرنسية.
وقالت المجلة إن الرئيس ماكرون منذ تصريحه في واغادوغو -عاصمة بوركينا فاسو- أعطى الانطباع بأنه يريد التركيز على جنوب الصحراء، لأن هناك "خللا في توزيع التراث الخاص بهذه المنطقة، في حين يمتلك الشمال متاحف غنية كما هي الحال في الجزائر وتونس"، كما تقول سافوي، مشيرة إلى أن متاحف القاهرة (1902) ومتحف باردو في تونس (1888) ومتحف الفنون الجميلة في الجزائر (1897) لا يضاهيها أي متحف في الدول الـ48 جنوب الصحراء الكبرى.
ونبه لوران دو سان بيرييه في تحقيق للمجلة إلى أن العديد من روائع العصور القديمة التي اكتشفها علماء الآثار المستعمرون في بلدان شمال أفريقيا تعرض في المتاحف الغربية، إذا لم تبق مخزنة في مستودعات خاصة.
يذكر أن آخر المجموعات التاريخية التي عادت إلى موطنها الأصلي، كانت رفات وجماجم 24 فردا من قادة المقاومة الشعبية الجزائرية، الذين قتلوا في السنوات الأولى للاستعمار الفرنسي للبلاد، وكانت الرفات محفوظة في متحف الإنسان في باريس، وعادت إلى موطنها الأصلي في يوليو/تموز الماضي عشية الذكرى الـ58 لاستقلال الجزائر.