نعلم الآن أن السفر عبر الزمن لا يمكن أن يكون مجرد خيالٍ علمي، ويعود الفضل بذلك لنظرية النسبية لأينشتاين وكذلك فهم تقسيم الزمان والمكان في النسيج الكوني (الزمكان time-space)، تفرض النسبية أن السفر عبر الزمن ممكن عبر زيادات صغيرة في السرعات والمسافات التي نسافر لها في الفضاء، واحدة من إحدى الطرق التي يمكننا أن نحقق بها السفر عبر الزمن للمستقبل هي السفر بسرعة الضوء في الفضاء، كما افترض أينشتاين لأول مرة.
إذا قمنا بجمع السرعة التراكمية accumulated speed التي سافر بها رائد الفضاء السوفيتي سيرجي كريكاليف، والذي سافر في الفضاء لمدة أكثر من أي شخص آخر (حتى ذلك الوقت) (يبلغ الوقت الإجمالي الذي قضاه في الفضاء 803 يومًا و 9 ساعات و39 دقيقة)، فإننا نستنتج أنه سافر بالفعل عبر الزمن إلى المستقبل بمقدار 0,02 ثانية.
هذه هي الطريقة التي يعمل بها السفر عبر الزمن، في ظل النظريات المقبولة حتى الآن يتعين على المتخصصين في البحث في هذا المجال أن يتمكنوا من بناء سفينة فضائية يمكنها السفر بسرعة الضوء (299 792 458 م/ث) عبر الفضاء ليتمكنوا من التنقل عبر الأزمنة.
كيف قد يعمل هذا؟ حسنًا؛ تخيل أنك خرجت في هذه السفينة وحلقت في الفضاء لمدة ستة أشهر وعدت مرة أخرى بعد ستة أشهر، عند عودتك ستكون قد مر عليك سنة واحده فقط، ولكن بالنسبة للذين عاشوا على الأرض في هذه الفترة فقد عاشوا ما يصل إلى مليون سنة [زيادة السرعة في رحلتك تجعل مرور الزمن أبطء، على عكس من سيكون على الأرض والذي سيمر عليه الزمن بشكل أسرع بالنسبة لك].
سافر كريكاليف عبر الزمن عن طريق مكوثه الطويل في محطة الفضاء الدولية، تتحرك محطة الفضاء الدولية بسرعة تصل إلى 7.66 كم/ث عندما تدور حول الأرض، وبسبب السرعة والوقت الطويل الذي أمضاه كريكاليف في الفضاء عند عودته إلى الأرض كان قد عاد في المستقبل بمقدار 0.02 ثانية، وعلمنا ذلك بفضل عمليات دراسة تمدد الزمن.
لماذا السفر عبر الزمن ممكن ؟
لم يكن كريفاليف رائد الفضاء الوحيد الذي سافر لمدة زمنية كهذه؛ كذلك جينادي بادالكا رائد الفضاء الأمريكي الذي عاد للأرض بعد قضاءه 880 يومًا في الفضاء ليكسر الرقم القياسي الذي حققه سيرجي كريفاليف كأطول شخص قضى وقتًا خارج الأرض، وبسبب هذين العامين ونصف الذي قضاهم في محطة الفضاء الدولية، أصبح بادالكا كذلك مسافرًا عبر الزمن وعندما عاد من مغامرته في الفضاء وجد نفسه مسافرًا عبر الزمن بمعدل 1/44 ثانية.
منذ أن اقترح انيشتاين النسبية في 1905 وشرح كيف يتكون نسيج الكون من “الزمكان” القابل للانحناء تأكدنا أن كلًّا من الزمان والمكان قابلان للتغير لتعلقهما بزيادة الكتلة والسرعة: قم بزيادة الكتلة من حولك حتى تقترب من المستويات القابلة لطي نسيج الزمكان وستحصل على نفس تأثير الطي في الزمن! أو بعبارة أخرى، فإن معدل تدفق نسيج الزمان عندك سيكون مختلفًا عن المعدل الذي سيتدفق به في أي مكانٍ أخر.
قبل أن تتحمس وتقوم بتجميع الأثقال حولك، يجب أن تعلم أنك تحتاج إلى كتلة نجمية يبلغ حجمها مليارات مليارات الكيلوجرامات، ولكن هذا لا يضع السفر عبر الزمن في حيز النظرية فقط، فقد أثبتنا غير مرة – وإن كانت على نطاق ضيق – أن هناك تباطؤ في الزمن والسرعات للجسيمات الأصغر.
تجارب أخرى أثبتت أن السفر عبر الزمن ممكن !
مفارقة التوائم Twins Paradox هي إحدى المعضلات الرياضية التي تحاول أن تصور لنا السفر عبر الزمن، تفرض المعضلة أن هناك تؤمين الأول اسمه مات والأخر يسمى فلورنسا، سيتمكن فلورنسا من السفر في رحلة طويلة إلى الكون بسرعة تبلغ ضعف سرعة الضوء، وعندما سيعود للأرض سيكون عمر فلورنسا 30 عامًا، بينما سيكون عمر مات 4500 عام.
يتضاعف معدل نقص الزمن بالنسبة لفلورنسا (في رحلته) وفق المخطط التالي، سنجد مثلًا [إذا قمنا بالتعويض في معادلة المفارقة] أن فلورسا لو بلغ من العمر 88 عامًا خلال رحلته فإن عمر أخيه سيكون 14 مليار سنة، وهو عمر الكون الحالي. ولكن بالطبع لم نتعرف حتى اليوم على الوقود الصاروخي الذي قد يجعلنا نتحرك بهذه السرعة، ولا حتى أقوى الاندماجات الننوية قادرة على خلق هذا التسارع المستمر.
معدل تزايد الزمن عند فلورنسا
في عام 1975 قامت اكرول آلي من جامعة ماريلاند بمزامنة ساعتين ذريتين ووضعت إحداهما على متن طائرة حلقت لعدة ساعات بها، بينما تركت الأخرى على الأرض، لماذا ساعة ذرية؟ لأن الساعة الذرية تعتمد تحديدًا على التردد الرنين الذري، وبالتالي يصل معدل الخطأ بها ثانية لكل 30 مليون سنة، أي أنه شبه مستحيل أن يحدث بها خطأ قياسي.
على كل حال كانت النتيجة عندما عادت أكرول لساعتها التي على الأرض وجدت أن الوقت قد مر على الأرض بشكل أبطأ بجزء من الثانية بالنسبة للساعة الذرية الأخرى على متن الطائرة، مما يثبت أن الزمن عند الأرض (والتي لها كلتة كبيرة جدًا) يمر بشكل أسرع من الوقت على الطائرة (والتي تقع على كتلة أقل).
في تجربة أخرى كذلك استخدم العلماء مسرعات الجسيمات ليقوموا بتسريع الجسيمات الأولية لسرعة تقترب من سرعة الضوء ووجدوا أن الجسيمات المسرعة تتحلل بشكل أبطأ من الجسيمات الأخرى التي لم نقم بتسريعها (أي أن الوقت يمر عندها بشكل أبطأ).
تثبت لنا كل هذه التجارب أن هناك امكانية للسفر عبر الزمن والتلاعب به وذلك من خلال المتغيرات التي أثرت على الزمن، وهي في الحالات السابقة الكتلة [بأعلى أو بقاعدة ناحطة السحاب] والسرعة.
ينقصنا فقط بعض التيكنولوجيا..
حتى الأن يمكننا أن نرى أن إمكانية السفر عبر الزمن تعتمد بشكل خاص على إمكانية صناعة مركبة فضائية سريعة جدًا، يمكنها السفر بسرعة مائتي كيلومتر في الثانية، سيجعل هذا الراكب يعاني من تباطؤ ملاحظ في الزمن، لن يكون الوقت البطيء ملحوظًا للمسافر، فالوقت الذي يمر في الطائرة لا يختلف “في طريقته” عن الوقت الذي يمر على الأرض ولكن يختلف في مدته.
في الواقع بينما أثبت أينشتاين أن السفر عبر الزمن ممكن، إلا أنه يجعله مستحيلًا كذلك عندما يقول أن السفر بسرعة الضوء أو أسرع منها مستحيل، إذًا هل هذا يعني أن السفر عبر الزمن مستحيل؟ لبعض العلماء لا، كستيفن هوكينج الذي فرض أننا يمكننا أن نجد ثقوبًا (كالثقوب السوداء) تجعلنا نعثر على طريق مختصر نذهب فيه للماضي.
في أواخر الثمانينات اقترح كيب ثورن، من جامعة كاليفورنيا في بيركلي، أن الأجسام المعروفة باسم الثقوب الدودية الموجودة في الفضاء تكون عبارة عن ثقبين أسودين متصلين، يشكل كلاهما تمزقاتٍ في نسيج الزمكان، من خلال العثور على ثقب دودي وتمديده بحيث تمتد أحد الفتحات بسنوات ضوئية بعيدة عن الآخر يمكن أن يوفر الثقب الدودي ممرًا مختصرًا إلى نقطة في الماضي أو المستقبل.
صورة توضح نسيج الزمكان: الكوكب ذو الكتلة الأكبر يصنع انحناءًا أكبر في النسيج، وكذلك سيكون الثقب الأسود الذي تكون الجاذبية عنده (والكتلة كذلك) أكبر ما يمكن، وبالتالي يكون الانحناء عنده غير محدود لدرجة أنه سيخلق ثقبًا في الزمان يمكننا العبور به نحو الناحية الأخرى من النسيج.
الجاذبية عند الثقوب السوداء ستكون مرتفعة كأنها كتلة ضخمة (حوالي جاذبية مليار شمس)؛ إذا فرضنا في معادلة التؤم أن فلورنسا قامت السفر بالقرب من أحد الثقوب السوداء سرعًا ثم عاد سيكون قد مر من حولها – وليس في الكواكب ذات الكتلة الأقل فقط بل في الكون كله – ما يصل إلى ملايين السنين؛ يوضح الشكل التالي كيف يكون تأثير الثقب الدودي على نسيج الزمكان.
معضلة الجدة
لا يسلم السفر عبر الزمن من المعضلات الفلسفية، إحدى أشهر هذه المعضلات هي معضلة الجدة أو معضلة السفر عبر الزمن: إذا كان هناك مسافر عبر الزمن إلى الماضي قام بقتل جدته، قبل أن تحمل بوالدته، فهل سيتمكن هذا المسافر من قتل جدته رغم أنه لم يعد موجودًا؟ اقترح يتفن هوكينج، عالم الفيزياء الفلكية، أن الزمن يحمي نفسه من هذه السيناريوهات من خلال منع السفر إلى الماضي بكل الأحوال، ولهذا السبب تحديدًا قد لا يمكننا الذهاب للماضي حتى إذا تمكنا من السفر نحو المستقبل.
صالح محمد - أراجيك