Sat, Feb 2, 2013
رحيل سعاد الراضي الذاكرة البغدادية للقرن العشرين
عرفت اللورد مونتباتن ونهرو وأنديرا وطلبت العلم وهي في التسعين
سعاد الراضي
وهي ممسكة بيد وحيدها عبّاد، غابت عن الدنيا في أبوظبي، أول من أمس، السيدة سعاد الراضي (95 عاما). ولم تعمل الراحلة في أي مجال من المجالات التي تتركز عليها أضواء الإعلام، لكنها كانت الذاكرة الحية لعراق القرن العشرين، والسيدة الواسعة الثقافة، ومصدرا غير رسمي للمراسلين والصحافيين المحليين والأجانب الذين قصدوا العراق أو كتبوا عنه خلال السنوات الثلاثين الماضية.
تزوجت سعاد منير عباس من الدبلوماسي محمد سليم الراضي، عام 1938، الذي كان سفيرا للعراق في طهران والهند ولبنان، خلال العهد الملكي. وأتاحت لها إقامتها الطويلة هناك دراسة الفلسفات الشرقية على يد المعلم والفيلسوف كريشنا مورتي، وكذلك التمرس في الرياضات الروحية التي واصلت ممارستها حتى سنواتها الأخيرة.
وفي الهند، عقدت سعاد الراضي صداقات مع الحاكم العسكري اللورد مونتباتن، عم ملكة بريطانيا، وزوجته إدفينا، ثم مع رئيس الوزراء جواهر لال نهرو وابنته أنديرا، بالإضافة إلى شخصيات سياسية وفكرية ودبلوماسية.وكانت الراحلة من أواخر أبناء جيل تربى على الإيمان بالتنظيم والعمل الجاد والاطلاع المستمر، ولم تتوقف عن طلب المعرفة وارتياد المعارض والمتاحف ومشاهدة الأفلام الوثائقية ومتابعة ما يصدر من كتب أدبية وسياسية بالإنجليزية، حتى بعد تجاوزها التسعين.
وقد زرعت هذه القيم في نفوس أبنائها الثلاثة، المعماري عبّاد الذي يعمل في الإمارات، وابنتيها اللتين فجعت برحيلهما قبلها، الخزافة والكاتبة نهى الراضي التي انطفأت في عام 2004 في بيروت بعد أن تركت شهادة شهيرة ومؤثرة، باللغتين الإنجليزية والعربية، عن يوميات بغداد خلال حرب الكويت، وخبيرة الآثار سلمى الراضي التي عملت في ترميم مدرسة وجامع تاريخيين في مدينة ردع اليمنية، يعودان للقرن الخامس عشر. ورحلت سلمى في عام 2010 في نيويورك.
كانت سعاد الراضي رئيسة لجمعية الهلال الأحمر العراقية بعد عودتها من الهند، قبل قرابة النصف قرن. وقد عرفت بذاكرتها القوية، وبالحرص على الإحاطة بما يجري في بلدها والعالم. وقد اغتنت ثقافتها من الأسفار البعيدة والتجارب الصعبة واللغات التي أجادتها وسمحت لها بالتعامل مع أصدقاء ومعارف في الشرق والغرب.
كما واصلت العيش وفق برنامج يومي يتضمن الرياضة والمطالعة والاتصال بالناس من مختلف الفئات. وعرف عنها أنها لم تتصرف يوما كامرأة من فئة متميزة أو زوجة لسفير، بل اشتهرت بتواضعها وروحها الشعبية واقترابها من أصحاب الحرف اليدوية الذين تعتبرهم حماة التراث.
ولم يمنعها تقدمها في السن، خلال سنوات الحصار الاقتصادي على العراق، من النزول من بيتها في حي الصليخ ببغداد، كل صباح، مشيا على القدمين لعدة كيلومترات حتى ساحة التحرير، مرورا بشارع الرشيد وسوق الكتب في «المتنبي»، حيث تسأل عن أحوال التجار الصغار وتستمع إلى نبض الشارع.
لكن تردي الأوضاع أجبرها، في آخر المطاف، على مغادرة البلد والإقامة مع ابنتها في لبنان. ثم عادت مرة أخيرة إلى بغداد، قبل أسابيع قليلة حيث أُصيبت بجلطة في الدماغ وعولجت هناك لحين انتقالها إلى أبوظبي، لتكون بقرب ولدها وعائلته. قال عباد الراضي إن آخر ما قالته والدته قبل رحيلها هو رغبتها بأن تكون مع ابنتها نهى التي كانت رفيقتها في الحياة.