قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ (عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ) :
فَرَضَ تَعَالَى عَلَى الْأُمَّةِ طَاعَةَ وُلَاةِ أَمْرِهِ الْقُوَّامِ لِدِينِهِ ، كَمَا فَرَضَ عَلَيْهِمْ طَاعَةَ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) فَقَالَ : ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ . ثُمَّ بَيْنَ مَحَلَّ وُلَاةِ أَمْرِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِتَأْوِيلِ كِتَابِهِ فَقَالَ عَزَّ وَجَلَ : ﴿وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾ ، وَعَجْزَ كُلِّ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ عَنْ مَعْرِفَةِ تَأْوِيلِ كِتَابِهِ غَيْرِهِمْ ؛ لِأَنَّهُمْ هُمُ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ الْمَأْمُونُونَ عَلَى تَأْوِيلِ التَّنْزِيلِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : ﴿وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا﴾ ، وَقَالَ سُبْحَانَهُ : ﴿بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ﴾ . وَطَلَبُ الْعِلْمِ أَفْضَلُ مِنَ الْعِبَادَةِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : ﴿إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ﴾ ، الَّذِينَ لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ , وَبِالْعِلْمِ اسْتَحَقُّوا عِنْدَ اللَّهِ اسْمَ الصِّدْقِ وَسَمَّاهُمْ بِهِ صَادِقِينَ وَفَرَضَ طَاعَتَهُمْ عَلَى جَمِيعِ الْعِبَادِ بِقَوْلِهِ : ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ ، فَجَعَلَهُمْ أَوْلِيَاءَهُ وَجَعَلَ وَلَايَتَهُمْ وَلَايَتَهُ وَحِزْبَهُمْ حِزْبَهُ فَقَالَ : ﴿وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ﴾ ، وَقَالَ : ﴿إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ﴾ .
وَاعْلَمُوا رَحِمَكُمُ اللَّهُ أَنَّمَا هَلَكَتْ هَذِهِ الْأُمَّةُ وَارْتَدَّتْ عَلَى أَعْقَابِهَا بَعْدَ نَبِيِّهَا (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) بِرُكُوبِهَا طَرِيقَ مَنْ خَلَا مِنَ الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ وَالْقُرُونِ السَّالِفَةِ الَّذِينَ آثَرُوا عِبَادَةَ الْأَوْثَانِ عَلَى طَاعَةِ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَتَقْدِيمِهِمْ مَنْ يَجْهَلُ عَلَى مَنْ يَعْلَمُ ! فَعَنَّفَهَا اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ : ﴿هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ﴾ وَقَالَ فِي الَّذِينَ اسْتَوْلَوْا عَلَى تُرَاثِ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) بِغَيْرِ حَقٍّ مِنْ بَعْدِ وَفَاتِهِ : ﴿أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾ .
فَلَوْ جَازَ لِلْأُمَّةِ الِايتِمَامُ بِمَنْ لَا يَعْلَمُ أَوْ بِمَنْ يَجْهَلُ لَمْ يَقُلْ إِبْرَاهِيمُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) لِأَبِيهِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً ، فَالنَّاسُ أَتْبَاعُ مَنِ اتَّبَعُوهُ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَقِّ وَأَئِمَّةِ الْبَاطِلِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَ : ﴿يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا﴾ ، فَمَنِ ائْتَمَ بِالصَّادِقِينَ حُشِرَ مَعَهُم . قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ ، قَالَ إِبْرَاهِيمُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي . وَأَصْلُ الْإِيمَانِ الْعِلْمُ ، وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ أَهْلًا نَدَبَ إِلَى طَاعَتِهِمْ وَمَسْأَلَتِهِمْ فَقَالَ : ﴿فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ . وَقَالَ جَلَّتْ عَظَمَتُهُ : ﴿وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها﴾ ، وَالْبُيُوتُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ اللَّاتِي عَظَّمَ اللَّهُ بِنَاءَهَا بِقَوْلِهِ : ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ﴾ ، ثُمَّ بَيْنَ مَعْنَاهَا لِكَيْلَا يَظُنَّ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ أَنَّهَا بُيُوتٌ مَبْنِيَّةٌ فَقَالَ تَعَالَى : ﴿رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ﴾ ، فَمَنْ طَلَبَ الْعِلْمَ فِي هَذِهِ الْجِهَةِ أَدْرَكَهُ . قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) أَنَا مَدِينَةُ الْعِلْمِ وَعَلِيٌّ بَابُهَا ، فَمَنْ أَرَادَ الْحِكْمَةَ فَلْيَأْتِهَا مِنْ بَابِهَا . وَكُلُّ هَذَا مَنْصُوصٌ فِي كِتَابِهِ تَعَالَى .
إِلَّا أَنَّ لَهُ أَهْلًا يَعْلَمُونَ تَأْوِيلَهُ ، فَمَنْ عَدَلَ عَنْهُمْ إِلَى الَّذِينَ يَنْتَحِلُونَ مَا لَيْسَ لَهُمْ وَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ ، وَهُوَ تَأْوِيلُهُ بِلَا بُرْهَانٍ وَلَا دَلِيلٍ وَلَا هُدًى هَلَكَ وَأَهْلَكَ ! وَخَسِرَتْ صَفْقَتُهُ وَضَلَّ سَعْيُهُ : ﴿إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ﴾ .
وَإِنَّمَا هُوَ حَقٌّ وَبَاطِلٌ وَإِيمَانٌ وَكَفْرٌ وَعِلْمٌ وَجَهْلٌ وَسَعَادَةٌ وَشِقْوَةٌ وَجَنَّةٌ وَنَارٌ ، لَنْ يَجْتَمِعَ الْحَقُّ وَالْبَاطِلُ فِي قَلْبِ امْرِئٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : ﴿مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ﴾ . وَإِنَّمَا هَلَكَ النَّاسُ حِينَ سَاوَوْا بَيْنَ أَئِمَّةِ الْهُدَى وَبَيْنَ أَئِمَّةِ الْكُفْرِ وَقَالُوا إِنَّ الطَّاعَةَ مَفْرُوضَةٌ لِكُلِّ مَنْ قَامَ مَقَامَ النَّبِيِّ بَرّاً كَانَ أَوْ فَاجِراً فَأْتُوا مِنْ قِبَلِ ذَلِكَ ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ : ﴿أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾ ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى : ﴿هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ﴾ . وَقَالَ فِيمَنْ سَمَّوْهُمْ مِنْ أَئِمَّةِ الْكُفْرِ بِأَسْمَاءِ أَئِمَّةِ الْهُدَى مِمَّنْ غَصَبَ أَهْلَ الْحَقِّ مَا جَعَلَهُ اللَّهُ لَهُمْ وَفِيمَنْ أَعَانَ أَئِمَّةَ الضَّلَالِ عَلَى ظُلْمِهِمْ : ﴿إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ﴾ ، فَأَخْبَرَهُمُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِعَظِيمِ افْتِرَائِهِمْ عَلَى جُمْلَةِ أَهْلِ الْإِيمَانِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : ﴿إِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ﴾ ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى : ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ﴾ ، وَبِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ : ﴿أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ﴾ ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى : ﴿أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ هُوَ أَعْمى﴾ ، فَبَيَّنَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ فِي كَثِيرٍ مِنْ آيَاتِ الْقُرْآنِ وَلَمْ يَجْعَلْ لِلْعِبَادِ عُذْراً فِي مُخَالَفَةِ أَمْرِهِ بَعْدَ الْبَيِّنَاتِ وَالْبُرْهَانِ وَلَمْ يَتْرُكْهُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ أَمْرِهِمْ .
وَلَقَدْ رَكِبَ الْقَوْمُ مِنَ الظُّلْمِ وَالْكُفْرِ فِي اخْتِلَافِهِمْ بَعْدَ نَبِيِّهِمْ وَتَفْرِيقِهِمُ الْأُمَّةَ وَتَشْتِيتِ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ وَاعْتِدَائِهِمْ عَلَى أَوْصِيَاءِ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) ، بَعْدَ أَنْ تَبَيَّنَ لَهُمْ مِنَ الثَّوَابِ عَلَى الطَّاعَةِ وَالْعِقَابِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ بِالْمُخَالَفَةِ . فَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَتَرَكُوا مَا أَمَرَهُمُ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ ، قَالَ تَعَالَى : ﴿وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ﴾ ، ثُمَّ أَبَانَ فَضْلَ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ سُبْحَانَهُ : ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ﴾ ، ثُمَّ وَصَفَ مَا أَعَدَّهُ مِنْ كَرَامَتِهِ تَعَالَى لَهُمْ وَمَا أَعَدَّهُ لِمَنْ أَشْرَكَ بِهِ وَخَالَفَ أَمْرَهُ وَعَصَى وَلِيَّهُ مِنَ النَّقِمَةِ وَالْعَذَابِ . فَفَرَّقَ بَيْنَ صِفَاتِ الْمُهْتَدِينَ وَصِفَاتِ الْمُعْتَدِينَ فَجَعَلَ ذَلِكَ مَسْطُوراً فِي كَثِيرٍ مِنْ آيَاتِ كِتَابِهِ ، وَلِهَذِهِ الْعِلَّةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : ﴿أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفالُها﴾ . فَتَرَى مَنْ هُوَ الْإِمَامُ الَّذِي يَسْتَحِقُّ هَذِهِ الصِّفَةَ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الْمَفْرُوضُ عَلَى الْأُمَّةِ طَاعَتُهُ ؟ مَنْ لَمْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ تَعَالَى طَرْفَةَ عَيْنٍ وَلَمْ يَعْصِهِ فِي دَقِيقَةٍ وَلَا جَلِيلَةٍ قَطُّ . أَمْ مَنْ أَنْفَدَ عُمُرَهُ وَأَكْثَرَ أَيَّامَهُ فِي عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ ثُمَّ أَظْهَرَ الْإِيمَانَ وَأَبْطَنَ النِّفَاقَ ! وَهَلْ مِنْ صِفَةِ الْحَكِيمِ أَنْ يُطَهِّرَ الْخَبِيثَ بِالْخَبِيثِ وَيُقِيمَ الْحُدُودَ عَلَى الْأُمَّةِ مَنْ فِي جَنْبِهِ الْحُدُودُ الْكَثِيرَةُ وَهُوَ سُبْحَانَهُ يَقُولُ : ﴿أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ﴾ . أَوَلَمْ يَأْمُرِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ نَبِيَّهُ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) بِتَبْلِيغِ مَا عَهِدَهُ إِلَيْهِ فِي وَصِيِّهِ وَإِظْهَارِ إِمَامَتِهِ وَوَلَايَتِهِ : ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾ ، فَبَلَّغَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) مَا قَدْ سَمِعَ .
وَاعْلَمْ أَنَّ الشَّيَاطِينَ اجْتَمَعُوا إِلَى إِبْلِيسَ فَقَالُوا لَهُ : (أَلَمْ تَكُنْ أَخْبَرْتَنَا أَنَّ مُحَمَّداً إِذَا مَضَى نَكَثَتْ أُمَّتُهُ عَهْدَهُ وَنَقَضَتْ سُنَّتَهُ ؟! وَأَنَّ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ يَشْهَدُ بِذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُهُ وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقابِكُمْ ! فَكَيْفَ يُتِمُّ هَذَا وَقَدْ نَصَبَ لِأُمَّتِهِ عَلَماً وَأَقَامَ لَهُمْ إِمَاماً) ؟ فَقَالَ لَهُمْ إِبْلِيسُ (لَعْنَهُ اللَّهُ) : (لَا تَجْزَعُوا مِنْ هَذَا فَإِنَّ أُمَّتَهُ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُ وَيَغْدِرُونَ بِوَصِيِّهِ مِنْ بَعْدِهِ وَيَظْلِمُونَ أَهْلَ بَيْتِهِ وَيُهْمِلُونَ ذَلِكَ ؛ لِغَلَبَةِ حُبِّ الدُّنْيَا عَلَى قُلُوبِهِمْ وَتَمَكُّنِ الْحَمِيَّةِ وَالضَّغَائِنِ فِي نُفُوسِهِمْ وَاسْتِكْبَارِهِمْ وَعِزِّهِمْ) . فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى : ﴿وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ .
*
المصدر : (البحار : ج90, ص23.)