التوهجات الشمسية تشبه نيران المخيم، لكنها أصغر على الأقل بمقدار مليون -وربما مليار- مرة (إيسا-ناسا)
كثيرة هي الأخبار السعيدة التي يتلقاها علماء وهواة الفلك، ومن أحدث تلك الأخبار خبر توافر الصور الأولى من مشروع المطياف الشمسي للجمهور، بما في ذلك أقرب الصور الملتقطة للشمس على الإطلاق.
مركبة المطياف الشمسي (Solar Orbiter) هي مشروع تعاون دولي بين وكالة الفضاء الأوروبية إيسا (ESA) ووكالة الفضاء والطيران الأميركية ناسا (NASA) لدراسة أقرب نجم لنا: الشمس.
انطلقت المركبة الفضائية في 9 فبراير/شباط الماضي، وأكملت أول دورة قريبة من الشمس في منتصف يونيو/حزيران.
صور غير مسبوقة
تقول هولي غيلبرت، عالمة ناسا المشاركة في المهمة من مركز جودارد لرحلات الفضاء التابع لناسا في التقرير الذي نشره موقع فيز.أورغ (Phys.org) بتاريخ 17 يوليو/تموز الجاري، أن هذه الصور غير المسبوقة للشمس هي الأقرب على الإطلاق.
وتضيف غيلبرت "سوف تساعد هذه الصور المذهلة العلماء على تجميع طبقات الغلاف الجوي للشمس معا، وهو أمر مهم لفهم كيف يؤثر ذلك على الطقس الفضائي بالقرب من الأرض وفي جميع أنحاء النظام الشمسي".
ويقول عالم الوكالة الأوروبية المشارك في المشروع دانيال مولر "لم نتوقع مثل هذه النتائج الرائعة في هذا الوقت المبكر جدا"، إذ "تظهر هذه الصور أن المطياف الشمسي قد بدأ بداية ممتازة".
وكان المطياف الشمسي قد حمل 6 أدوات تصوير، كل منها يدرس جانبا مختلفا من الشمس. وعندما حلقت المركبة في غضون 48 مليون ميل (ما يزيد على 77 مليون كلم) من الشمس، التقط المطياف أقرب صور للشمس حتى الآن.
وكانت المركبات الفضائية الأخرى أقرب من المطياف، ولكن لم يحمل أي منها أجهزة تصوير مواجهة للشمس.
نيران المخيم
وعادة، ما تكون مهمة الصور الأولى من مركبات الفضاء هو تأكيد أن الأدوات تعمل بنجاح، ولا يتوقع العلماء اكتشافات جديدة منها.
لكن جهاز التصوير المتطرف فوق البنفسجي "إي يو آي" (EUI) على المطياف الشمسي، قدَّم بيانات تشير إلى ميزات شمسية لم تتم ملاحظتها بمثل هذه التفاصيل من قبل.
ويشير عالم الفيزياء الفلكية في المرصد الملكي لبلجيكا في بروكسل ديفيد بيرغمانز، إلى ما يسميه "نيران المخيم" التي تنتشر في صور "إي يو آي".
يقول بيرغمانز "إن نيران المخيم التي نتحدث عنها هنا هي أبناء أخت التوهجات الشمسية، وهي أصغر على الأقل بمقدار مليون وربما مليار مرة.. وعند النظر إلى صور إي يو آي الجديدة العالية الدقة، فهذه النيران موجودة حرفيا في كل مكان ننظر إليه".
وليس من الواضح بعد ما نيران المخيم تلك أو كيف تتوافق مع السطوع الشمسي الذي لاحظته المركبات الفضائية الأخرى.
ولكن من المحتمل أنها انفجارات صغيرة تعرف باسم النانوفليرز (nanoflares)، وهي شرارات صغيرة موجودة في كل مكان نظريا للمساعدة في تسخين الغلاف الجوي الخارجي للشمس، أو الهالة، إلى درجة حرارة 300 مرة أكثر من سطح الشمس.
الضوء البروجي هو ضوء شمسي خافت ينعكس من الغبار بين الكواكب، يحجبه عادة الوجه المشرق للشمس (إيسا-ناسا)
التسخين الإكليلي والضوء البروجي
ولمعرفة ذلك على وجه اليقين، يحتاج العلماء إلى قياس أكثر دقة لدرجة حرارة نيران المخيم تلك. ولحسن الحظ، فإن التصوير الطيفي للبيئة الإكليلية الذي تقوم به أداة سبايس (SPICE) على المطياف الشمسي، تفعل ذلك تماما.
يقول فريديريك أوشير الباحث الرئيسي لعمليات سبايس في معهد الفيزياء الفلكية في أورساي بفرنسا "نحن ننتظر بفارغ الصبر مجموعة البيانات التالية للكشف عن النانوفليرز على وجه اليقين، وتحديد دورها في التسخين الإكليلي".
إضافة إلى ذلك، فقد كشف جهاز التصوير الشمسي والهيليوسفيري "سولوهاي" (SoloHI)، بقيادة راسل هوارد من مختبر الأبحاث البحرية في واشنطن العاصمة، عما يسمى بالضوء البروجي (zodiacal light).
وهو ضوء شمسي ينعكس من الغبار بين الكواكب، وهو ضوء خافت لدرجة أن الوجه المشرق للشمس يحجبه، ولرؤيته كان على سولوهاي تقليل ضوء الشمس إلى تريليون من سطوعه الأصلي.
يقول هوارد "الصور أنتجت نمطا ضوئيا مثاليا من البروج، نظيفا للغاية… وهو ما يمنحنا الكثير من الثقة في أننا سنكون قادرين على رؤية هياكل الرياح الشمسية عندما نقترب من الشمس".
تظهر الهياكل المغناطيسية التي نراها على السطح المرئي أن أداة "بي إتش آي" تتلقى بيانات عالية الجودة (إيسا-ناسا)
المجال المغناطيسي والبيئة الفضائية
كما أظهرت صور أداة التصوير القطبي والهيليوسي "بي إتش آي" (PHI)، أنها معدة أيضا للملاحظات اللاحقة، إذ تعين "بي إتش آي" المجال المغناطيسي للشمس، مع التركيز بشكل خاص على أعمدتها.
وسيكون لها ذروة في وقت لاحق في المهمة حين يميل المطياف الشمسي مداره تدريجيا إلى 24 درجة فوق مستوى الكواكب، مما يمنحها رؤية غير مسبوقة لأقطاب الشمس.
قال سامي سولانكي الباحث الرئيسي المشرف على أداة "بي إتش آي" من معهد ماكس بلانك لأبحاث النظام الشمسي في غوتنغن بألمانيا، "تظهر الهياكل المغناطيسية التي نراها على السطح المرئي أن بي إتش آي تتلقى بيانات عالية الجودة"، لذا فـ"نحن مستعدون لعلم عظيم مع ظهور المزيد من أقطاب الشمس".
ويسلط إصدار اليوم الضوء على أجهزة تصوير المطياف الشمسي، لكن أدوات البعثة الأربع الموجودة في الموقع كشفت أيضا عن النتائج الأولية. وتقيس تلك الأدوات البيئة الفضائية المحيطة مباشرة بالمركبة الفضائية، كما شارك محلل الرياح الشمسية "إس دبليو إيه" (SWA)، أول قياسات مخصصة للأيونات الثقيلة (الكربون والأكسجين والسيليكون والحديد وغيرها) في الرياح الشمسية من الغلاف الشمسي الداخلي.