ترتيب العناصر في الجدول الدوري الحديث مبني على "العدد الذري" الذي يمثل عدد البروتونات الموجودة في نواة العنصر (بيكسابي)
اقترح باحثان من "معهد سكولكوفو للعلوم والتقنية" (Skolkovo Institute of Science and Technology)، في العاصمة الروسية موسكو، نمط ترتيب جديد للجدول الدوري.
هذه ليست أول مرة يُقدم فيها هذا النوع من المقترحات؛ لكن هذا التوزيع الجديد يمتلك ميزة إضافية، وهي أنه يمكن أن يساعد الباحثين على إيجاد مركبات كيميائية جديدة تماما.
جدولة العناصر
الجدول الدوري هو آلية لترتيب العناصر، في حالة الجدول الدوري الحديث، فإن هذا الترتيب يكون مبنيا على إحدى خصائص العناصر، وهي "العدد الذري"، والذي يمثل عدد البروتونات الموجودة في نواة العنصر.
الهيدروجين هو أول تلك العناصر؛ لأنه يحتوي على بروتون واحد فقط في نواته، يليه الهيليوم، ثم الصوديوم.. إلخ، وصولا إلى الأوغانيسون، وهو آخر عنصر في الجدول الدوري بعدد ذري 118، والذي أضيف مع 3 رفاق عام 2016.
يتخذ الجدول الدوري الحديث شكل صفوف (تسمى دورات) وأعمدة (تسمى مجموعات)، وفيها تظهر بعض خصائص العناصر؛ على سبيل المثال ستجد أن الفلزات تتجمع معا أقصى اليسار، أما الغازات الخاملة فتقع أقصى اليمين، قبلها بقليل يمكن أن تجد أشباه الفلزات.
وعلى الرغم من أن دراستنا للجدول الدوري في المدارس أوحت لنا بثباته؛ لكن هذا الترتيب كان دوما محل جدل بين العلماء، خذ مثلا حالة الهيدروجين أو الهيليوم، حيث يواجهان مشكلة في موضعهما بالجدول الدوري لدرجة أن بعض الباحثين يقترح أن يوضعا في مجموعة خاصة بهما أعلى الجدول.
يتخذ الجدول الدوري الحديث شكل صفوف وأعمدة وفيها تظهر بعض خصائص العناصر (شترستوك)
دولاب الذرات
من جانب آخر، فإن كل ترتيب ممكن للعناصر، يُظهر خصائص أخرى لم تكن في الحسبان، يشبه الأمر أن تقوم بترتيب ملابسك، فقد ترتبها حسب النوع، فتكون القمصان في ناحية والبذات في ناحية أخرى، هذا يسهل عليك اختيار القطعة التي تريدها بحسب نوع اللقاء؛ لكن لو قمت بترتيبها بحسب اللون، فإنك قد تجد البزة والقميص، الذي يناسبها، إلى جوار بعضهما البعض.
الشيء نفسه يحدث في هذا المقترح الجديد، حيث يرى الباحثان، وهما زاهد اللحياري وأرتيم أوغانوف من مؤسسة سكولكوفو للعلوم والتقنية، أن الاعتماد على العدد الذري يفوت خاصية مهمة، وهي إمكانية أن تتلاقى العناصر في مركبات كيميائية.
وبحسب دراستهما، التي نشرت مؤخرا في دورية "جورنال أوف فيزيكال كيمستري" (Journal of Physical Chemistry)، فإنهما يرشحان خاصية جديدة تدعى "رقم مندليف" (Mendeleev Number) لتكون معيار ترتيب العناصر.
يجمع رقم مندليف بين خاصيتين للذرات، الأولى هي نصف القطر الذري، والثانية هي السالبية الكهربية، والأخيرة هي مقياس لمقدرة الذرة على جذب الإلكترونات في الروابط الكيميائية.
لطالما اقترح العلماء تعديلات في نمط وشكل الجدول الدوري (الجمعية الأوروبية للكيمياء -تويتر)
عادة العلم
بحسب هذا النمط الجديد للترتيب في دراسة الباحثين، فإن عنصر مثل الكلور سيقف إلى جوار رفيقه الصوديوم، وكلاهما بالفعل يتحد لبناء مركب كيميائي يسمى "كلوريد الصوديوم"، ويشتهر بيننا باسم "ملح الطعام".
وهكذا فإن العناصر التي يمكن أن تصنع مع بعضها مركبات كيميائية ستقف إلى جوار بعضها البعض، بالتالي قد يساهم ذلك في اكتشاف مركبات جديدة لا نعرفها بعد؛ لكن يقترحها الجدول الدوري.
ولكن، هل يمكن لهذا الترتيب الجديد للعناصر أن يكون الأفضل؟ يحتاج الأمر للكثير من البحث لإثبات ذلك، خاصة وأن الجدول الدوري بصورته الحالية أثبت جدارة في عدد من النطاقات البحثية الدقيقة، على مدى 150 سنة مضت.
خذ مثلا تلك الدراسة التي صدرت في دورية "ساينس" (Science) قبل عامين، وأشارت إلى المساهمات الغزيرة لترتيب العناصر في الجدول الدوري الحالي بدعم علوم فيزياء الضوئيات.
لكن عادة العلم هي التغير، يوما ما سيظهر تنقيح أفضل للجدول الدوري الحالي، سواء كان ذلك عبر نمط زاهد اللحياري وأرتيم أوغانوف، أو غيرهما.