{دولية: الفرات نيوز} في العام 2019، باع البنك المركزي العراقي 44 مليار دولار من العملة الصعبة في مزاد البنك المركزي (نافذة بيع العملات)، مخصصة في أغلبها لتغطية استيراد المواد والسلع التي تحتاجها البلاد، وتثبيت سعر الدينار العراقي ومنع التضخم، بحسب بيانات للبنك.
لكن، وكما يقول متخصصون اقتصاديون عراقيون فإن حجم الاستيراد العراقي وصل إلى 18 مليار دولار، بحسب الخبير الاقتصادي منار العبيدي.
ويحذر خبراء عراقيون من "تسرب العملة" إلى خارج العراق بسبب "فساد" في مزاد العملة في البلاد.
ويقول العبيدي لموقع إن "هناك فعليا فارقا بحدود 30 مليار دولار بين حجم الحوالات إلى الخارج وبين قيمة البضائع الداخلة مما يدل على أن مزاد العملة لا يقوم بواجبه الصحيح لتوفير أموال لغرض الاستيراد".
ودعت اللجنة المالية البرلمانية على لسان عدد من أعضائها إلى "إعادة النظر بموضوع مزاد العملة"، وقال عضو اللجنة أحمد الصفار في تصريح صحفي إن "مسألة نافذة العملة للبنك المركزي غير موجودة في كل دول العالم باستثناء العراق".
وأعلن عضو اللجنة المالية محمد صاحب الدراجي في بيان، الاثنين، أنه "تقدم بشكوى رسمية إلى القضاء العراقي لإيقاف هدر العملة الصعبة وتهريبها إلى الخارج" عبر مزاد العملة.
وقبل الادعاء العام طلب الدراجي وفتح تحقيقاً حول المزاد.
ويقول الصحفي المهتم بالشؤون الاقتصادية العراقية، باسم الشرع، إن "مزاد العملة أصبح عائقا كبيرا امام تحرر الاقتصاد العراقي ومجرد واجهة لتمويل عمليات تهريب العملة خصوصا في العام الحالي بعد أن تراجعت الإيرادات من النفط الخام بشكل كبير ".
ويقول الشرع إن "المزاد يقوم ببيع أرقام كبيرة من الدولارات يوميا تفوق حاجة الاقتصاد العراقي ولا يعود منها كبضائع إلا بنسب لا تتجاوز ال٤٠ أو ٥٠ في المئة في أفضل الأحوال والباقي يذهب لدول الجوار خصوصا تركيا وإيران".
ويبيع المصرف الدولار الأميركي بسعر 1182 دينارا مقابل كل دولار، لكن سعر الصرف في الأسواق العراقية يبلغ نحو 1250 دينار لكل دولار، وتستفيد شركات الصرافة من فرق العملة.
لكن سالم الدوري، وهو رجل أعمال من بغداد يقول إن "البنك المركزي يبيع نحو 200 مليون دولار يوميا من العملة، وهي أكبر بكثير من استهلاك السوق العراقية أو حاجتها إليها".
ويقول الشرع إن "الأتراك والإيرانيين يتحدثون عن صادرات كبيرة للعراق لكن وزارات الزراعة والجهات الحكومية وحتى تجار القطاع الخاص لا يعرفون مصير هذه البضائع وبالتالي هي تصريحات للتضليل وتهريب الدولار".
وبحسب الشرع فإن "بقاء سعر الدينار العراقي مدعوما مقابل الدولار يخدم الدولتين ولا يخدم الدولة العراقية وانتاجها الصناعي والزراعي الذي يجعل منه دعم الدولار أغلى من المستورد"، مما "جعل العراق سوقا للدولتين التي تعانيان من انهيار عملتهما".
ويخدم مزاد العملة بشكله الحالي، كما يقول الشرع، "مصارف كثيرة تابعة لجهات مؤثرة ويعطيها أرباحا مهمة تستطيع معها مواجهة انقطاع التمويل عنها خصوصا وأن فروقات البيع كبيرة بين البنك والمصارف".
وعلى الرغم من أن منتقدي المزاد (النافذة) يقولون إنه حول البنك المركزي إلى "شركة صرافة"، وهو ما يعترف به البنك المركزي في ورقة أصدرها عام 2019 بشأن المزاد، حينما قارن بين حلول مقترحة لتطوير عمل المزاد وتقليل أضراره.
ويعترف البنك في الورقة إن المزاد يستهلك جهدا ووقتا كان يفترض أن يصرفه البنك في دعم السوق العراقية وأداء دوره الحقيقي، لكن الورقة قالت أيضا إن من غير الممكن إلغاء المزاد تماما، لأن هذا سيتسبب بتضخم كبير في السوق العراقية، وأيضا فإن من غير الممكن تحويله لعهدة وزارة المالية أو سوق الأوراق المالية العراقي بسبب "قلة الخبرة وقيود المصرف الفيدرالي الأميركي" بحسب الورقة.
وتقول الخبيرة الاقتصادية، سلام سميسم، إن "قاعدة تحرير الصرف تستلزم وجود نافذة بيع العملة"، وتضيف أن أي حجب للعملات سيجعل سعر الدولار مرتفعا وهذا غير مرغوب فيه.
لكن سميسم تنتقد "عدم الاختصاص" لدى القائمين على الشأن النقدي العراقي، وتقول إن من الممكن تطوير العمل بالمزاد بشكل يقلل نسبة التسرب بالعملة الصعبة إلى خارج البلاد.
ويقول الخبير الاقتصادي العراقي، منار العبيدي، إنه لا يمكن بأي حال من الأحوال إلغاء مزاد العملة لأن 92 في المئة من واردات الدولة العراقية هي بالدولار الأميركي ويجب على الدولة العراقية بيع الدولار للبنك المركزي، كما يجب على البنك المركزي تأمين الدينار العراقي اللازم اعطائه للحكومة العراقية مقابل بيع واردات الدولار.
ويضيف العبيدي أن الحل في تقليل تأثير المزاد يتم من خلال تعظيم إيرادات الدولة من الدينار العراقي وتوفير بدائل محلية عن الاستيرادات الضرورية.
ويأخذ العبيدي على النظام المالي الحالي عدم ربط حوالات البنك المركزي بهيئة الكمارك لمعرفة إن كانت الأموال المحولة إلى الخارج عن طريق المزاد تدخل إلى العراق على شكل بضائع.
وينتقد رجال أعمال، مثل سالم الدوري، مزاد البنك الذي يقول إنه يسمح بإخراج أموال العراق من العملة الصعبة من أجل شراء حاجيات غير أساسية.
ويدعو الدوري إلى تعويم الدينار والأخذ بـ"الحل الصعب" من أجل إنقاذ الاقتصاد العراقي.
وبحسب الدوري فإن "العراقي يدفع دولارا مقابل خمسة كيلوات من الطماطم الإيرانية، ويدفع البنك المركزي نحو ربع دولار إضافية لتقليل السعر على المواطن العراقي، وتخرج كل هذه الأموال عن آلاف السلع المختلفة إلى خارج العراق".
وبحسب الدوري "في مثال الطماطم، يمكن للبنك المركزي دعم الفلاح العراقي بمبلغ ربع الدولار هذا، وهكذا ستبقى العملة الأجنبية داخل العراق، وسيتطور قطاع الزراعة، ويمكن تعميم هذا المثال على قطاعات أخرى أيضا".
وتعني فكرة تعويم الدينار إلغاء الدعم الذي يقدمه البنك المركزي للعملة العراقية وجعلها تواجه العملات الأجنبية بدون تدخل.
وسيؤدي هذا القرار إلى خفض قيمة الدينار العراقي مقابل الدولار بشكل كبير، أي أن السلعة التي يبلغ سعرها ألف دينار، قد تصبح بألفين أو أكثر بحسب الدوري الذي يقول "ربما يجب أن يدعم البنك المركزي قطاعات الزراعة والصناعة أولا قبل رفع الدعم بشكل كامل، لكن الدعم يجب أن يرفع عاجلا أم آجلا.
ويقول المستشار المالي لرئيس الوزراء، مظهر محمد صالح ان "استقرار صرف الدينار العراقي يمثل استقرار القيمة الخارجية للنقد الوطني، ومن ثم استقرار مستوى المعيشة، والدفاع عن استقرار سعر الصرف هو أحد أهم واجبات البنك المركزي العراقي في بلوغ أهدافه في بناء الاستقرار كمناخ للنمو الاقتصادي".
وبين انه "على الرغم من عجز الحساب الجاري لميزان المدفوعات إلى الناتج المحلي الإجمالي حاليا، والذي هو بنحو سالب 8%؜ حسب التقديرات الأولية؛ إلا أن البنك المركزي يدافع عن سعر الصرف من خلال احتياطاته الأجنبية، وأن هذا الدفاع مرهون بكفاية الاحتياطيات الأجنبية التي لم تبلغ الخطوط الحمراء لها حتى اللحظة".
وكانت هيئة النزاهة العراقية قد كشفت أواخر العام الماضي، تفاصيل قضايا جزائية متعلقة بملف "مزاد العملة" التي تتولى التحقيق فيها، وتحدثت عن "ثلاثة حيل" مختلفة استخدمتها مصارف حكومية، بينها استخدام حسابات اشخاص من دون علمهم وإيداع صكوك لآخرين لا يمتلكون رصيدا.
وبحسب هيئة النزاهة فإن القضايا شملت مصارف أهلية وحكومية، ادعى بعضها استيراده لبضائع داخل العراق لكنه "لم يدخل أي مادة إلى العراق منذ عام 2004"، بحسب بيان الهيئة.