أنشىء هذا المسجد سنة ٢٣٦هـ= ٨٥١م أيام أبي العباس عبد الله بن إبراهيم بن أحمد الأغلبي، وهو يعتبر من أجمل وأكبر المساجد العتيقة الباقية إلى اليوم، رغم أنه يقل في الشهرة عن أمثاله من تلك المساجد الجليلة. والمسجد يقوم على شبه جزيرة داخلة في البحر قرب باب البحر، من أبواب سوسة القديمة، شمال شرق ذلك البلد التونسي الجميل. ولم يدخل على المسجد تغيير كبير منذ بنائه، أي أنه لا يزال يحتفظ بهيئته العامة كما كان في أيام الأغالبة، ولهذا فإن ذلك المسجد يعد من أكبر المعالم في تاريخ عمارة المساجد. والمسجد واسع المساحة إذ هو مستطيل - على وجه التقريب - طوله ٥٧ مترا وعرضه ٥٠ مترا، فمساحته الكلية - على هذا - ٢٨٥٠ مترًا، يتوسطه صحن مستطيل تبلغ مساحته ٣٤٤ مترًا، تحيط به ثلاث مجنبات عرض كل منها رواق واحد.

ومنظر الجامع - من الصحن - جميل فإن بيت الصلاة واﻟﻤﺠنبات تطل عليه بعقود حذوة الفرس، تقوم على دعامات حجرية. وبيت الصلاة عميق يتكون من ستة أساكيب، أما بلاطاته - (أو أروقته) فعددها ثلاث عشر والوسطى منها أكثر سعة وهي الرواق الأوسط الذي يؤدي إلى المحراب، وفوق بلاطة المحراب قبة صغيرة، وهناك قبة مماثلة لها تماما فوق الرواق أيضًا، في وسط بيت الصلاة. وموضع هذه القبة الأخيرة يعين جدار قبلة المسجد القديم، فقد كان جوف بيت صلاته ثلاثة أساكيب ثم وسع بعد ذلك إلى الجنوب بإضافة أربعة أساكيب أخرى، ونقل جدار الجامع إلى موضعه الحالي وأنشئ له محراب جديد.

وإلى جانب المحراب يوجد باب كان مسدودًا إلى وقت قريب، وقد فتحه الأثري الكابتن كرسويل فوجد غرفة صغيرة فيها محراب خشبي متحرك يقوم على عجلات، ويعتبر هذا المحراب من أقدم ما عثر عليه من نوعه في تاريخ العمارة الإسلامية. وهناك محرابان آخران من هذا النوع في المغرب.

واحد في مسجد الزيتونة في تونس، والثاني في المسجد الجامع بالجزائر وكلها غير مستعملة الآن. وفي ركني المسجد الشمالي والجنوبي - من ناحية الغرب - يقوم برجان مستديران يصل ارتفاعهما إلى مستوى سطح الجامع. والشمالي منهما
كان يستعمل مئذنة، لأن له سلما داخليا يدخل إليه من داخل المسجد، وفي أعلى كل من البرجين جوسق تقوم عليه قبة[1].


[1] حسين مؤنس: المساجد، ص172- 173.