يحتفي مهرجان القاهرة السينمائي في دورته الـ42 بذكرى مئوية ميلاد المخرج الإيطالي الراحل فيدريكو فيلليني، وخلال فعاليات المهرجان الذي سيعقد بين الثاني والعاشر من ديسمبر/كانون الأول المقبل، ستعرض نسخ مرممة لـ4 أفلام له هي "ليالي كابيريا" (Le notti di Cabiria) الذي عرض عام 1957، و"الحياة حلوة" (La dolce vita) الصادر عام 1969، و"½ 8″ عام 1963، و"أرواح جولييت" (Juliet of the Spirits) عام 1965.
وبالتعاون مع المركز الثقافي الإيطالي يتم تنظيم معرض صور خاص لكواليس أفلام المصور الإيطالي ميمو كاتارينيتش، وعرض الفيلم التسجيلي "أرواح فيلليني" إخراج سيلما ديلوليو، وهو إنتاج إيطالي فرنسي بلجيكي مشترك أنتج خلال العام الحالي.
تأثير المدينة في أفلامه
في الـ20 من يناير/كانون الثاني عام 1920، ولد فيلليني في مدينة ريميني، لأم هربت من بيت أسرتها لتتزوج والده تاجر الأغذية.
وبدأت مواهب فيلليني الفنية وهو لا يزال صغيرا، فكان الرسم أول هواياته، لذلك ليس غريبا احترافه رسم الكاريكاتير أثناء عمله صحفيا في بداياته، كما اعتاد تقديم مسرحيات بالدمى المصنوعة من الصلصال وتشكيل شخصيات يكتب حواراتها بنفسه أثناء مرحلة الطفولة، وكان في تلك المرحلة قد بدأ تلقي تعليمه في المدارس الكاثوليكية.
من الصحافة إلى عالم الإخراج
بعد الدراسة بدأ فيلليني مرحلة جديدة في حياته حين انتقل إلى روما وبدأ العمل صحفيا ورسام كاريكاتير، ولكن حين ذهب إليه المخرج روبيرتو روسيلليني طالبا منه المشاركة في كتابة سيناريو فيلم "مدينة مفتوحة" (Open city) كانت الطفرة التي غيرت حياته ونقلته إلى عالم السينما عام 1945، واستمر في كتابة السيناريو حتى عام 1950 الذي شهد أول تجربة إخراجية له من خلال فيلم "أضواء متنوعة" (Variety Lights)، وشارك في إخراجه مع ألبرتو لاتوادا .
استلهام الواقع على الشاشة الذهبية
في مدينة ريميني التي اهتمت بعروض السيرك وفناني المسرح آنذاك، تكوّن لدى فيلليني زخم فني انعكس لاحقا في الأفلام التي قدمها والتي اتسمت بالواقعية السحرية، فاهتم بطبقة المهمشين والكادحين واعتمد على البساطة في دعم فكرته، وعرف بتمرده على الصورة المثالية التي عرفتها السينما في ذلك الوقت.
وقدم فيلليني 3 أفلام اعتمد موضوعها على المهمشين، وشاركت فيها زوجته جوليتا ماسينا التي عدّها ملهمته.
الطريق
قدم فيلليني فيلم "الطريق" (La Strada) عام 1954، وحاز لاحقا جائزة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي عام 1957.
وفي عالم السيرك حيث يعيش مجموعة من المهمشين بعيدا عن المدينة، متنقلين من مكان إلى آخر، يعيش زومبانو، وهي الشخصية التي جسّدها أنطوني كوين، وقدمه فيلليني شخصا قويا وجافا لكنه كان يحمل مشاعر إنسانية بداخله، إذ تتغير حياته حين يشتري جلسومينا من أسرتها الفقيرة، وهي فتاة لم تلوثها الحياة بعد، تملك البساطة والحزن، ورغم قسوته عليها التي تظهر حدتها في أحد العروض، حتى إنها حين تحاول الهرب في البداية يعيدها إليه، فإنها حين يدخل المعادلة مهرج في السيرك يقع في حبها ترفض أن تترك زومبانو وحيدا لتضرب مثلا في قيمة الوفاء، حتى ترحل في أحد الأيام بهدوء شديد يناسب كونها مهمشة في هذا العالم.
المحتالون
تجربة جديدة لفيلليني في عالم المهمشين من خلال فيلم "المحتالون" (Il Bidone) الذي قدمه عام 1955. تأثر فيلليني بالريف الإيطالي وقرر نقله إلى الواقع من خلال العمل الذي يتناول التناقض الإنساني والبشري بين الخير والشر، فهو صراع داخلي يعيشه بطل الفيلم أوغستو الخمسيني الذي خسر حياته وزوجته وابنته، وظل وحيدا بعد أن تركه شريكاه في عمليات الاحتيال والنصب على الفلاحين البسطاء، فتلك السرقات كانت مصدر دخلهم البسيط، لكن شريكيه تمردا عليه لرغبة أحدهما في أن يصبح مطربا معروفا، في حين رغب الآخر في أن يكمل طريقه كرسام من أجل الحفاظ على زوجته وابنه الصغير.
أوغستو صورة للإنسان الممتلئ بالتناقضات الداخلية التي يحملها بين الخير والشر، ولا نملك سوى التورط في التعاطف معه إنسانيا من خلال الأحداث التي تنتهي بظهور ابنته التي تعد فرصته الأخيرة للتغيير، لكن فيلليني اختار نهاية غير مثالية حين جعل البطل يقرر أن يكمل حياته وحيدا ويفشل في المحاولة.
ليالي كابيريا
في عام 1957 قدم فيلليني تجربته الثالثة "ليالي كابيريا" التي انتقل من خلالها إلى عالم آخر ومختلف عن المهمشين، من خلال كابيريا، فرغم عملها كفتاة ليل، فإنها تملك القوة التي جعلتها مختلفة عن زميلاتها، وتجعلها تحلم بأن تغير واقعها وظروفها التي فرضت عليها، فتظن أن العثور على حبيب هو السبيل للخروج من تلك الحياه، لينتهي الفيلم بخداع حبيبها لها الذي يسرق أموالها، لكنها تصر على التفاؤل رغم كل ما تعرضت له.
تنوعت أعمال فيلليني وأصبح أيقونة للسينما الواقعية في إيطاليا، وقد عاصر حقبا سينمائية مختلفة حتى توفي في الـ31 من أكتوبر/تشرين الأول عام 1993 متأثرا بنوبة قلبية.
إيمان محمد - الجزيرة نت