ايلاف
تصدّت جهات علمانية ووسائل اعلام ونشطاء على الشبكات الاجتماعية بشدة لزيارة الداعية الكويتي المثير للجدل نبيل العوضي الى تونس. وأثار مشروع "المحجبات الصغيرات" الذي يدعو له العوضي استياءً عارمًا بلغ حد الدعوة الى طرده ومقاضاته.
___________________________________
يزور تونس هذه الأيام الداعية الكويتي نبيل العوضي لتقديم عدد من المحاضرات أمام أنصاره ومريديه في عدد من جهات البلاد.
هذه الزيارة رافقتها حالة من التجاذبات بين التونسيين بين رافض لزيارة الداعية الكويتي وداعٍ حتى لطرده من البلاد "خوفًا من إدخال الفكر الوهابي إلى المجتمع التونسي الوسطي"، وبين مرحّب بزيارته باعتباره شيخ علم قادراً على تلبية حاجة التونسيين إلى التعمّق في معرفة دينهم.
وأثارت صور نشرت عبر فايسبوك وتويتر للشيخ نبيل العوضي مع قاصرات محجبات سخطًا عارمًا لدى قطاعات واسعة من الشعب التونسي.
جدل يتجدّد
زيارة الداعية نبيل العوضي إلى تونس، أعادت مسألة دعوة الشيوخ خاصة اصحاب الفتاوى الغريبة منهم، وإشرافهم على تقديم لمحاضرات يتابعها عدد كبير من المواطنين، إلى سطح الأحداث من جديد، وذلك وسط تجاذبات من اليمين الراغب في هذه الزيارات "دعمًا لأسلمة المجتمع" إلى اليسار الرافض لها "حماية من أسلمة المجتمع" الذي قد ينقلب عليه فيكفّره ويرفضه.
وكان عدد من الدعاة و الشيوخ زاروا تونس في الأشهر الأخيرة على غرار يوسف القرضاوي وزغلول النجار ووجدي غنيم وعائض القرني وغيرهم، ولاقوا من أحزاب ليبرالية وجمعيات مدنية انتقادًا شديدًا بينما وجدوا القبول والترحاب من أحزاب وجمعيات ذات توجه إسلامي.
لا لمنع الدعاة
البعض من رافضي زيارات الدعاة والشيوخ إلى تونس يرون فيها "تدخلاً خطيرًا في خصوصيات المجتمع" من خلال مشروع "المحجبات الصغيرات" الذي قالت بعض وسائل الإعلام إنّ الداعية الكويتي جاء لنشره في تونس.
وفي هذا الصدد، قالت سهام بادي وزيرة شؤون المرأة والأسرة في تصريح لـ"إيلاف" إن تونس لن تفرض الرقابة على الزائرين، فمن غير المعقول أن تمنح تأشيرة الدخول إلى بلادنا بناء على الأفكار والآراء مثلما كان يفعل النظام السابق، فبعد الثورة التونسية التي ثارت على الاستبداد والظلم نسعى إلى أن تكون تونس مفتوحة تستقبل زوارها بكل حب وترحاب"، على حد تعبيرها.
خطر على المجتمع
من جانبه، استنكر الأمين العام لحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحّد شكري بلعيد في حوار على إحدى القنوات التلفزيونية دعوة الشيوخ والدعاة القادمين من دول الخليج العربي وقبول الحكومة نشر هؤلاء لدعواتهم التي اعتبرها "دعوات ايديولوجية" تمثل خطرًا محدقًا بالمجتمع التونسي مما يفتح أبواب الفتنة.
وطالب بلعيد بضرورة طرد هؤلاء الدعاة من تونس ومنعهم من إلقاء محاضرات " تدعو إلى أفكار دخيلة وخطيرة" على المجتمع. وكان الداعية المصري وجدي غنيم الذي زار تونس خلال شهر فبراير الماضي وألقى عديد المحاضرات أثارت جدلاً واسعًا، اعتبرها البعض زوبعة في فنجان وأطلقت عليه وسائل الإعلام "الداعية إلى ختان البنات".
المجتمع والفراغ
أشارت الوزيرة سهام بادي إلى أنّ المجتمع التونسي عاش طوال عشرات السنين فراغاً روحياً كبيرًا مقابل تسلل عديد القيم الدخيلة الخطرة على المجتمع، وهذه العادات والأفكار التي استبطنها فكر المواطن التونسي يجب محاربتها بالحجة والإقناع والموعظة الحسنة ونشر قيم التسامح والاعتدال والوسطية بعيدًا عن أي شكل من أشكال العنف المادي والمعنوي.
وفي ما يتعلق بالاتهامات الموجهة الى الداعية نبيل العوضي بتوجيه فتيات قاصرات لارتداء الحجاب، أكدت الوزيرة سهام بادي أنّ الطفولة التونسية لا تقتصر مشاكلها على مسألة ارتداء الحجاب بل هناك مشاكل أخرى عديدة يجب التطرق إليها من خلال اعتماد استراتيجية واضحة للنهوض بالطفولة دون توظيف هذا الموضوع سياسيًا. ودعت إلى ضرورة تحصين الشباب التونسي من الأفكار الوافدة عليه.
من جهته، أبرز المحلل السياسي صلاح الدين الجورشي في إفادة لـ" إيلاف" أنّه لا يمكن أن ينادي بطرد ضيوف تونس ولا يرى لهذا المنع موجبًا، فالتونسي معروف بحسن الضيافة كما أنّ هذا المنع لا يمكن أن يتمّ في تونس بعد الثورة. وأضاف: "عوض الوقوف عند عمليات المنع لأصحاب الفكر المخالف لا بد من التفكير بجدية في عملية تعويض النقص وملء الفراغ الذي يعيشه التونسي جراء ما كان يعيشه لعشرات السنين".
وشدد الجورشي على أنّ السلفية تمثل تهديدًا للمرجعية المذهبية الملكية التي تربى عليها المجتمع التونسي، وهي تهدّد الاستقرار السياسي وحتى الأمني في تونس، وبالتالي تظهر محاولات لإعادة الاعتبار للمذهب المالكي خوفًا من تأثير السلفية.
لا لبث السموم
أبرز الداعية الكويتي نبيل العوضي ردًا على ما تداولته بعض وسائل الإعلام، أنه جاء إلى تونس مقدمًا محاضرات ذات طابع تربوي، وداعيًا إلى الإخاء بين مختلف أطياف المجتمع التونسي الذي يعيش مرحلة انتقال ديمقراطي بعد الثورة التونسية عكس ما أشار له البعض من "بث للسموم والفتنة بين أفراد الشعب التونسي".
وأشار إلى أنّ الدعوات بطرده غير مقبولة فهو لم يخالف قوانين البلاد مضيفًا أنّه "يمكن أن نختلف حول عديد المسائل الدينية، لكن يجب التحاور ومقارعة الحجة بالحجة"، مؤكداً أنه لم يأتِ إلى تونس لتعليم الإسلام "لأني أتعلم من شيوخ الزيتونة الذين لهم فضل كبير على المسلمين"، على حدّ تعبيره.
وشدّد على أنه لم يطالب بارتداء الفتيات القاصرات للحجاب مؤكداً على أنهن غير ملزمات بلبسه قبل بلوغهن سن الرشد، موضحاً أن الحجاب قناعة شخصية داعياً الفتيات المسلمات إلى "الالتزام بشرع الله".
إلى القضاء
إلى ذلك، أعلن عدد من المحامين التونسيين في وقت سابق أنهم سيقاضون الداعية الكويتي نبيل العوضي، وكل من سيكشف عنه البحث، في دعوته الى تونس، وخصوصاً مدير الديوان الرئاسي عماد الدائمي، الذي استقبله في القاعة الشرفية لمطار تونس قرطاج، ما منح هذه الزيارة طابعاً رسمياً. ورافقت الدراجات النارية التابعة لجهاز الأمن السيارة الفارهة للداعية الكويتي.
كما أمضى عدد من نواب المجلس الوطني التأسيسي على عريضة نددوا فيها بدعوات الداعية نبيل العوضي لتحجيب الفتيات الصغيرات، وذلك بعد الاستماع إليه في برنامج بثته قناة "التونسية" ليلة 28 يناير.
وعبروا في العريضة عن ادانتهم لهذه "الدعوات المستوردة تحت غطاء الوهابية"، وعن "رفضهم لأي شكل من أشكال الوصاية التي يمارسها هؤلاء الغرباء على الدين الاسلامي وعلى الشعب التونسي وعلى بنات تونس"، واعتبروا ذلك مسًا من حقوق الطفل، كما سجلوا رفضهم القاطع لتوظيف الطفل في التجاذبات السياسية والإيديولوجية.