قالت البروفيسورة سارة غيلبرت التي تقف وراء لقاح أكسفورد الناجح لفيروس كورونا، أنها لو اتبعت غريزتها، ما كان للقاح الأخير ضد كورونا، والذي أعطى نتائج واعدة جدا، أن يظهر للوجود.
وقبل سنوات، عندما كانت غيلبرت تحضر للدخول في مرحلة دراسة الدكتوراه، فكرت في التخلي عن دراسة العلم بشكل كلي. وبوصفها طالبة شابة في قسم علوم البيولوجيا بجامعة إيست أنجيليا تحفزت نتيجة لتنوع الأفكار والتجربة التي عاشتها في قسمها العلمي.
بيد أنه بعد تقدمها لدراسة الدكتوراه في جامعة هال، اكتشفت أنها لا تحب التركيز على مدخل ضيق في حقل علمي محدد في دراستها وأنها أكثر ميلا للانفتاح على مختلف الحقول المعرفية والأفكار.
وقالت في مقابلة سابقة مع راديو 4 في بي بي سي : "يُسرُّ بعض العلماء بالعمل بمفردهم، بهذه الدرجة أو تلك، على موضوع واحد ولفترة طويلة جدا... وهذه ليست الطريقة المفضلة في العمل لدي، فأنا أحب أن آخذ بنظر الاعتبار أفكارأ من الكثير من الحقول والمجالات (المعرفية) المختلفة".
وأضافت: "لقد فكرت جديا في ترك العلم في تلك اللحظة والقيام بشيء مختلف". بيد أنها قررت في النهاية أن تمضي قدما في مسيرتها العلمية لأنها كانت بحاجة إلى دخل، بحسب تعبيرها.
لقد كان هذا القرار هو ما قادنا إلى الإعلان صباح الثلاثاء الماضي - وفقاً لنتائج تجارب المرحلة الأخيرة - عن أن لقاح فيروس كورونا في جامعة أُكسفورد فعال جداً في إيقاف تطور أعراض كوفيد-19.
وتشير بيانات أولية إلى أنه يوفر حماية بنسبة 70٪ ، لكن الباحثين يقولون إن الرقم قد يصل إلى 90٪ عن طريق تعديل جرع اللقاح.
وبعد أن أكملت غيلبرت دراسة الدكتوراه ، حصلت على وظيفة في مركز لأبحاث التخمير، حيث بحثت في كيفية التعامل مع الفطريات المستخدمة في الخميرة ، قبل أن تنتقل إلى العمل في مجال الصحة البشرية.
ولم تكن غيلبرت تخطط أبداً للتخصص في مجال اللقاحات. بيد أنها عملت في منتصف التسعينيات بوظيفة أكاديمية في جامعة أكسفورد ، وبحث خلالها في الشفرة الوراثية (الجينات) لطفيلي الملاريا، وقاد ذلك إلى العمل على لقاحات الملاريا.
وفي غضون ذلك، تعقدت ظروفها الحياتية العائلية بعد أن ولدت ثلاثة توائم، وكان عليها أن تقوم برعايتهم وتربيتهم.
ويصف ابنها فريدي والدته بأنها كانت دائما خير سند لهم وتضع مصلحة الأطفال في قلب اهتمامتها.
ويضيف أن الأطفال الثلاثة اختاروا أن يتبعوا مسارهم الخاص، ولكنهم، في النهاية، خلصوا إلى اختيار دراسة الكيمياء الحيوية (بيوكيمستري) في الجامعة.
وفي غضون ذلك، ترقت غيلبرت في المراتب الأكاديمية في جامعة أُكسفورد، وأصبحت أستاذة في معهد "جينر" المرموق في الجامعة. وأسست مجموعتها البحثية الخاصة في محاولة لتصنيع لقاح شامل ضد الإنفلونزا ، أي أنه لقاح يكون فعالا ضد جميع العتر الفيروسية المختلفة المسببة للمرض.
وفي عام 2014 ، قادت التجربة الأولى للقاح الإيبولا. وعندما تفشى فيروس "ميرس" - متلازمة الشرق الأوسط التنفسية - سافرت إلى السعودية في محاولة لتطوير لقاح ضد ذلك النوع من فيروسات كورونا.
كانت التجربة الثانية لهذا اللقاح قد بدأت للتو عندما ظهر كوفيد-19 في الصين في أوائل عام 2020. فأدركت غيلبرت بسرعة أنه ربما يمكنها استخدام نفس النهج لنطوير لقاح ضده.
استغرق الأمر بضعة أسابيع لتطوير لقاح ضد كوفيد-19 في المختبر. ثم دخلت الدفعة الأولى مرحلة التصنيع بحلول أوائل أبريل/نيسان الماضي، مع توسع استخدام نظام اختبار صارم.
وصفت البروفيسورة غيلبرت العملية بأنها عبارة عن سلسلة من الخطوات الصغيرة، بدلا من أن تكون تحقيق إنجاز كبير في لحظة واحدة.
وقالت في وقت سابق من هذا العام: "منذ البداية، رأينا أنه سباقً ضد الفيروس وليس سباقا ضد مطوري اللقاحات الآخرين.... فنحن جامعة ولسنا هنا من أجل كسب المال."
ويصفها أصدقاؤها وزملاؤها في الجامعة بأنها شخص يعمل بضمير وتتسم بالهدوء والحزم ولديها إرادة حقيقية.
وقالت إحدى طالبات الدكتوراة التي تعمل تحت إشرافها ، لمجلة بروفايل: "في بعض الأحيان أعتقد أنها قد تكون خجولة ومتحفظة تجاه الناس، فبعض زملائي في معهد جينر كانوا دائما يخشون من سارة قليلاً. ولكن عندما يتعرفون عليها ويقضون وقتاً معها، يكتشفون أنها ليست كذلك بتاتاً".
تتجه أنظار العالم الآن إلى البروفيسورة غيلبرت وحفنة من مهندسي لقاح كوفيد 19، وهم يسابقون الزمن لاثبات فعالية لقاحهم.
وتقول صديقتها، عالمة الكيمياء الحيوية الدكتورة آن مور عن سارة إنها لا تحب أن تكون تحت الأضواء إطلاقاً.
من هي سارة غيلبرت ؟
سارة غيلبرت من الرائدات في سباق تطوير وإنتاج لقاح لفيروس كورونا.
ويعكف الفريق العلمي الذي تقوده في جامعة أوكسفورد - بالتعاون مع شركة أسترا زينيكا البريطانية السويدية للأدوية والعقاقير - على إجراء اختبارات تشمل 1,077 شخصا.
وعندما أعلن عن النجاحات التي حققها فريقها - بعد أن أظهر متطوعون ردا مناعيا قويا بإنتاج الأجسام المضادة وخلايا تائية (T-cells) يمكنها محاربة الفيروس - تحولت بين ليلة وضحاها إلى نجمة في سماء العلم.
ورغم أنه من السابق لأوانه القول إن النتائج التي خرج بها فريق أوكسفورد ستكون كافية لتوفير الحماية من فيروس كورونا، فإن هذه النتائج تعد مع ذلك مهمة وواعدة جدا. وما زالت بحوث أوسع نطاقا تجرى الآن للتحقق من فعالية اللقاح الجديد.
انتشر اسم الأستاذة غيلبرت في وسائل الإعلام، وتسابقت للتحدث معها العديد من شبكات الأخبار.
ولكن، أسوة بالكثير من زملائها، تعودت غيلبرت على القيام بعملها دون ضجيج إعلامي وبعيدا عن كاميرات التصوير التلفزيوني.
ولكنها معروفة بين أقرانها بأنها من أبرز الاختصاصيين في علم اللقاحات في العالم.
وقضت غيلبرت عقدين من عمرها في المختبرات في إجراء البحوث وإنتاج اللقاحات والحصول على تمويل لمشاريع مستقبلية.
قد تكون الموازنة بين العمل والحياة الشخصية صعبة
عالمة شابة
تقول الأستاذة غيلبرت إنها كانت تعلم منذ نعومة أظفارها أنها تريد العمل في مجال البحوث الطبية، ولكن عندما بلغت من العمر 17 عاما لم تكن تعرف من أين ستبدأ هذا المشوار.
كانت الخطوة الأولى التي خطتها هي الحصول على شهادة في علوم الحياة من جامعة (إيست أنغليا)، واستتبعت ذلك بالحصول على شهادة الدكتوراه في الكيمياء الحيوية.
وشاركت بعد ذلك في بحوث في قطاع التقنية الحياتية، حصلت من خلالها على خبرات في مجال صناعة وإنتاج الأدوية والعقاقير.
وبحلول عام 1994، حصلت غيلبرت على وظيفة بارزة في جامعة أكسفورد للعمل في مجالات علم الوراثة والطفيليات والملاريا.
وأدى عملها هذا إلى انخراطها في مجال تطوير وإنتاج اللقاحات.
أم عاملة
رزقت غيلبرت بتوائم ثلاثة في عام 1998، وبعد عام واحد أصبحت محاضرة جامعية.
وتقول "من العسير جدا الموازنة بين الحياة العملية والحياة الخاصة. ويبدو الأمر مستحيلا إن لم يحصل المرء على الدعم اللازم. كان لدي ثلاثة أطفال، وكانت أجور رياض الأطفال تتجاوز ما أتقاضاه من أجر".
قرر رفيقها عندئذ التخلي عن وظيفته من أجل العناية بالأطفال، ولكن غيلبرت تقول إن الأمور كانت صعبة جدا في تلك الفترة.
وقالت "لم أحصل إلا على 18 أسبوعا من إجازة الأمومة. كان لدي 3 مواليد ولدوا قبل موعدهم، وكان الموقف صعبا جدا".
ولكنها تقول أيضا إنه من الأمور المريحة للعمل العلمي أنه لا ينبغي للإنسان أن يعمل لساعات طويلة، رغم أن الأمور قد تزداد تعقيدا في بعض الأحوال.
وبحلول عام 2004، كانت غيلبرت قد أصبحت مقررة جامعية، وبعد سنوات ثلاث بدأت العمل في إنتاج لقاح للإنفلونزا لصالح جمعية ويلكوم تراست الخيرية التي وفرت لها التمويل اللازم لإدارة فريقها البحثي الخاص.
عون قليل من الأسرة
تقول غيلبرت إن الأمور أصبحت أسهل قليلا بعد أن كبر أطفالها الثلاثة.
وتقول "رغم أني أترأس المختبر الآن، فقد رأيت وجه العملة الآخر".
ويبلغ أبناء غيلبرت الثلاثة الآن من العمر 21 عاما.
ويدرس الثلاثة علم الكيمياء الحيوية مثل والدتهم.
وقد دفعهم اهتمامهم بعمل والدتهم وسعيها إلى التوصل إلى لقاح لمرض كوفيد- 19، إلى التطوع في برنامج أكسفورد.
وقالت غيلبرت لبي بي سي "علينا تطعيم كل الناس الأصحاء الذين تتراوح أعمارهم بين الـ 18 والـ 55". وكانت تأمل في الحصول على "كم جيد من المتطوعين"، ولذا فلابد أنها سعدت بالحصول على ثلاثة من أسرتها المباشرة.
كما تقول إنها لا تشعر بأي قلق، وتضيف "لقد استخدمنا هذا اللقاح عدة مرات في الماضي، ولذا لا نتوقع أي مفاجآت".
وتقول إن الأمر الأهم في الوقت الراهن "هو التركيز على الاختبارات السريرية وتسريع وتيرة الإنتاج" بأكبر قدر ممكن من أجل وقف انتشار الجائحة.
nasnews.com