دخلت الخلافات بين الحكومة الاتحادية في بغداد، وحكومة إقليم كردستان فصلا جديدا، إثر المساعي الرامية إلى دفع مرتبات موظفي الإقليم مباشرة، دون المرور بحكومة الإقليم، وهو ما ترفضه الأخيرة.
وتلقي الخلافات الدائرة بين بغداد وأربيل، بشأن إيرادات النفط، وتقاسم الواردات غير النفطية، بظلالها على مرتبات الموظفين منذ 6 سنوات، حيث تعثر دفع رواتب الموظفين عدة مرات، بسبب عدم توصل الطرفين إلى اتفاق شامل بشأن كيفية تقاسم الواردات، وهو ما دفع أوساطا سياسية في الإقليم إلى المطالبة بفصل رواتب الموظفين عن المسائل الخلافية السياسية.
ويقود نواب في كتل كردية، مناهضة لنفوذ الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني، جهودا لجمع تواقيع في البرلمان الاتحادي، بهدف تشريع قانون يسمح بدفع مرتبات الموظفين مباشرة من وزارة المالية الاتحادية، تجنبا للمرور ببوابة حكومة أربيل، إذ تمكن هؤلاء النواب من جمع تواقيع 117 نائبا.
ويقود هذا الحراك كتلة الجماعة الإسلامية، وأطراف من كتلة التغيير، ونواب مستقلون.
بدء المرحلة الأولى من المشروع
وقال النائب عن كتلة الجماعة الإسلامية في مجلس النواب أحمد حاجي رشيد، إن "موضوع توطين رواتب موظفي إقليم كردستان تمت مناقشته بشكل جاد، خصوصا بعد إقرار قانون تمويل العجز المالي".
وأضاف، "تم جمع تواقيع أكثر من 117 نائبا لهذا المشروع، فضلا عن جمع تواقيع أكثر من 150 ألف موظف كمرحلة أولى على هذا المقترح".
وأشار رشيد إلى أن "المشروع دخل حيز التشريع بعد جمع التواقيع، والآن يتم التعامل معه كمقترح مشروع قانون، ومن صلاحية البرلمان تقديم مقترح مشاريع القوانين، وبعد ذلك يجب البدء بالحوار مع الحكومة، كون المشروع له تبعات مالية، ومن ثم المضي بالقانون".
وأوضح أن "كل ما يشاع حول أن هذا المشروع سيضر بإقليم كردستان، غير دقيق لكون المشروع من شأنه حل مشكلة رواتب الموظفين"، مؤكدا أن "هذا مخرج لحل مشكلة الرواتب".
تجاوز على الإقليم
ويترتب على تمرير هذا المشروع، دفع رواتب موظفي كردستان، عبر بطاقات الدفع الإلكتروني، دون علم حكومة الإقليم، وهو ما رفضه الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة بارزاني، الذي اعتبر المشروع، تجاوزا على الإقليم وكيانه الدستوري.
وقال النائب السابق في البرلمان، والقيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني، ماجد شنكالي، إن "توطين رواتب موظفي الإقليم لدى الحكومة الاتحادية، هو خرق قانوني ودستوري، إذ نص الدستور على أن للإقليم كامل الصلاحية فيما يتعلق بالسياسة المالية وتسديد رواتب موظفيه ومنتسبيه"، مشيرا إلى أن "هذا الملف سياسي بامتياز، وهو مادة دسمة جدا يستغلها بعض السياسيين، بما فيهم الأحزاب الكردستانية، مع قدوم موعد الانتخابات".
وتساءل شنكالي، في تصريح صحفي: "كيف للبرلمان الاتحادي، تشريع قانون يقضي بدفع 900 مليار دينار (نحو 900 مليون دولار) لموظفي الإقليم، وهو رفض دفع 320 مليار دينار، قبل أيام عندما أقر قانون الاقتراض المالي".
ولفت إلى "أهمية أن تقوم حكومة الإقليم بحل مسألة رواتب الموظفين، بعيدا عن المزايدات والمناكفات السياسية".
وتشير أرقام رسمية صادرة من حكومة الإقليم إلى أن عدد موظفي كردستان، يبلغ (1255000) موظف، يتقاضون رواتبهم بشكل دوري، فيما تشكك أوساط برلمانية في بغداد، بهذه الأرقام وتطالب كذلك ببيانات موثقة عبر البرامج المتطورة، تحسبا من وجود أعداد وهمية.
ومنذ بدء إقليم كردستان استخراج نفطه بعيدا عن الحكومة الاتحادية، وتصديره عبر تركيا، عام 2014، بدأت الخلافات مع حكومة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، بشأن واردات هذا النفط، فيما تفاقمت الخلافات بين الطرفين، رغم المفاوضات المستمرة بينهما.
مصاعب تواجه المشروع
ويقول مختصون عراقيون، إن الحكومة الاتحادية حتى لو أرادت تطبيق هذا المشروع، فإنها لن تكون قادرة على ذلك، في ظل رفض الإقليم، والصعوبات التي تكتنف مثل هذا المسار، فضلا عن وجود غموض في موقف الحكومة لغاية الآن، وفيما إذا كانت موافقة أم لا.
وقال الخبير الاقتصادي، سلام زيدان إن "ملف الإقليم يعتبر من الملفات الشائكة، ويحتاج إلى إرادة قوية خصوصا في مسألة رواتب الموظفين، إذ إن جميع إيرادات المؤسسات في الإقليم، لا تصل إلى الخزينة الاتحادية، التي من المفترض أن تتسلم 50 % منها".
وأضاف أن "عدد الموظفين في الإقليم 682 ألف موظف، هذا ما تقوله بغداد، بينما الإقليم يؤكد أنه أكثر من 1.25 مليون موظف، وبالتالي توطين رواتب الموظفين هو الحل".
وأشار زيدان إلى أنه "من الصعب تطبيق هذا الأمر، خصوصا أنه قد يستخدم هذا الملف في توظيف عدد من أنصار الأحزاب وإدراج أسمائهم ضمن الموازنة".