يس عراق – بغداد
يمر العراق بأزمة اقتصادية ومالية حادة يشهدها في تاريخه من قبل، حيث وصل الأمر إلى عجز الحكومة عن دفع رواتب الموظفين، واضطرت إلى اقتراض عشرة مليارات من أجل ذلك.. لكن هل الاقتراض يحل المشكلة أم يرحلها فقط؟
وحول ذلك، حذر الخبير الاقتصادي، ماجد الصوري، الإثنين، 23 تشرين الثاني، 2020، من انهيار الوضع المالي للبلاد، اذا ما لم يتم اعادة النظر بسياسة الحكومة الاقتصادية بشكل جدي
وقال الصوري في تصريح متلفز: إن “موازنة 2021 خالية من التعيينات الجديدة والمشاريع الاستثمارية والخدمية، ولن تستطيع الحكومة تسديد رواتب الموظفين لنهاية العام المقبل، اذا بقى الحال على ما هو عليه الان من ناحية اولاً المستوى الكبير من الانفاق وثانياً هدر الاموال”.
واضاف أن “عدم مكافحة الفساد الإداري وعدم القضاء على الفضائيين كسببين ثالث ورابع، سيضع البلاد على حافة الهاوية”، مشددا على “ضرورة المضي ايضاً بتخفيض رواتب الدرجات الخاصة والامتيازات لأنها ارهقت ميزانية الدولة”.
وبين أن “الوضع المالي للبلد متجه نحو الانهيار اذا بقت السياسة الاقتصادية مستمرة بهذه الوتيرة”.
لايجب لمس حائط الصدر الاخير للمواطن؟
ويقول الخبير الاقتصادي ضياء المحسن، انه قد تكون الأزمة المالية الأخيرة هي أخطر الأزمات التي مرت بهذا البلد طيلة سبعة عشر عاما مضت ما بعد التغيير عام 2003، فالأزمة لامست حائط الصد الأخير بالنسبة للعوائل العراقية والمتمثل في رواتب الموظفين، والتي يقارب العدد الذي يعتمد على هذا الراتب أكثر من ثلاثة ملايين عائلة، وبمعدل ستة أفراد للعائلة الواحدة.
وبين ان هذا يعني أن18 مليون مواطن ظلت أفواههم مفتوحة للسماء، بسبب عدم صرف رواتبهم من قبل وزارة المالية، هذه الوزارة التي من ضمن مهامها الأساسية هو توفير رواتب الموظفين.
ويوضح المحسن، ان أسباب حصول الأزمة المالية لا يرتبط بهذا الوقت بالتحديد، ذلك لأن هناك تراكمات حصلت أدت الى تفاقم الأزمة على هذا النحو الخطير، واقعا أنه لا توجد دولة مهما عظمت مواردها المالية، لن يكون بمقدورها تعيين كل الموطنين في الجهاز الحكومي، فهناك سقف لا يمكن تجاوزه في هذا الأمر، يعلم الجميع أن عدد الموظفين قبل عام 2003 لا يتجاوز ال750 ألف موظف، لكن وبعد ذلك العام أخذ الرقم يتصاعد حتى وصل الى رقم مخيف (3250000) موظف، معدل عمل الموظف منهم لا يتجاوز التسعة دقائق في اليوم الواحد، ما ولد بطالة مقنعة كان المسبب الأول فيها هو الأحزاب والكتل السياسية المتصدية للمشهد السياسي، من خلال إغراء الناخين بالوظيفة الحكومية في حال منحهم أصواتهم لهذه الكتلة أو ذاك الحزب.
وبين، ان السبب الأخر في حدوث الأزمة المالية هو عدم وجود تخطيط للموازنات، فالعراق لغاية اللحظة التي نحن فيها الأن يعتمد على موازنة البنود في إصدار موازناته، هذا النوع من الموازنات عفى عليها الزمن، وغادرتها الدول، بحيث أننا نشهد بعض البلدان تقوم بعمل موازنات ليوم واحد، كما أنه هناك موازنات البرامج والخطط، والتي تعتمد على تقديم الأهم ثم المهم من المشاريع التي تقدم خدمة للمواطن، بالإضافة الى تحقيق مردود إقتصادي يرفد الموازنة في أعوام قادمة.
ولفت الخبير الاقتصادي، الى ان هناك سبب أخطر من كل ما تقدم، ويتمثل في نفقات ومصروفات الرئاسات الثلاث وأعضاء مجلس النواب والوزراء، فليس من المعقول أن يكون راتب رئيس الجمهورية 80 مليون دينار عدا المخصصات، ورئيس الوزراء 50 مليون دينار عدا المخصصات، ومثله رئيس البرلمان، في حين نجد أن راتب عضو مجلس النواب يساوي راتب الوزير، وهو بحسب القانون 6 مليون دينار عدا المخصصات، وإذا ما تم حساب هذه الأرقام نجد أنها أرقام مهولة، ثم هناك مخصصات الخطورة التي تمنح للعاملين في المنطقة الخضراء، والتي تصل للبعض الى 600% من راتبه.
تخفيض الرواتب كذبة !
وأثيرت مؤخراً تصريحات حول نية الحكومة العراقية تخفيض رواتب الموظفين ضمن خطتها لتجاوز الأزمة المالية، لكن مقرر اللجنة المالية في مجلس النواب العراقي، أوضح أن المقصود هو إعادة هيكلة سلم الرواتب بغية تحقيق العدالة وتقليل التفاوت الكبير بين الرواتب.
ونقلت جريدة الصباح الرسمية عن عضو اللجنة المالية، جمال كوجر قوله إن “موازنة 2021 ستخلو من التعيينات والمشاريع، وبالمقابل تتضمن الاصلاحات ضمن الورقة البيضاء”، متوقعاً لجوء الحكومة الى تخفيض مخصصات رواتب الموظفين، وتفعيل الجباية والضرائب والاستقطاع المباشر من مزاد العملة.
لكن مقرر اللجنة، أحمد الصفار قال بتصريحات رصدتها “يس عراق”: إن اللجنة المالية ليس لديها معلومات عن مضمون موازنة 2021، وما نشر من تسريبات قابلة للتغيير في ظل الأزمة المالية التي يمر بها العراق.
وحول تخفيض رواتب الموظفين، قال إن أزمة الرواتب ليست جديدة ومشروع إعادة هيكلة سلم الرواتب موجود منذ عهد حكومة عادل عبدالمهدي بغية تقليل الفروقات في الرواتب “الذي يؤدي إلى عدم العدالة وتفاوت كبير بين رواتب الموظفين”.
وذكر أن سلم الرواتب يجب أن يخضع للعديد من المعايير، “وإعادة النظر فيه من عمل وزارة المالية والتي ترسله بدورها إلى مجلس النواب لإقراره”.
وتجد الحكومة العراقية صعوبة في تأمين رواتب موظفيها بسبب الأزمة المالية الناجمة عن تدهور أسعار النفط وتفشي جائحة كورونا والتي ألقت بظلالها على كل مفاصل الحياة حتى باتت تهدد رواتب الموظفين، حيث لجأت الحكومة إلى اقتراض 12 ترليون دينار لتوزيع الرواتب حتى نهاية العام الحالي بموجب قانون تمويل العجز المالي من قبل البرلمان العراقي في 12 تشرين الثاني الجاري والذي حلَّ بديلاً عن موازنة 2020 حيث لم يتم التوصل لاتفاق بشأن تمرير القانون، وسط تأكيدات من رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، بمواجهة مشكلة في توفير الرواتب اعتباراً من بداية 2021.
وأوضح الصفار أن توفير رواتب 8 ملايين موظف في العراق يشكل معضلة كبيرة بسبب الفساد مع وجود من 200 إلى 250 ألف موظف يتسلمون راتبين أو ثلاثة أو حتى أربعة رواتب أو أكثر.
وحول تمرير موازنة 2021 في البرلمان العراقي، أشار مقرر المالية النيابية إلى وجود “صراع سياسي وتصريحات مستغربة” ضد الحكومة في بغداد وداخل البرلمان مع قرب موعد الانتخابات المبكرة حيث تتبلور مواقف معارضة للحكومة “لذا تتعامل الكتل السياسية بحساسية مع الموازنة ونحن نتوقع تأخر المصادقة على الموازنة حتى شهر كانون الثاني المقبل وهذا أمر متعمد لإحراج الحكومة”.
وبحسب مشروع قانون تمويل العجز المالي؛ طلبت الحكومة السماح لها باقتراض 41 ترليون دينار لتسديد رواتب الموظفين لكن البرلمان العراقي خفض المبلغ تدريجياً إلى 12 ترليون دينار، ولفت الصفار إلى أن “وزير المالية شخصية أكاديمية ونزيهة، والحكومة لا تحصل سوى على أقل من 10% من الإيرادات غير النفطية أما بقية المبالغ فتذهب إلى خارج خزينة الدولة”.
ولفت إلى أن ورقة الإصلاح تتضمن تنويع الإيرادات وتقليل النفقات غير الضرورية، مبيناً أن هنالك توجهاً لمشاركة شركات عالمية في أتمتة المنافذ الحدودية بدعم من الأمم المتحدة.
وكان وزير المالية العراقي، علي عبدالأمير علاوي قد قال في وقت سابق إن الحكومة الجديدة برئاسة مصطفى الكاظمي حينما باشرت عملها في شهر أيار الماضي، كانت خزينة الدولة تحتوي على سيولة قدرها ترليون دينار و300 مليار دينار فقط أي ما يعادل 1% من نفقات الدولة “وهذا ضئيل جداً”.
وأظهرت توقعات صادرة عن الأمم المتحدة، انخفاض الناتج المحلي الإجمالي للعراق بنسبة 10 بالمئة خلال العام الجاري، مدفوعاً بالتبعات السلبية لتفشي جائحة كورونا وأزمة هبوط أسعار النفط.
وتكافح الحكومة لتأمين رواتب الموظفين والنفقات التشغيلية الأخرى، جراء تراجع أسعار النفط بفعل جائحة كورونا، التي شلت قطاعات واسعة من اقتصاد العالم.
ويعتمد العراق على إيرادات بيع النفط لتمويل 95 في المئة من نفقات الدولة، وخسرت البلاد نحو 11 مليار دولار منذ بداية العام الجاري، جراء تراجع أسعار النفط، وفقا لبيانات وزارة النفط العراقية.