بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركااته
فآهات الروح تستدعي الأنين والحنين، والهموم والشجون على امتداد الزمن فهي لا تنقطع عند أمير المؤمنين (عليه السلام) حتى كادت أن تفطر قلبه لفراق توئم روحه في هذه الدنيا سيدتنا ومولاتنا المظلومة فاطمة الزهراء (روحي لتراب مقدمها الفداء) حيث جرت عليها مصائب وويلات كثيرة امتدت وأعظمها فراقها أبيها ( صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ) وما جرى لها بعده، حتى حانت اللحظة الأليمة لتفارق الدنيا وهي حزينة مظلومة لما جرى عليها، حتى عند دفنها ليلًا كان بوصية منها، لتبقى مظلوميتها على مدى التأريخ، وخطاب أمير المؤمنين رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) عند دفنها يكشف للتاريخ جوانب كثيرة من المصائب والحقائق، وحقيق على كل مؤمن أن يراجع تلك الخطبة لأمير المؤمنين عند دفن الزهراء (سلام الله عليها) ليشاهد ما جرى على بنت رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) من ظلمها وغصب حقها من قوم كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوصيهم عند رحيله الى جوار ربه أن يحافظوا على هذه العترة وعلى كتاب الله ولكنهم نقضوا العهد فتباً لمثل هكذا زمرة لم تفي بما أوصاها نبيها.
فعَنْ أَبِي عَبْدِ الله الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ (عليه السلام) قَالَ: (لَمَّا قُبِضَتْ فَاطِمَةُ (عليها السلام) دَفَنَهَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ سِرّاً وعَفَا عَلَى مَوْضِعِ قَبْرِهَا ثُمَّ قَامَ فَحَوَّلَ وَجْهَه إِلَى قَبْرِ رَسُولِ الله (صلى الله عليه وآله) فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ الله عَنِّي والسَّلَامُ عَلَيْكَ عَنِ ابْنَتِكَ وزَائِرَتِكَ والْبَائِتَةِ فِي الثَّرَى بِبُقْعَتِكَ والْمُخْتَارِ الله لَهَا سُرْعَةَ اللَّحَاقِ بِكَ قَلَّ يَا رَسُولَ الله عَنْ صَفِيَّتِكَ صَبْرِي وعَفَا عَنْ سَيِّدَةِ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ تَجَلُّدِي إِلَّا أَنَّ لِي فِي التَّأَسِّي بِسُنَّتِكَ فِي فُرْقَتِكَ مَوْضِعَ تَعَزٍّ فَلَقَدْ وَسَّدْتُكَ فِي مَلْحُودَةِ قَبْرِكَ وفَاضَتْ نَفْسُكَ بَيْنَ نَحْرِي وصَدْرِي بَلَى وفِي كِتَابِ الله لِي أَنْعَمُ الْقَبُولِ، إِنَّا لله وإِنَّا إِلَيْه رَاجِعُونَ قَدِ اسْتُرْجِعَتِ الْوَدِيعَةُ وأُخِذَتِ الرَّهِينَةُ وأُخْلِسَتِ الزَّهْرَاءُ فَمَا أَقْبَحَ الْخَضْرَاءَ والْغَبْرَاءَ يَا رَسُولَ الله أَمَّا حُزْنِي فَسَرْمَدٌ وأَمَّا لَيْلِي فَمُسَهَّدٌ وهَمٌّ لَا يَبْرَحُ مِنْ قَلْبِي أَوْ يَخْتَارَ الله لِي دَارَكَ الَّتِي أَنْتَ فِيهَا مُقِيمٌ كَمَدٌ مُقَيِّحٌ وهَمٌّ مُهَيِّجٌ، سَرْعَانَ مَا فَرَّقَ بَيْنَنَا وإِلَى الله أَشْكُو وسَتُنْبِئُكَ ابْنَتُكَ بِتَظَافُرِ أُمَّتِكَ عَلَى هَضْمِهَا فَأَحْفِهَا السُّؤَالَ، واسْتَخْبِرْهَا الْحَالَ فَكَمْ مِنْ غَلِيلٍ مُعْتَلِجٍ بِصَدْرِهَا لَمْ تَجِدْ إِلَى بَثِّه سَبِيلاً وسَتَقُولُ ويَحْكُمُ الله وهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ سَلَامَ مُوَدِّعٍ لَا قَالٍ ولَا سَئِمٍ فَإِنْ أَنْصَرِفْ فَلَا عَنْ مَلَالَةٍ وإِنْ أُقِمْ فَلَا عَنْ سُوءِ ظَنٍّ بِمَا وَعَدَ الله الصَّابِرِينَ وَاه وَاهاً والصَّبْرُ أَيْمَنُ وأَجْمَلُ ولَوْ لَا غَلَبَةُ الْمُسْتَوْلِينَ لَجَعَلْتُ الْمُقَامَ واللَّبْثَ لِزَاماً مَعْكُوفاً ولأَعْوَلْتُ إِعْوَالَ الثَّكْلَى عَلَى جَلِيلِ الرَّزِيَّةِ فَبِعَيْنِ الله تُدْفَنُ ابْنَتُكَ سِرّاً وتُهْضَمُ حَقَّهَا وتُمْنَعُ إِرْثَهَا ولَمْ يَتَبَاعَدِ الْعَهْدُ ولَمْ يَخْلَقْ مِنْكَ الذِّكْرُ وإِلَى الله يَا رَسُولَ الله الْمُشْتَكَى وفِيكَ يَا رَسُولَ الله أَحْسَنُ الْعَزَاءِ صَلَّى الله عَلَيْكَ وعَلَيْهَا السَّلَامُ والرِّضْوَانُ)[1].
فلو تمعن الناظر الى هذه الكلمات التي تفطر قلب أمير المؤمنين (عليه السَّلَام) وهو يبين ما جرى على بضعة رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) لوجد أن أمير المؤمنين (عليه السَّلَام) أشار إلى التشكي إليه من عظيم المصيبة ورقة تجلده وزوال قوة تحمله للمصيبة، والتأسي هنا إما بمعنى الاقتداء أو التعزي وهو التصبر عند المصيبة، وهذا كالعذر والتسلية لنفسه القدسية بأن مصيبة صفيتك وإن كانت عظيمة يقل بها صبري ويرق لها تجلدي فإن المصيبة بفراقك أجل وأعظم والبلية بموتك أكمل وأفخم، كما صبرت على هذه أصبر على تلك بطريق أولى، وفي بعض النسخ موضع ثغر بالثاء المثلثة والغين المعجمة وهو تصحيف، ولعل المراد على تقدير ثبوته أن لي بسنتك في فرقتك موضع ثغر أي موضع مخافة لهجوم الأعداء علي، ولي اُسوة بها في فرقة صفيتك يعني حصل لي بذلك أيضاً موضع ثغر ومخافة لهجومهم[2].
حتى قيل إنّ علياً (عليه السّلام) تمثل عند قبر فاطمة فقال:
لكل اجتماع من خليلين فرقة **** وكل الذي دون الفراق قليل
وإن افتقادي واحداً بعد واحد **** دليل على ألّا يدوم خليل[3]
وكان يزور قبرها في كل يوم فأقبل ذات يوم فانكب على القبر وبكى بكاء مراً وإنشأ يقول :
مالي مررت على القبور مسلّماً**** قبر الحبيب فلم يردّ جواب
يا قبر مالك لا تجيب منادياً **** أمللت بعدي خلة الأحباب[4].
ويتضح مما مر ذكره من كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) أن السيدة فاطمة الزهراء كانت غاضبة على قومها لما فعلوا بها وما فعلوا بأمير المؤمنين (عليه السلام).
وختاما نسأل الله أن يفرح قلب مولاتنا الزهراء (عليها السلام) بأخذ حقها ممن ظلمها وغصب حقها وضربها ويجعله في الدرك الأسفل من النار بفضل الصلاة على محمد وآل محمد والحمد لله رب العالمين.
الهوامش:
[1] الكافي، الكليني: 1/ 485-495؛ شرح أصول الكافي، المازندراني: 7/ 214.
[2] ينظر: شرح أصول الكافي، المازندراني: 7/ 216.
[3] شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 10/ 288 ، ورواه البدخشي في مفتاح النجاء:157 .
[4] قادتنا كيف نعرفهم؟: السيد محمد هادي الميلاني: 3/ 249.