إتصل بي الـ (سائق) في طريقه من بغداد إلى الكوت .. (لقد وصلت إلى الـ "مقام"، , انتظرني قرب المجسر لأعطيك الظرف) ... حسنا كنت أنتظره منذ الظهر ولكن يبدو إن الطريق من بغداد مسدود عند البوابة لذلك تأخر فترة طويلة،
أغلقت السماعة .. و أنا لم أعي تماما بعد ماهو الموقف .. لقد وصلت بصعوبة بالغة إلى البيت اليوم الظهر .. و بعدها أرعدت وأمطرت بغزارة .. كيف سأخرج بالسيارة لكي أصل إلى المكان المحدد (قرب مجسر الكوت) ؟ كيف سأخرج من (شارعنا) و لقد كان عبارة عن مساحة طولية من الطين الرائب ؟ .. و كيف اصبح الآن بعد الأمطار الإضافية
حسنا .. قلت في نفسي سيارتي لن تخونني أبدا .. .. لقد خضت بها مغامرات عدة .. و ستخوض هذه المغامرة معي هذه المرة
صعدت إلى السيارة المتوقفة قرب الباب بجانب الرصيف ويفصلها عن الرصيف كميات هائلة من الطين المبلل .. الجو بارد ، و الدنيا مظلمة .... فتحت الباب ثم مددت رجلي (الطويلة نوعا ما) إلى داخلها لاكمل بعدها إدخال جسمي لاتجاوز الحاجز الطيني.
شغلت السيارة اشتغلت .. .. ثم اشعلت المصابيح اشتعلت ثم انطفأت
يا الهي يبدو إن المطر قد أفسد أمرا ما في الكهرباء .. كيف سأصل (قرب المجسر) بدون سيارة ؟ مجرد تخيل الامر يبدو مرعبا
قلت في نفسي ساسلك الطريق الثاني الذي يوصلني إلى (شارع الهورة) . هنالك فرع فيه حفريات ولكن قد يكون افضل من الذي سلكته اليوم الظهر ..في قرارة نفسي انا يأئس ولكني يجب أن اصل إلى المكان لكي اتسلم هذا الظرف المهم، .. فبدأت بالمشي
الطريق وعرة للغاية بكمية من الطين محملة في حذائي .. انتهيت من شارعنا لأدخل الفرع .. كان الفرع عبارة عن (وادي) بين البيوت جراء الحفر مسافة (متر) عن مستوى الشارع و المساحة المحفورة مليئة بالماء والطين، و هنالك مساحة ضيقة جدا بين الوادي و سياج البيوت، وبدأت امشي في تلك المساحة الضيقة تحفني جدران البيوت
المساحة (زلقة للغاية) ..يجب ان انتبه جيدا اين اضع قدمي و إلا سقطت بفخر في ذلك الـ (وادي) وعندها لن أنال سوى كسر ربما و كمية هائلة من الطين ..في كل مرة اضع قدمي تنزل لبعض سنتمرات ثم تتوقف، لأدفعها وارفع الأخرى ، ومع هذا يجب أن أسرع قدر امكاني،
الـ(غالكسي) مع تطبيق (المصباح) كان صديقي المفضل حينها لان الدنيا مظلمة .. فقط انا اتنقل لوحدي كأني في مكان مهجور في الظلام ، اشعلت المصباح طوال المسافة التي ظننت أنها لا تنتهي إلى أن وصلت (شارع الهورة)
لا توجد سيارات يا الهي .. كيف ساصل ؟ اها هنالك سيارة قادمة قد تكون (تكسي) .. حسنا اشرت له فتوقف .. اخبرته إن قدماي محملة بالطين فوافق على مضض ، صعدت معه
يبدو إنه كان يجهل من أين يمر، تقاطع (هورة كفاءات) ايضا مسدود دخل من هنا مر من هناك و انا مستغرق في أفكاري، لأراه يمشي في شارع بالاتجاه المعاكس، قلت له ماذا تفعل ، قال ساصل إلى الاستدارة قلت (هنالك سيطرة ستمنعك من ذلك) .. و بالفعل وصل قريب السيطرة ثم عاد ادراجه غضبت ولكني لم أقل له سوى (انزلني هنا) ، فنزلت في التقاطع
عبرت إلى الجانب الآخر ، أردت سيارة تكسي فلم تاتي واحدة، يجب علي أن اقطع شارع واحد إلى ساحة (المجسر) .. و بدأت في المشي الحثيث .. بسرعة بسرعة في شارع لزج للغاية ولكن لا يحتوي على حفر (سوى القليل منها بالطبع) .. المجسر يلوح لي هنااك .. إلى أن وصلت .. و انتظرت لهنيهة ثم وصل (السائق) و اعطاني الظرف .. و قلت في نفسي الحمد لله .. ولكن بقي أن اصل بسلام (مع الظرف) إلى البيت
السيارات تمر .. أشرت إلى واحدة فتوقفت .. صعدت معه و قلت له (إنطلق من هنا) عبر (شارع النسيج) لكي ادخل من نفس الجهة التي قدمت منها ظهرا ، حسنا .. ما ان استقريت في مكاني حتى أزكمت انفي رائحة السائق .. أردت النزول ولكنه كان قد انطلق و المسافة قريبة نوعا ما بالسيارة . انزلت النافذة وادعيت (انها حارة)
نزلت في آخر مكان ممكن أن تصل إليه السيارة ..عند رأس شارعنا من جهة الثانية . قلت في نفسي لقد تمرست على هذا الطريق اليوم ساعرف أين أضع قدمي، وبدأت كما فعلت في الظهر بالسير على الصخور المتفرقة ، .. و الاعتماد على اعمدة الكهرباء لتجنب السقوط في الحفر المجاورة ولكن بسبب الامطار الجديدة كان الوضع اسوء بكثير، حسنا سأنزل إلى منتصف الشارع صحيح ستغطس قدمي قليلا ولكن سامشي ببطء و حذائي عالي .. ولكن افضل من أن انزلق
كان اسوء قرار اتخذته حينها .. فما أن نزلت حتى غاصت قدمي كليا مسافة (شبر) في الطين والماء ، وضعت الأخرى لتغطس بدورها ، اردت إخراج الاولى فخرجت بدون الحذاء أعدتها إلى مكانها لكي لا اخسر الحذاء هع .. ثم انتزعت الحذاء و خرجت لاغطس من جديد ثم من جديد ثم من جديد .. يا الهي لقد ورطت نفسي بالفعل
انتهى الغطس بعد مسافة .. و الطين وصل عميقا .. الحذاء اصبح ثقيلا للغاية لكون المسافات البينية قد امتلأت تماما . المهم إن الظرف بأمان .. وصلت إلى منطقة يابسة نسبيا و لكن الـ (حصو الصغير) قد ملء المسافة بين اخمص قدمي و الحذاء، و احس بلزوجة رهيبة تحت قدمي، نظرت إلى قدمي فلم أميز شيئا سوى كتلة طينية كبيرة مشيت ببطء شديد ، إلى أن وصلت الباب .
طرقت الباب لاعطي امي الظرف .. و باشرت بغسل قدمي وحذائي في (الطرمة) .. إمتلأت الطرمة بقطع الطين لا يهم .. الظرف معي بأمان و رجلي وايضا .. و حذائي لن احتاجه فغدا عطلة .. يال سعادتي