تبلورت خلال العقود الثلاثة الماضية مصادر عديدة تساهم في التعرض الإشعاعي الصنعي نتيجة التطور الذي حدث في استعمال الإشعاعات والزيادة المطردة في نوع وعدد المحطات النووية ومصادر الإشعاع عموما.
ومن المصادر المميزة هذه هي؛ التعرض الطبي, المتساقطات النووية, المخلفات المشعة, وتعرض الحرفيين العامين في مجال الإشعاع. وزاد التعرض الطبي للإشعاعات المؤينة زيادة كبيرة مقارنة بالتعرضات الأخرى وذلك باتجاهين؛ أولهما عدد المتعرضين في حقلي التشخيص والعلاج، وثانيهما كمية الجرعة المستلمة.
وخمنت دراسة أجرتها المنظمة العالمية للوقاية من الإشعاع أن حوالي 90 % من مجموع الجرع الاشعاعية التي يستلمها الناس في مختلف دول العالم هي من التعرض الطبي للإشعاعات المؤينة. وأن اكثر من 70% من التعرض الطبي الكلي هو من التعرض لأشعة أكس عند الفحص؛ أي ان أكثر من 60% من التعرض للفرد هو من التعرض الرقوق الشعاعية في المستشفيات.
ويعدّ نخاع العظم, الغدد التناسلية, والجنين من الأعضاء الحرجة الأكثر خطورة وضرراً نسبة ًإلى أعضاء الجسم الأخرى مما يستدعي الوقوف عند هذه الزيادات المخيفة التي نشرت وخاصة بعد تطور الأجهزة السينية المقطعية اللوبية لمعرفة أثار تلك الاشعة وكيفية الحدّ منها.
1- تمهيد
من المعلوم أن كافة الصفات والخصائص التي يتميز فيها الجسم البشري بدأً من لون الشعر وطول القامة وانتهاءً بلون البشرة وغير ذلك من المميزات المتعددة الأخرى, تكون منتظمة كما لو كانت مبرمجة بجهاز كومبيوتر لمخطط الجينات الذي يتكون داخل كل خلية من خلايا الجسم. ومن الناحية النظرية, يمكن القول بأن خلية بشرية واحدة تولد خلايا الجسم الإنساني الكامل. ومن المعروف أيضاً إن القوى الكهربائية هي التي تحافظ على شكل وجمالية الخلية الحية بصورة عامة.
والتجاذب الضعيف ما بين الدقائق الذرية الموجبة الشحنة والإلكترونات السالبة الشحنة هي التي تربط الأجزاء المختلفة للخلايا. ورغم إن الذرات والإلكترونات داخل الخلية تتحرك لمسافة بينية صغيرة جداً, إلا إن هذه الحركة ولتناهي صغرها لا تؤثر البتة على شكل الخلية العام. لنتخيل إذن ما الذي يحدث عندما تدخل الأشعة السينية أو الجسيمات النووية السريعة جداً إلى الخلية. إن تأثير هذه العملية يمكن أن يكون مدمراً للغاية وذلك بسبب طاقة هذه الإشعاعات التي تفوق مئات المرات القوى التي تربط أجزاء الخلية إلى بعضها. وعليه فإن الخلايا الحية سوف تتضرر على نحو كبير بسبب تلف البناء الكهربائي الذي يحافظ على بنية الخلية, وعندئذ تموت الخلية. أما إذا كانت طاقة الإشعاع أقل تأثيراً فإن الخلايا قد تبقى حية لكن الإشعاع يؤثر في هذه الحالة على فعاليتها الحيوية التي تتضرر إلى حد كبير يؤدي إلى تغيير هندستها أو شكلها الأصلي، ومن ثم فإن الخلية التي بقيت حية سوف قد تتحول تدريجياً لتصبح خلية سرطانية تقوم بصورة ذاتية بتوليد خلايا سرطانية أخرى. أما أضرار الإشعاع الطفيفة جداً فإنه بالإمكان تلافيها وتقويمها لتواصل الخلايا نشاطها الاعتيادي.
كما يحدث غالباً في الأبحاث العلمية كان"رونكتن" يتابع موضوعاً آخراً عندما اكتشف الأشعة السينية. فلقد حدث ذلك صدفة عندما كان يدرس كهربائية الغازات خلال أنابيب زجاجية "كما في انابيب النيونات الضوئية" تدعى انابيب كروك. إذ كانت المختبرات الفيزياوية في أوروبا آنذاك منهمكة في دراسة التوصيل الكهربائي للإلكترونات خلال تلك الأنابيب لمعرفة خواص غازات مختلفة. وفي أحد أيام شتاء عام 1895 وبالتحديد في الثامن من شهر تشرين الثاني (نوفمبر). عندما كان يراقب"رونتكن" توهج أنبوبة كروك في مختبر جامعة "فيرز برنج" بألمانيا لاحظ حدوث وميض على غطاء أناء قرب الأنبوبة. في ذلك اليوم الغائم كان قد غطى أجهزته بالورق الأسود، وأسدل ستائر الشبابيك، ولم يكن على المنضدة التي يعمل عليها سوى أناء يحوي على أملاح الباريوم المغطاة أيضا. وكانت العتمة تامة كي يلاحظ بدقة كيفية حدوث الحزم الضوئية للغازات جراء مرور الأشعة في انبوبة كروك من مهبطها إلى المصعد. أعاد تجربته هذه أكثر من مرة، وفي كل حالة كان يغير موقع إناء الباريوم، ويلاحظ الوميض الذي يزداد توهجاً كلما قرب الإناء من موقع أنبوبة كروك. حول "رونكتن"اهتمامه من موضوع الغازات إلى دراسة هذا الضوء المجهول الأصل لديه، ودعاه بالأشعة المجهولة" السينية". أعاد رونتكن تجاربه فوجد لهذه الأشعة القدرة على اختراق الورق والطبقات الخفيفة من المعادن والكتب والخشب. وأهم من ذلك كله وجد إن أنسجة جسم الإنسان شفافة جداً لهذه الأشعة، بينما تمنع عظام الجسم مرور هذه الأشعة. كان ذلك عندما شاهد خيال عظام يده على مواد وميضية حال اختراق هذه الأشعة لتلك اليد. من أوائل الصور الفوتوغرافية التي أخذها رونتكن كانت لعظام يد زوجته "على الرغم من أنهما كانا على وفاق" بواسطة الأشعة، ولم تلبث هذه الطريقة أن انتشرت في مجال الفحص الطبي في العالم كله, فما هو كنه هذه الأشعة؟
ولم يمض شهر نوفمبر من ذلك العام إلا وثبّت كافة الخواص المعروفة لأشعته في الوقت الحاضر. وقبل نهاية عام 1895 قدم تقريراً وافياً بالتجارب التي أجراها إلى الجمعية العلمية بباريس.
2- تولد الأشعة السينية
الأشعة السينية موجات كهرومغناطيسية تشبه موجات الضوء والكهرباء والموجات اللاسلكية الأخرى. ليس لها شحنة ولذا تتأثر بالمجالات الكهربائية أو المغناطيسية الاعتيادية, ويمكن الحصول عليها عند قذف هدف ما بإلكترونات مسرعة بتعجيل عال. يحدث ذلك داخل أنبوبة تسمى أنبوبة الأشعة السينية. إذ تتكون الأنبوبة الزجاجية هذه من فتيلة معدنية هي باعث الإلكترونات ويسمى المهبط, و من مستقبل لهذه الإلكترونات والمسمى بالمصعد يحيطها غلاف زجاجي مقفل يفرغ تفريغاً جيداً من الهواء. فتيلة المهبط هي سلك معدني من مادة التنكستن، أما المصعد فهو كتلة كبيرة نسبياً من معدن النحاس تحتضن في نهايتها وبشكل هندسي منتظم قطعة صغيرة من معدن التنكستن أيضاً كهدف للإلكترونات القادمة من الفتيلة عبر الأنبوبة المفرغة من الهواء. تسرع الإلكترونات خلال الأنبوبة بواسطة جهد كهربائي وتسلط على الهدف فإذا ما اصطدمت به فستنبعث الأشعة السينية خارج الأنبوبة مخترقة الزجاج بزاوية معينة وحسب التعرض الذي تستخدم له.
3- مجالات تطبيق الأشعة
للأشعة السينية كما لباقي ضروب الأشعة النووية فوائد مهمة اقتصادياً وتقنياً وصحياً لا يمكن الاستغناء عن استخدامها في الحياة العصرية المتقدمة. وترجع معظم اهم فوائد الأشعة السينية إلى اختلاف قدرتها لاختراق المواد اعتمادا على كثافة المواد ونوعيتها وإلى نوعية الأشعة المنعكسة عن هذه المواد بعد سقوط الأشعة السينية عليها.
ففي الصناعة استخدمت الأشعة السينية للتأكد من نوعية وكفاءة لحام الأنابيب والأحواض المعدنية ومن حسن صب السبائك ومعرفة خلوها من الفقاعات الهوائية والشوائب أو عدم انتظام توزيع مكونات السبيكة. وفي مجال البحوث تستخدم لدراسة الأشكال البلورية للمواد ودراسة أطياف العناصر لمعرفة توزيع ونقاوة هذه العناصر. وفي عالم الزراعة لقتل الآفات الزراعية وخزن الحبوب وتحسين نوعيتها.
أما التطبيقات الطبية للأشعة فتعدّ من أولى وأهم التطبيقات, فقد غزت هذه التطبيقات مجالي التشخيص والعلاج. ففي مجال التشخيص استخدمت لتصوير تراكيب عظام الجسم لمعرفة الخلل والكسر وعدم الانتظام وتطورت هذه التقنية وأصبح من الممكن تصوير أي عضو آخر غير عظمي بالاستعانة بمركبات كيماوية يمتصها عضو ما بحيث تكون تلك الأنسجة أما عاكسة أو غير نافذ للأشعة السينية إضافة إلى استخدامها لمعرفة وضع الجنين وحجمه.
وفي مجال العلاج الطبي فقد سجلت الأشعة السينية أولى هذه الحالات عام 1896 في فيينا، وذلك لمعالجة كثة في الشعر على جسم طفلة عمرها (5) سنوات حيث تساقط تاركا وراءه احمرارا اختفى بعد زمن. وحاليا تستخدم للقضاء على مختلف من أنواع الأورام السرطانية باستخدام الطاقة المناسبة لتلك الحالة.
4- التأثير البايولوجي للأشعة السينية
تحوي الخلية على أكثر المركبات والمعادن الضرورية للجسم إلا أن الماء يكون معظم أجزاء الخلية. يختلف الإشعاع النووي بضمنه الأشعة السينية في تأثيره عن باقي أنواع الأشعة كالضوء والحرارة في أنه يقوم بتأين الماء الموجود في الخلايا الحية مما يؤدي إلى اختلال نظام عمل هذه الخلايا. وكنتيجة لهذا التأين تتكسر الكروموسومات أو تتكون سلسلة لولبية لجذور تعيق الكروموسومات من إعادة التكوين المماثل للأصل.
ويمكن إجمال الظواهر الناجمة عن تأثير الإشعاع على الخلايا كما يلي:
اولاَ- موت الخلايا.
ثانياَ- منع تكاثر تلك الخلايا المصابة.
ثالثاَ- تغيير كنه الخلايا وبهذا لا تولد خلايا معينة.
رابعاَ- تغيير المعدل الزمني لتولد خلايا معينة.
وهذه التأثيرات تظهر على جسم الإنسان كما يلي:
أ – تأثيرات جسدية وفيها تظهر الأعراض على جسم المتعرض للإشعاع.
ب- تأثيرات وراثية وفيها تظهر الأعراض على الخلف أو على الأجيال.
وفي كلا الحالتين هناك تأثيرات آنية وتأثيرات متأخرة ربما لا تظهر إلا بعد زمن طويل. فبعد عام واحد من اكتشاف الأشعة السينية ظهرت إحدى المقالات عن التأثيرات السلبية لإعادة الفحص بالأشعة على اليد وفي سنة1911 درست حوالي مئة حالة للإصابة بالسرطانات نتيجة استعمال الأشعة، وأن (50) حالة منها كانت للمشتغلين بالإشعاع. ورغم أن هذه الدراسات أوحت بالتأثيرات الضارة للأشعة السينية آنياً لكنها لم تدرس الجانب الأهم من الموضوع، وهو التأثيرات المتأخرة، ومنها التأثيرات الوراثية على الخلف. ومن التأثيرات المتأخرة هو السرطان الذي يظهر بعد (10) إلى (30) سنة منذ زمن التعرض، وإن من المشتغلين من أصيب بالعمى بعد (25) سنة من توقفه عن العمل في مجال التشخيص الطبي.
ويمكن إيجاز الظواهر كما يلي:
1– تكون سرطان الجلد.
2- تغيرات في نخاع العظم الذي يولد كريات الدم والتسبب في سرطان الدم.
3- تغيرات في عدد وطبيعة خلايا الدم.
4- الأورام السرطانية المختلفة.
5- إعتام عدسة العين.
6- التأثيرات الوراثية والتشوهات الخلقية.
7- التأثير على تكامل نمو الجنين والقصور الذهني.
5- التأثير الجسدي للإشعاع
في سنة1922 ظهرت دراسة تخمينية مفادها إن أكثر من مئة فيزياوي مشتغل بالإشعاع توفي نتيجة الأورام التي ظهرت عليهم، وأضافت هذه الدراسة أن حالات الإصابة بسرطان الدم ارتفعت إلى ( 9 ) أضعاف بين هؤلاء, وهكذا توالت الدراسات عن هبوط معدل العمر والتأثيرات الأخرى المرافقة. وهنا يظهر التأثير البايولوجي للإشعاع على الإنسان نتيجة التأثير على الخلايا المفردة المكونة للجسم، وهذا التأثير ربما يطول أو يقصر تبعاً لنوعية وكمية وطبيعة التأين. وعليه تتأثر الأنسجة الحية ثم أجهزة الجسم تبعاً لذلك التأثير. وتعدّ خلايا الأنسجة الأسرع انقساماً هي الأكثر حساسية للإشعاع من خلايا الأنسجة التي تتولد على نمط بطيء.
فالقناة الهضميـة في الجسم البشري هي منطقة ذات خلايا سريعة التوالد والانقسام وعليه فإن أضرار الإشعاع تكون مباشرة في هذه الأجزاء وسرعان ما تظهر أعراض الغثيان والتقيؤ والإسهال. حيث أن الأضرار قد تؤدي إلى دخول محتويات الأمعاء إلى مجرى الدم مباشرة من التمزقات في مناطق التضرر، ومن ثم يؤدي إلى فقدان الدم والنزيف والإصابة بفقر الدم. خلايا نخاع العظم هي الأخرى تنقسم بسرعة وبهذا تكون حساسة جداً للإشعاعات، وهي التي تقوم بإنتاج معظم كريات الدم البيضاء التي تساعد على مقاومة الأمراض ومقاومة الإصابات. وأن تلف هذه الخلايا تجعل الشخص عرضة للإصابات الكثيرة، وتنخفض مقاومته إلى حد كبير وخطير. كما إن كريات الدم البيضاء تكون مسؤولة عن توليد الخلايا التي تساعد على تخثر الدم, إذ يتوقف النزيف في مواقع الجروح والإصابات الأخرى. وفي حالة تلف خلايا النخاع فسيستمر النزف حتى الموت. تتولد كذلك الكريات اللمفاوية داخل الغدد الليمفاوية والطحال وتقوم هذه الأجزاء بتوليد الكيمياويات الطبيعية المضادة، والتي تعتبر سلاح آخر لمقاومة الجسم للأمراض. لذا فإن تدمير الأوعية اللمفاوية يؤدي إلى شل مقاومة الجسم للأمراض.
6- التأثير الوراثي للإشعاع
إن المرأة تكون نصف المجتمع حيث إنها تضطلع بمسؤوليات مهمة في العملية التنموية للجنين والتربوية للطفل. والتي تعتبر الحجر الأساس في التكوين الفكري والاستعداد الذاتي للناشئة. وعليها ان تعي بصورة جيدة تأثيرات الأشعة السينية والصور الشعاعية على الجنين والطفل.
يعذّ تعرض الحوامل للإشعاع عن طريق الخطأ من المواضيع التي لم تحل لحد الآن, ولازالت تتضارب حولها الآراء سواء من الجهات الطبية أو الجهات المتعرضة للإشعاع، وأنه لمن الضروري إصدار تعليمات واضحة تعتمد على خبرة علمية وعلى أرقام مثبتة ليكون الجميع على بينة وتتخذ القرارات على ضوئها. كما أنه ربما نجد من الضروري إصدار تشريع لتكون الجهات الطبية في حل من النتائج في حالة التعرض عن طريق الخطأ, بعد أن يتم إفهام المرأة بنصوص التشريع، وربما يتطلب تقديم تعهد بذلك.
لوحظ إن الخصية قليلة الحساسية بالنسبة للعلامات الورمية حيث إلى الآن لم تسجل التقارير الرسمية ثبوت حالات ورمية من جراء تعرض هذا العضو للإشعاع.
أما الضعف في الإنجاب للنساء المتعرضات فيختلف بالنسبة للعمر من امرأة إلى أخرى. حيث إن علامات سن اليأس مع توقف دائمي للإنجاب قد يحصل من جراء امتصاص جرعة إشعاعية قدرها (2 كرى) لامرأة في سن الأربعين, لكن هذه الجرعة قد تؤدي إلى توقف وقتي للانحباس في الطمث في بنت سن العشرين.
ويعزى الفرق في ذلك إن إنتاج البيوض الجديدة متوقف عادة في عمر الطفولة، ويزداد عدد هذه تدريجياً مع العمر بعد الطمث الرئيسي. وعند فقدان البيضة من المبيض خلال خروجها أو لأي سبب آخر فإنها لا تعوض ببديل.
وفي الجانب الآخر في الرجل تجهز عملية استكمال الحيامن الذكرية في الخصية عند نمو وتكامل الحيامن الذكرية داخل الخلايا الوراثية. لذا فإن نضوب هذه الحيامن من جراء الإشعاع يمكن إعادته فيما لو بقيت كمية كافية من المكونات الحية الذكرية لإعادة ترميم العطب في الخصية. لقد دلت التجارب إن عدد الحيامن يقل مؤقتاً عند التعرض لجرعة (0.25 كرى) عندما تعطى بمعدل عالي، أما العقم الدائمي فلا يتم بأقل من تعرض قدره عشرة أضعاف هذا الرقم؛ أي بمعدل جرعة لا تقل عن (2.5 كرى).
الغدد التناسلية هي الأنسجة المسؤولة عن حدوث تغيرات وراثية نتيجة التغيرات الحاصلة في الكروموسومات عند زيادة كمية التعرض الإشعاعي لتلك المناطق.
وإن تلك التغيرات لوحظت على اللبائن الصغيرة، وعلى الأحياء الواطئة نتيجة للتجارب التي أجريت عليها، أما بالنسبة للإنسان فإن الطفرات الوراثية الاعتيادية الحاصلة نتيجة الأمراض الوراثية الأخرى تحول دون معرفة آثار التغيرات نتيجة التعرض الإشعاعي عندما يكون هذا التعرض حاصلاً بالخطأ.
ومهما يكن من شيء فإنه لم تدرس أي من حالات تعرض الإنسان دراسة كافية للاستقرار النهائي عن زيادة مديات هذه الأمراض أو الظواهر التناسلية وعلاقة ذلك بمعدل التغير الذي يطرأ على الأعضاء الجنسية المختلفة حتى على الكائنات الحية الأخرى.
لكنه من المسلم به إن معدل التغيرات لحالة ما يزداد بزيادة الجرعة الإشعاعية المستلمة. وإن الزيادة في الطفرات الوراثية الشائعة تكون أقل في الجيل الأول والثاني عند تعرض جميع الجسم وبصورة منتظمة.
إن التعرض قبل الولادة وخلال الطفولة ربما تتداخل بعضها ببعض مع عملية النمو والتطور الطبيعي للطفل ويصعب التمييز بين الحالتين. ومع ذلك فإن التغيرات تعتمد على عوامل منها كمية الجرعة والعمر ومن المتوقع ظهور بعض الأورام وبمعدلات أعلى في طور الأجنة والأعمار الصغيرة مما هو عليه بعد تقدم العمر أو بعد البلوغ.
يعد الأذى الناجم من جراء التعرض الإشعاعي على جنين المرأة الحامل والعاملة بالإشعاع من ضمن الأضرار المتأتية على العاملين بالإشعاع. إن الخطر الرئيسي من جراء الإشعاع عند عملية الحمل هي عملية زرع الجنين في جدار الرحم وعملية فشل الزرع، والذي يؤدي إلى موت الجنين داخل الرحم. أما عملية ضعف أو عدم تطور مراحل نمو الجنين داخل الرحم فهي أضعف احتمالاً من عملية فشل الزرع داخل جدار الرحم، كما هو الحال في عملية الأذى الذي يحصل للطفل بعد الولادة، والذي يعتبر من الاحتمالات القليلة. ويمكن تخمين معدل هذا الضرر جراء هذا العامل من دراسة العوامل التالية:
أ) نسبة عدد الحوامل بالإشعاع في وقت ما.
ب) مقدار الأذى الحاصل لكل سيفرت من التعرضات قبل حدوث الولادة.
جـ) الخطورة الحاصلة ومدة الأذى خلال تكون أعضاء الجنين.
د) معدل الخطورة الناجمة عن حدوث أورام خلال الفترة التي تعقب تكامل أعضاء الجنين.
مع ما سبق لم يخمن بالضبط زمن الخطر المباشر على الإنسان لمعرفة الفترة الحرجة لزرع الجنين، لكن على أية حال يمكن تقدير تلك المدة بثمانية أيام. الخطورة الثانية على الجنين خلال فترة تكامله، والتي تكمن في تشوه الجنين نتيجة للعطب الذي يحصل خلال الفترة الرئيسية لتكون أعضاء الجنين. أما عملية موت الأجنة فهي حتى على القوارض لا تحدث إلا في جرع اكثر من (100 راد) إن فترة تكون أعضاء الجنين البشري تمتد حوالي خمسة أسابيع من وقت الزرع في جدار الرحم. ولم يلاحظ تغيرات بعد هذه الفترة على الجنين بسبب التعرض للإشعاع على الرغم من حدوث بعض الأذى في حالات التعرض العالي.
إن قنبلة"نكازاكي" والتعرض الأقل في"هيروشيما" أوضحا حدوث صغر في حجم الرأس، وزيادة في قصورات عقلية للولادات المتأثرة بالإشعاع في مدايات الحمل. أما بالنسبة للتشوهات الخلقية المضافة أو الزائدة عن الوضع العام فلم تعطيها التقارير ولا الدراسات في"نكازاكي" و"هيروشيما". أي إنه لم تؤشر زيادة في معدل التشوهات. لذا فإن التشوهات الحادثة نتيجة تعرض عالي ومعدل تعرض إشعاعي عالي على الأجنة المعرضين خلال السبعة عشر أسابيع الأولى من الحمل أي بمقدار (4) مرات بقدر فترة تكون الأعضاء.
وبناءاً على ما سبق فإنه يمكن تخمين التأثيرات على الخلايا الجنسية الواردة أعلاه بالشكل التالي:
1- أورام الأجهزة التناسلية وتغيرات في كنه الأعضاء.
2- تغيرات في عدد الخلايا الجنسية.
3- تغيرات في نوعية الخلايا الجنسية.
4- تغيرات في تأثيرات تكامل نمو الجنين سواء كانت تشوهات أو قصور ذهني.
ويتخذ هذا الأذى على جهاز تناسل الرجل الأضرار التالية:
1- علامات ورمية.
2- ضعف إنجاب الفرد المتعرض.
3- تأثيرات وراثية في السلالة.
أن مهام الفيزياويين الصحيين والمسؤولين عن الوقاية من الإشعاع في مراكزهم هو تقليل تلك المضار الناجمة إلى أقل ما يمكن مع عدم الإخلال بالفائدة المرجوة من ذلك الاستخدام. ولهم في ذلك طرق وتقنيات عملية معقدة تبدأ من اختيار الموقع ونوعية البناء المستعمل لتصاميم غرف الأشعة إلى الدروع الواقية أثناء إجراء الفحص.
7- الدليل النظري للوقاية من الأشعة
لا زالت القوانين المعمول بها تعتبر إن جرعة (2.5) ملرم بالساعة, هو أعلى حد مسموح به (للعاملين في حقل الإشعاع) التعرض له خلال (35) ساعة عمل في الأسبوع الواحد. ومن الناحية النظرية هناك ثلاثة عوامل يمكننا التحكم بواحد منها أو أكثر لتقليل الجرع العالمية التي يتعرض لها الجسم عن طريق التعرض الخارجي وهذه العوامل هي:-
1- تقليل زمن التعرض للإشعاع.
2- الابتعاد عن المصدر الإشعاعي.
3- وضع الدروع الواقية بين المصدر والكائن الحي.
1) الزمن:
رغم إن بعض التأثيرات البايولوجية للإشعاع تعتمد على معدل الجرعة الإشعاعية في الحدود العليا المعرض لها الجسم الحي. إلا أن المعادلة التي تربط بين التأثير السلبي للاشعاع وتقليل زمن التعرض لازالت قائمة في جميع حالات السيطرة على المحيط البيئوي الإشعاعي للجرع الاعتيادية والواطئة. كما أن لمعدل التعرض في زمن معين تأثيره ايضاً. فمثلاً المصور الشعاعي الذي يعمل (5) أيام في الأسبوع في مجال إشعاعي قدرة (25) ملرم في الساعة عليه أن يقتصر العمل على (48) دقيقة في اليوم الواحد كي لا تزيد الجرعة الكلية المستلمة على (20) ملرم في اليوم الواحد وبمعدل (100) ملرم في الأسبوع، وأن يركن إلى مبدأ المناوبة بين أكثر من مصدر واحد عند الحاجة, إن هذا أحد الحلول كي تبقى الأعمال ضمن قواعد السلامة.
2 ) البـعــد:
مما لاشك فيه إن التعرض الإشعاعي يقل بزيادة المسافة عن المصدر المشع. وإن عامل البعد يعتبر من أسهل الطرق وأقواها لمعظم حالات الوقاية من الإشعاع، ويقل التعرض مع مربع المسافة، كما هو الحال عند البعد عن مصدر ضوئي اعتيادي.
3 ) الدروع الواقية:
وضع الدروع الواقية (الحواجز) على المصادر المشعة هي الطريقة التي تسهل العمل على مقربة من تلك المصادر إذا ما تتطلب العمل التواجد قرب الجهاز لمدة طويلة.
8- التطبيق العملي للوقاية
أما من النواحي العملية فهناك أساليب عديدة يمكن إتباعها لتقليل الجرعة المستلمة من الأشعة السينية.
6-1 تجنب إجراء الفحوصات غير الضرورية:
1- بعض المسوحات الطبية العامة غير الذات أهمية.
2 - الاختبارات الروتينية لأغراض التعيين.
3 - اختبارات التقاعد وتقدير حالات العجز.
4 - الاختبارات المكثفة للعمل في المستشفيات والأغراض الطبية الأخرى.
5 - اختبارات التأمين على الحياة.
6- مجرد رغبة بعض المرضى للفحص بالأشعة.
قد تكون هناك أسباب وجيهة لقسم من هذه الاختبارات في بعض الظروف لكن الفائدة المتوخاة من كل حالة يجب أن تدرس بالاعتناء الطبي الدائم والمستمر. وتتخذ أشعة الصدر أهمية خاصة في مجال الاختبارات بالأشعة السينية وذلك لزيادة عددها بالنسبة لباقي الفحوصات ولقربها من نخاع العمود الفقري وأثرها عليه. ولذا خصت الهيئات الصحية اهتماما مميزاً لمشروع فحص الصدر بالأشعة السينية يتضمن ما يلي:
1 ) ينبغي أن يشمل المشروع على ملخص دائم لمعرفة فيما إذا كانت لنتائج الفحوص أهمية في اكتشاف مرض ما يوازي محاذير استمرارية تلك الفحوص.
2 ) ينبغي أن يكون مشروع الفحص مخصصا بشكل يجعل عملية معالجة وتتبع حاله ما سريعة ومنظمة.
3 ) ينبغي أن تجري الاختبارات بأجهزة وأدوات تكفل أقل حد لتعرض المريض والمشغل والأشخاص القريبين من مصدر الأشعة.
4) ينبغي حماية كل الأجزاء الأخرى من جسم الإنسان، والتي لا تدخل ضمن نطاق برنامج فحص الصدر مثل: العمود الفقري أو المناطق السفلى من الجسم.
وإن دعت الحاجة فيتطلب اهتماما بالغاً من قبل المشرفين سواء كانوا مشغلين أو أطباء.
6-2 إجراءات داخل المستشفى.
وللوقاية من الإشعاع في المستشفيات ثلاثة محاور هي:
أولا: وقاية العاملين بالإشعاع, وقاية المريض من الأشعة الفائضة عن الحاجة وغيرالمرغوب فيها, وقاية المراجعين للمستشفى.
أولا: في مجال وقاية العاملين ينبغي.
1- العمل داخل غرفة السيطرة وإحكام سد المنافذ.
2- عدم دخول أكثر من عامل واحد أثناء أخذ الصور الشعاعية.
3- التأكد من عدم وجود تسرب للأشعة بالأجهزة الموجودة.
4- حمل فلم التعرض الإشعاعي دائما أثناء العمل.
5- عدم مسك المريض من قبل العاملين بالإشعاع حيث تكراره يؤدي إلى أضرار، والاعتماد في الحالات الضرورية على مسكه من قبل المرافق له.
6- اعتماد وتطبيق توصيات الفيزياويين الصحيين في مركز الوقاية من الإشعاع، والاتصال بهم مباشرة عند الحاجة.
7- في حالة الحاجة لإعادة الفحوصات البيولوجية "غير الملحة" ينبغي أن لا تقل الفترة عن ستة أشهر.
ثانياَ: في مجال وقاية المريض فعلى عاتق المريض, تقع المسؤوليات الآتية:
1- إعطاء المعلومات الدقيقة والصحيحة للطبيب المعالج.
2- ملأ الاستمارات الخاصة بالفحوصات الشعاعية بصورة واضحة وكاملة.
3- إخبار الطبيب عند وجود حالة الحمل أو الشك بوجود الحمل.
4- الاحتفاظ بالصور الشعاعية مهما كانت قديمة، وعرضها على الطبيب عند الحاجة لتلافي تكرار التصوير الشعاعي قدر الامكان.
5- عدم الإلحاح على أخذ الصور الشعاعية فالطبيب هو الذي يقدر ضرورة ذلك, ولا يفوتني أن اذكر أن جدة لي كانت تلحّ عليّ ان أصطحبها للتصوير الشعاعي، وبعد التصوير تقول أنها أحسن الآن وكأنه علاج.
6- التقيّد بتعليمات المصور الشعاعي في الثبات وعدم الحركة أو التوقف عن التنفس لتجنب إعادة الصورة.
7- الالتزام بتعليمات المصور عند وضع الدروع الواقية للمناطق الأخرى للجسم أو عند وضع الموجهات والمرشحات الأخرى.
ثالثاَ: وفي مجال وقاية المراجعين ينبغي:
1- عدم التجمع أو الانتظار قرب غرف الأشعة في العيادات أو المستشفيات.
2- عدم الإصرار على مرافقة المريض داخل غرف الأشعة ما لم تكن حاجة ماسة إلى ذلك, وبطلب من المصور الشعاعي.
3- عدم جلب الأطفال إلى المستشفيات عند أخذ الصور الشعاعية.
ومن الممكن اتخاذ إجراءات عامة داخل المستشفيات من أجل حماية المريض وعلى صعيدين فيزياوي ونظامي أهمها؛
1- إقامة كافة أجهزة الأشعة السينية التابعة لمستشفى ما في بناية قسم الأشعة على أن تكون غرف الفحص واسعة لاحتواء الجهاز والمعدات الأخرى مجال واسع ومناسب لعمل المشغل وأن يكون الاستعداد لبدء الفحص ملائمة لكفاءات عالية.
2- حفظ الصور الشعاعية للمرضى في مكتبة خاصة لقسم الأشعة للعودة اليها كما هو الحال في الدول المتقدمة بدل ان تشاهد تلك الصور مرمية قبالة ابواب المستشفيات. ان في ذلك هدر مادي كبير، وجهد لايستهان به، فضلاً عن تعرض لامبرر له لأفراد المجتمع.
3- إقامة دورات للعاملين بالاشعاع في المستشفيات للتعرف على ومقدار الجرع الاشعاعية التي يستلمها المريض من الأجهزة الحديثة, فضلاً عما يستجد من ابحاث في الوقاية من الاشعاع.
9- المصادر.
1-Cember H. (1983), Introduction to Health Physics, Pergamon press.
2-Martin, A. and Harbison S. A.,(1986), An Introduction to Radiation Protection. Third Edition, Chapman and Hall
3-Structural Shielding design and Evaluation for medical use of x-rays and Gamma rays of Energies up to 10 Mev,( 1976 ), national council on radiation protection and measurements N C R P report No.49.
4-Medical radiation Exposure of pregnant and potentially pregnant women, ( 1977), N C R P Report No.54