بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركااته
لما مرضت فاطمة الزهراء عليها السلام مرضها الذي توفيت فيه ، جعلت توصي عليا عليه السلام و تعهد إليه عهودها (فمما) جاء في وصيتها ما روي أن عليا عليه السلام وجده عند رأسها بعد ما توفيت و هي رقعة فيها :بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أوصت به فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه و آله أوصت و هي تشهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا عبده و رسوله و أن الجنة حق و النار حق و أن الساعة آتية لا ريب فيها و أن الله يبعث من في القبور. يا علي حنطني و غسلني و كفني و صل علي ادفني بالليل و لا تعلم أحدا و أستودعك الله و أقرأ على ولدي السلام إلى يوم القيامة.
و ذكر جماعة أنها لما مرضت دعت أم أيمن و أسماء بنت عميس و عليا عليه السلام و أوصت إلى علي بثلاث وصايا : (الأول) أن يتزوج بأمامة بنت أختها زينب لحبها أولادها و قالت إنها تكون لولدي مثلي (و في رواية) قالت بنت أختي و تحني على ولدي.و أمامة هذه هي بنت أبي العاص بن الربيع و هي التي روي أن رسول الله صلى الله عليه و آله كان يحملها في الصلاة و أمها زينب بنت[ربيبة] رسول الله صلى الله عليه و آله فلما توفيت الزهراء عليها السلام تزوج أمير المؤمنين عليه السلام أمامة كما أوصته، و من أجل ذلك قال: أربعة ليس إلى فراقهن سبيل و عد منهن أمامة قال أوصت بها فاطم (الثانية) أن يتخذ لها نعشا و وصفته له (و في رواية) أن أسماء بنت عميس قالت لها إني إذ كنت بأرض الحبشة رأيتهم يصنعون شيئا ،فإن أعجبك أصنعه لك فدعت بسرير فأكبته لوجهه ثم دعت بجرائد فشدتها على قوائمه و جعلت عليه نعشا ثم جللته ثوبا فقالت فاطمة عليها السلام إصنعي لي مثله إستريني سترك الله من النار.
و في الإستيعاب بسنده أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه و آله قالت لأسماء بنت عميس إني قد إستقبحت ما يصنع بالنساء أنه يطرح على المرأة الثوب فيصفها ، فقالت أسماء يا بنت رسول الله ألا أريك شيئا رأيته بأرض الحبشة؟ فدعت بجرائد رطبة فحنتها ثم طرحت عليها ثوبا فقالت فاطمة: ما أحسن هذا و أجمله، لا تعرف به المرأة من الرجل ثم قال: فاطمة أول من غطي نعشها في الإسلام على الصفة المذكورة ثم بعدها زينب بنت جحش ، و كانت الزهراء عليها السلام لشدة محافظتها على الستر و العفاف حتى أنها لما قال لها أبوها صلى الله عليه و آله ما خير إمرأة؟ قالت أن لا ترى رجلا و لا يراها رجل .
روى الحاكم في المستدرك بسنده عن علي بن الحسين عن ابن عباس قال مرضت فاطمة مرضا شديدا فقالت لأسماء بنت عميس ألا ترين إلى ما بلغت أحمل على السرير ظاهرا ، فقالت أسماء لا لعمري و لكن أصنع لك نعشا كما رأيت يصنع بأرض الحبشة. قالت فأرينيه فأرسلت أسماء إلى جرائد رطبة و جعلت على السرير نعشا و هو أول ما كان النعش قالت أسماء فتبسمت فاطمة و ما رأيتها مبتسمة بعد أبيها إلا يومئذ الحديث .
(الثالثة) أن لا يشهد أحدا جنازتها ممن كانت غاضبة عليهم و أن لا يترك أن يصلي عليها أحد منهم و أن يدفنها ليلا إذا هدأت العيون و نامت الأبصار و يعفي قبرها.
و كانت مما أوصت به عليا عليه السلام أن تحنط بفاضل حنوط رسول الله صلى الله عليه و آله و كان أربعين درهما فقسمه رسول الله صلى الله عليه و آله أثلاثا ثلثا لنفسه و ثلثا لعلي و ثلثا لفاطمة و أن يغسلها في قميصها و لا يكشفه عنها لأنها كانت قد اغتسلت قبل وفاتها و تنظفت و لبست ثيابها الجدد و من ذلك توهم بعضهم أن المراد أن تدفن بذلك الغسل و هو غير صحيح كما يأتي.
و في رواية«أنها أوصت لأزواج النبي صلى الله عليه و آله لكل واحدة منهن باثنتي عشرة أوقية و الأوقية أربعون درهما و لنساء بني هاشم مثل ذلك و أوصت لأمامة بنت زينب بشيئ.و روى إبن عبد البر في الإستيعاب أن فاطمة عليها السلام قالت لأسماء بنت عميس إذا أنا مت فاغسليني أنت و علي و لا تدخلي علي أحدا.
و روى أبو نعيم في الحلية أنها لما حضرتها الوفاة أمرت عليا فوضع لها غسلا فإغتسلت و تطهرت و دعت بثياب أكفانها فأتيت بثياب غلاظ خشن فلبستها و مست من الحنوط ثم أمرت عليا أن لا تكشف إذا قبضت و أن تدرج كما هي في ثيابها. و الظاهر أن هذا الغسل الذي إغتسلته عليها السلام كان لأجل التنظيف و التطهر لتغسل بعد وفاتها في ثيابها طاهرة نظيفة و لا تكشف لأنه أبلغ في الستر و أقل كلفة على من يغسلها لا أنه كان غسل الأموات لعدم جواز تقديمه على الموت في مثل المقام .
و توهم بعضهم أنه غسل الأموات و ليس بصواب فلما توفيت صاح أهل المدينة صيحة واحدة و إجتمعت نساء بني هاشم في دارها فصرخن صرخة واحدة كادت المدينة تتزعزع من صراخهن و هن يقلن يا سيدتاه يا بنت رسول الله و أقبل الناس مثل عرف الفرس إلى علي عليه السلام و هو جالس و الحسن و الحسين عليهما السلام بين يديه يبكيان فبكى الناس لبكائهما و خرجت أم كلثوم و عليها برقعها تجر ذيلها متجللة برداء و هي تبكي و تقول يا أبتاه يا رسول الله الآن حقا فقدناك فقدا لا لقاء بعده أبدا و إجتمع الناس فجلسوا و هم يرجون و ينتظرون أن تخرج الجنازة فيصلوا عليها فخرج أبو ذر و قال إنصرفوا فإن ابنة رسول الله قد أخر إخراجها هذه العشية فقام الناس و انصرفوا.