بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركااته
إن هذه الحقیقة التاریخیة محفوظة فی المصادر الاسلامیة التاریخیة و الحدیثیة. و قد تعرض لذکرها و أذعن بها الکبار من علماء أهل السنة مثل ابن ابي شیبة، البلاذري، ابن قتیبة و... للاطلاع على المصادر التی تعرضت لمظلومیة الزهراء (س) و هتك حرمة بیتها یمكن الرجوع الى الجواب التفصیلي.
الجواب التفصیلي
هتك حرمة فاطمة الزهراء (س) و شهادتها:
نشیر هنا الى بعض النصوص الواردة في مصادر أهل السنة لیتضح جلیاً أن القضیة حقیقة تاریخیة مسلّمة لا أنها مجرد اسطورة کما یزعم البعض!! فبالرغم من التعتیم و الرقابة الشدیدة التی مورست فی زمن الخلفاء بالنسبة الى تدوین فضائل و مناقب أهل البیت والحوادث التی مرت بهم، لکن انطلاقا من "ان الشمس لا تغطى بغربال" حفظت تلک الحقیقة و أخذت طریقها الى المصادر الاسلامیة؛ نحاول هنا أن نشیر الى تلك المصادر طبقا للتسلسل التأریخی إنطلاقا من القرون الاولى و صولاً المؤلفین المعاصرین.
1- ابن أبی شیبة و کتاب "المصنف"
نقل ابو بکر بن ابي شیبة (159-235) صاحب کتاب "المصنف"، بسند صحیح:
« انّه حین بویع لأبی بکر بعد رسول اللّه (ص) کان علی و الزبیر یدخلان على فاطمة بنت رسول اللّه، فیشاورونها و یرتجعون فی أمرهم. فلما بلغ ذلک عمر بن الخطاب خرج حتى دخل على فاطمة، فقال: یا بنت رسول اللّه (ص) و اللّه ما أحد أحبَّ إلینا من أبیک و ما من أحد أحب إلینا بعد أبیك منك، و أیم اللّه ما ذاک بمانعی إن اجتمع هؤلاء النفر عندك أن امرتهم أن یحرق علیهم البیت.
قال: فلما خرج عمر جاؤوها، فقالت: تعلمون انّ عمر قد جاءَني، و قد حلف باللّه لئن عدتم لیُحرقنّ علیکم البیت، و أیم اللّه لَیمضین لما حلف علیه.»[1]
2- البلاذري في "انساب الاشراف"
نقل العالم المعروف أحمد بن یحیى البغدادي البلاذري ( المتوفى270هـ) فی کتابه المشهور" انساب الاشراف" هذه القضیة التاریخیة بالنحو التالي: «انّ أبابكر أرسل إلى علي یرید البیعة فلم یبایع، فجاء عمر و معه فتیلة! فتلقته فاطمة على الباب. فقالت فاطمة: یابن الخطاب، أتراك محرقاً علیّ بابی؟ قال: نعم، و ذلک أقوى فیما جاء به أبوك...»[2]
3- کتاب الامامة و السیاسة لابن قتیبة:
روى المؤرخ الشهیر عبد الله بن مسلم بن قتیبة الدینوري (212-276) الذي یعد من رواد الأدب و من المؤلفین الکبار فی التاریخ الاسلامی و صاحب کتاب " تاویل مختلف الحدیث" و "آدب الکاتب" و.... فی کتابه " الامامة و السیاسة" ما یلی:
« انّ أبابكر رضی اللّه عنه تفقد قوماً تخلّقوا عن بیعته عند علی کرم اللّه وجهه فبعث إلیهم عمر فجاء فناداهم و هم فی دار علی، فأبوا أن یخرجوا فدعا بالحطب و قال: و الّذی نفس عمر بیده لتخرجن أو لاحرقنها على من فیها، فقیل له: یا أبا حفص إنّ فیها فاطمة. فقال، و إن!![3]
ثم أضاف ابن قتیبة: « ثمّ قام عمر فمشى معه جماعة حتى أتوا فاطمة فدقّوا الباب فلمّا سمعت أصواتهم نادت بأعلى صوتها یا أبتاه یا رسول اللّه ماذا لقینا بعدک من ابن الخطاب، و ابن أبی قحافة، فلما سمع القوم صوتها و بکاءها انصرفوا. و بقی عمر و معه قوم فأخرجوا علیاً فمضوا به إلى أبی بکر فقالوا له: بایع، فقال: إن أنا لم أفعل فمه؟ فقالوا: إذاً و اللّه الّذی لا إله إلاّ هو نضرب عنقک...!»[4].
لاریب أن هذا القضیة لا تروق لاتباع مدرسة الخلفاء لذلك نرى بعضهم حاول التشكیك فی نسبة کتاب الامامة و السیاسة لابن قتیبة؛ و الحال أن ابن ابی الحدید المعتزلی استاذ التاریخ سلّم بنسبة الكتاب لابن قتیبة و نقل عنه کثیراً، لکن لشدید الاسف نجد ید التحریف امتدت لتطال هذا الکتاب و لتحذف منه بعض المطالب عند اعادة طباعته! و الحال انا نرى ابن ابی الحدید نقل تلک عنه تلک المباحث فی کتابه شرح نهج البلاغة.
و ذکره الزرکلي فی الاعلام فی قائمة کتبه، الا انه اضاف "و للعلماء نظر فی نسبته الیه " و من الواضح أنه نسب الشك و التردید فی نسبة الکتاب الى غیره من العلماء، لا الى نفسه. کذلك ذهب الیاس سرکیس الى کون الكتاب من مؤلفات ابن قتیبة[5].
4- الطبري في تاریخه:
ذکر محمد بن جریر الطبري (المتوفى 310هـ) فی تاریخه تصمیم القوم بالاعتداء على بیت الوحی بالنحو التالی: « أتى عمر بن الخطاب منزل علی و فیه طلحة و الزبیر و رجال من المهاجرین، فقال و اللّه لاحرقن علیکم أو لتخرجنّ إلى البیعة، فخرج علیه الزّبیر مصلتاً بالسیف فعثر فسقط السیف من یده، فوثبوا علیه فأخذوه.»[6]
هذا القسم من التاریخ یحکي عن طبعیة أخذ البیعة للخلیفة الاول و انها لم تؤخذ برضا من الناس و خاصة من الامام علي (ع).
5- ابن عبد ربه فی العقد الفرید:
عقد شهاب الدین أحمد المعروف "بـابن عبد ربه الاندلسی" مؤلف کتاب العقد الفرید المتوفى (463هـ) بحثاً مفصلاً فی تاریخ السقیفة تعرض فیه للذین تخلفوا عن بیعة أبی بکر قائلا: « فأمّا علی و العباس و الزبیر فقعدوا فی بیت فاطمة حتى بعث إلیهم أبوبکر، عمر بن الخطاب لیُخرجهم من بیت فاطمة و قال له: إن أبوا فقاتِلهم، فاقبل بقبس من نار أن یُضرم علیهم الدار، فلقیته فاطمة فقالت: یا ابن الخطاب أجئت لتحرق دارنا؟! قال: نعم، أو تدخلوا فیما دخلت فیه الأُمّة!»[7]
الى هنا اتضح مدى تصمیم القوم على هتك حرمة بیت فاطمة (س)، وسنشیر هنا الى المصادر التی تحدثت عن تنفیذ ذلك التهدید و انزاله الى أرض الواقع!.
هل هجموا على الدار؟
اکتفت الطائفة الاولى من المصادر التی ذکرناها ببیان نیّة الخلیفة و تصمیمه على هتک الحرمة و لم تواصل الحدیث عن مجریات الاحداث بعد ذلک، لکن هناک من المصادر التی تعرضت لبیان تلک الفاجعة یعنی الهجوم على البیت... و کشفت - الى حد ما- عن الحقیقة؛ فمن تلک المصادر التی أشارت الى الهجوم[8]:
6- ابو عبید فی کتاب "الاموال":
ذکر ابو عبید قاسم بن سلام ( المتوفى224) فی کتابه الاموال المعتمد لدى فقهاء الاسلام، مجریات الاحداث، و أن بیت فاطمة قد کشف فعلا وان الخلیفة الاول ندم على فعلته، حیث روى " عن عبد الرحمن بن عوف: أن أبا بكر الصدیق قال له فی مرض موته: إنى لا آسى على شیء إلا على ثلاث فعلتهن وددت أنی لم أفعلهن وثلاث لم أفعلهن و ددت أنی فعلتهن و ثلاث و ددت أنی سألت رسول الله - ص - عنهن فأما اللاتی فعلتها و وددت أنی لم أفعلها وددت أنی لم أکن کشفت بیت فاطمة وترکته و إن کانوا قد أغلقوه على الحرب ".[9] الا ان ابا عبید استبدل عبارة "لم أکن کشفت بیت فاطمة و ترکته" بعبارة: " فأما التی فعلتها ووددت أنی لم أفعلها: فوددت أنی لم أکن فعلت کذا وکذا لخلة ذکرها - قال أبو عبید : لا أرید ذکرها ".[10]
و مع هذا التعصب الذی ابداة ابو عبید فی اخفاء الحقیقة بابدال العبارة بعبارة کذا و کذا، الا ان محققی الکتاب اعترفوا بوجود العبارة فی میزان الاعتدال؛ اضف الى ذلک نقل العبارة الطبرانی فی المعجم و ابن عبد ربه فی العقد الفرید و غیرهم من العلماء فلاحظ.
7- الطبراني في المعجم الکبیر:
قال ابو القاسم سلیمان بن أحمد الطبراني (260-360)[11] فی " المعجم الكبیر":" عن عبد الرحمن بن عوف عن أبیه قال: دخلت على أبي بکر "رضي الله عنه "أعوده في مرضه الذی توفي فیه فسلمت علیه وسألته کیف أصبحت ؟ ... قال : أما إني لا آسی على شیء إلا على ثلاث فعلتهن وددت أنی لم أفعلهن وثلاث لم أفعلهن وددت أنی فعلتهن وثلاث وددت أنی سألت رسول الله (ص) عنهن فأما الثلاث اللاتی وددت أنی لم أفعلهن فوددت أنی لم أکن کشفت بیت فاطمة و ترکته و أن أغلق علی الحرب "[12].وهذه التعابیر تکشف بوضوح أن ما هدد به عمر قد وقع فعلاً.
8- نقل ابن عبد ربه الاندلسي في العقد الفرید:
.« وودت انّی لم أکشف بیت فاطمة عن شیء و إن کانوا اغلقوه على الحرب.»[13]
و سیاتی ذکر اسماء الشخصیات والعبارات التی نقلت هذا القسم من کلام الخلیفة.
9- کلام النظام فی کتاب "الوافي بالوفیات":
ذکر ابراهیم بن سیار النظام[14] المعتزلی (160-231) نقل حادثة الهجوم على بیت فاطمة (س) فقال: « انّ عمر ضرب بطن فاطمة یوم البیعة حتى ألقت المحسن من بطنها.»[15]
10- المبرد فی الكامل:
ذکر الكاتب و الادیب المعروف صاحب المؤلفات القیمة محمد بن یزید بن عبد الاکبر البغدادي (210- 285) فی کتابه "الکامل" أسف الخلیفة و ندمه على کشف بیت فاطمة (س)[16].
11- المسعودي فی مروج الذهب
ذکر المسعودي ( المتوفى325) فی مروج الذهب أنه: لما احْتُضِرَ ابو بكر قال: ما آسَى على شیء إلا على ثلاث ... فوددت أني لم أکن فتشت بیت فاطمة، و ذکر فی ذلك کلاماً کثیرا.[17]
و المسعودی بالرغم من میله الجید اتجاه أهل البیت و لکنه هنا ایضا لم یشأ أن یفصح عن حقیقة کلام الخلیفة و اعتمد فی رده اسلوب الکنایة، لکن الله یعلم بتلک الواقعة و کذلک یعلم بها الناس و لو إجمالا!.
12- ابن ابي دارم فی کتاب " میزان الاعتدال"
نقل أحمد بن محمد المعروف بابن ابي دارم، المحدث الكوفي ( المتوفى357) و الذی وصفه محمد بن أحمد بن حماد الكوفي بانه " کان مستقیم الأمر، عامة دهره ": " أن عمر رفس فاطمة حتى اسقطت بمحسن"[18].
13- عبد الفتاح عبد المقصود فی کتابه "الامام علي":
نقل عبد الفتاح قصة الهجوم على بیت فاطمة فی موضعین من الكتاب، نکتفي بذکر واحدة منها: قال عمر: « و الّذی نفس عمر بیده، لیَخرجنَّ أو لأحرقنّها على من فیها...! قالت له طائفة خافت اللّه، و رعت الرسول فی عقبه: یا أبا حفص، إنّ فیها فاطمة...! فصاح لا یبالى: و إن..! و اقترب و قرع الباب، ثمّ ضربه و اقتحمه... و بدا له علیّ... و رنّ حینذاك صوت الزهراء عند مدخل الدار... فان هي الا طنین استغاثة...»[19].
نختم هذا البحث بحدیث آخر عن "مقاتل ابن عطیة" فی کتاب الامامة و الخلافة و إن کان هناک مجال کثیر للحدیث و التوسع فی البحث:
« إن ابابکر بعد ما أخذ البیعة لنفسه من الناس بالارهاب و السیف و القوّة أرسل عمر، و قنفذاً و جماعة الى دار علیّ و فاطمة (س) و جمع عمر الحطب على دار فاطمة و احرق باب الدار!..»[20].
النتیجة:
هل یصح - مع کل هذه المستندات و الوثائق التی ذکرت فی مصادر أهل السنة- لشخص أن یدعی بان شهادة فاطمة اسطورة!! فاین الانصاف اذن؟! لا شک أن کل من یقرأ هذه البحث و یتأمل فی الکلمات التی نقلناها عن علماء أهل السنة یدرک عمق الضجة التی أحدثوها بعد رحیل النبی الاکرم (ص) و أنهم فعلوا ما فعلوا لاجل الفوز بکرسی الحکومة، و هذه الکلمات على وجازتها حجة الهیة للاحرار و لمن القى السمع و هو شهید و لمن ینشد الحقیقة لانا لم نذکر من مصادرنا شیئاً ولم ندون من عند انفسنا سطراً و انما اعتمدنا على المصادر المعتبرة لدى القوم[21].
[1] مصنف ابن ابی شیبة: 8/572، کتاب المغازی.
[2] انساب الأشراف: 1/586 طبع دار المعارف، القاهرة.
[3] الامامة و السیاسة: 12، طبع المکتبة التجاریة الکبرى، مصر.
[4] الامامة و السیاسة، ص 13.
[5] معجم المطبوعات العربیة: 1/212.
[6] تاریخ الطبری: 2/443،طبع بیروت.
[7] العقد الفرید: 4/93، طبع مکتبة الهلال.
[8] نحاول هنا أیضاً مراعاة التسلسل التاریخی فی العرض.
[9] الأموال: الهامش 4، نشر الکلیات الازهریة، الأموال، 144، طبع بیروت؛ و ابن عبد ربه فی
لعقد الفرید: 4/93؛ کذلک جامع الأحادیث
المؤلف : جلال الدین السیوطی، مسند ابی بکر، رقم الحدیث، 27312.
[10] الأموال، للقاسم بن سلام الهروی؛ باب الحکم فی رقاب اهل العنوة، مصدر الکتاب : موقع جامع الحدیثhttp://www.alsunnah.com[ الکتاب مرقم آلیا غیر موافق للمطبوع ]
[11] الذی وصفه الذهبی فی " میزان الاعتدال": الحافظ الثبت المعمر أبو القاسم.
لا ینکر له التفرد فی سعة ما روى.
[12] المعجم الکبیر للطبرانی: 1/62، رقم الحدیث 34، تحقیق حمدی عبدالمجید السلفی.
[13] العقد الفرید: 4/93.
[14] انما لقب بالنظام لجودة نظمه و نثره.
[15] الوافی بالوفیات: 6/17، رقم 2444; الملل و النحل للشهرستانی: 1/57،طبع دار المعرفة،
یروت.
[16] شرح نهج البلاغة: 2/46 و 47، طبع مصر.
[17] مروج الذهب: 2/301، طبع دار الاندلس، بیروت.
[18] میزان الاعتدال: 3/459.
[19] عبدالفتاح عبدالمقصود، علی بن ابی طالب: 4/276-277.
[20] کتاب الامامة و الخلافة، ص 160 و 161، تألیف مقاتل بن عطیّة،