بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركااته
وروى الشيخ أبو جعفر الطوسي (رحمه الله) أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) لمّا دفن فاطمة (صلوات الله عليها) ، وعفا موضع قبرها ، ونفض يده من تراب القبر ، هاج به الحزن ، فأرسل دموعه على خدّيه ، وحوّل وجهه إلى قبر رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقال : السلام عليك يا رسول الله ، السلام عليك عن ابنتك وحبيبتك وقرّة عينك وزائرتك والبائتة في الثرى ببقعتك [ ببقيعك ] ، المختار الله لها سرعة اللّحاق بك ، قلّ يا رسول الله عن صفيتك صبري ، وضعف عن سيّدة النساء تجلّدي ، إلاّ أنّ في التأسّي لي بسنّتك ، والحزن الذّي حلّ بي لفراقك ، لموضع التعزّي ، ولقد وسّدتك في ملحود قبرك بعد أن فاضت نفسك على صدري ، وغمّضتك بيدي ، وتولّيت أمرك بنفسي .
بلى وفي كتاب الله أنعم القبول ، إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، قد استُرجعت الوديعة ، وأُخذت الرّهينة ، واختُلست الزّهراء ، فما أقبح الخضراء والغبراء يا رسول الله ، أمّا حزني فَسَرْمَد ، وأمّا ليلي فَمُسَهَّد ، وهم لا يبرح من قلبي أو يختار الله لي دارك التي أنت فيها مقيم ، كمد (1) مقيّح وهمّ مهيّج ، سرعان ما فُرِّقَ بيننا وإلى الله أشكو ، وستُنبئك ابنتك بتظافر أُمّتك عليَّ وعلى هضمها حقّها ، فاستخبرها الحال ، فكم من غليل معتلج بصدرها لم تجد إلى بثّه سبيلاً ، وستقول : ( ويحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين ) . والسلام عليكما سلام مودّع لا سَئِم ولا قالٍ ، فإن أنصرف فلا عن ملالة ، وإن أقم فلا عن سوء ظنّ بما وعد الله الصّابرين واهاً واهاً ، والصبر أيمن وأجمل ، ولولا غلبة المستولين ، لجعلت المقام عند قبرك لزاماً ، والتلبّث عنده معكوفاً ، ولأعولت إعوال الثكلى على جليل الرزيّة ، فبعين الله تدفن ابنتك سرّاً ، ويهتضم حقّها ، ويمنع إرثها جهراً ، ولم يطل العهد ، ولم يَخْلَق منك الذّكر ، وإلى [ فإلى ] الله يا رسول الله المشتكى ، وفيك أجمل العزاء صلّى الله عليك ، وعليها الرحمة والرضوان (2) .
ولقد أجاد مَن قال :
ولأي الأمور تدفن سرّاً = بضعة المصطفى ويعفى ثراها
فمضت وهي أعظم الناس شجواً = في فم الدهر غصّة [ عضّة ] من حواها
وثوت لا ترى لها الناس = مثوىً أيّ قدسٍ يضمّه مثواها
وعن مصباح الأنوار ، عن أبي عبد الله عن آبائه (عليهم السلام) : أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) لما وضع فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليهما وآلهما في القبر قال : بسم الله الرحمن الرحيم ، بسم الله وبالله وعلى ملّة رسول الله محمّد بن عبد الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ، سلّمتكِ أيتها الصديقة إلى من هو أولى بك منّي ، ورضيت لك بما رضي الله تعالى لك : ثم قرأ : ( منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى ) ، فلمّا سوّى عليها التراب ، أمربقبرها فرشّ عليه الماء ، ثم جلس عند قبرها باكياً حزيناً ، فأخذ العباس بيده فانصرف به (3) .
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ
(1) كمد مقيّح : أي مرض مع قيح ، قيّح الجرح صار ذا قيح .
(2) أمالي الشيخ : ج1 ص107 ، والعلاّمة المجلسي في البحار : 43 /193 و211 ، وفي أمالي الشيخ المفيد أيضاً .
(3) بحار الأنوار : ج82 ص28 .