بسم الله الرحمن الرحيم
ولله الحمد والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
الحياء
جاء في معنى الحياء في مفردات الراغب: ((والحياء: انقباض النفس عن القبائح وتركها، لذلك يقال: حيي فهو حي، واستحيا فهو مستحي، وقيل: استحى فهو مستح، قال الله تعالى: }إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها{ [البقرة/26]..
فالحياء هو انقباض النفس عن ارتكاب المحرمات الشرعية منها والعقلية، وهو يشمل التقوى فيكون أعم لأن التقوى هي نهي النفس عن ارتكاب المحرمات الشرعية فقط..
وخير من يعرّف الحياء هم أهل البيت عليهم السلام فقال الامام الصادق عليه السلام ((الحياء نور جوهره صدر الايمان)) وتفسيره التّثبّت عند كلّ شىء ينكره التّوحيد والمعرفة..
اذن حياء النفس هو انزجارها عن ارتكاب المحرمات وترك السيئات، فمن أراد الله به خيراً جعل الحياء لباساً له، ومن أراد به سوءً سلب منه ذلك الحياء فكان وقحاً لا يستحي من ارتكاب المحرمات فكان شراً كله..
فالحياء من الايمان إذ لا يمكن أن يكون المؤمن مؤمناً ما لم يتصف بالحياء فقال النبي الأكرم صلّى الله عليه وآله ((الحياء من الايمان)) وفي قول آخر له صلّى الله عليه وآله ((الحياء شعبة من الايمان)) وقال الامام الصادق عليه السلام ((الحياء والإيمان مقرونان في قرن، فإذا ذهب أحدهما تبعه صاحبه))..
وقيل انّ الحياء بالايمان والايمان بالحياء، وهذا يعني لا ايمان بلا حياء ولا حياء بلا ايمان فقال الامام الصادق عليه السلام ((لا إيمان من لا حياء له))..
لذلك قال الرسول صلّى الله عليه وآله ((إذا لم تستح فاصنع ما شئت))، لأن في هذه الحالة كل عملك شر فمهما عملت من عمل فهو نابع من تلك النفس الخالية من الحياء من الله سبحانه وتعالى، ومن كان كذلك لا يمكن أن يكون هناك خلوص في عمله..
فمنبع الحياء اذن هو مخافة الله والخشية منه فقد ورد عن الامام زين العابدين عليه السلام ((خفِ اللَّه تعالى لقدرته عليك، واستحي منه لقربه منك))، ومن ارتدى هذا الرداء راقب نفسه في كل صغيرة وكبيرة وذكّرها بأن هناك من يراقبه فلتستحي من ذلك المراقب، وبالطبع لا يوجد مكان خال منه سبحانه وتعالى، فاذا كنت لا ترى الله فانّه يراك، فقال تعالى ((أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى))العلق: 14..
ويدعو النبي الأكرم صلّى الله عليه وآله الى حق الحياء فيقول ((رحم اللَّه عبدا استحيى من ربّه حقّ الحياء : فحفظ الراس وما حوى، والبطن وما وعى، وذكر القبر والبلى، وذكر انّ له في الاخرة معادا))..
وهناك حياء ممدوح وحياء مذموم، فقال الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله ((الحياء حياءان: حياء عقل وحياء حمق، فحياء العقل هو العلم وحياء الحمق هو الجهل))، فحياء العقل هو ما قبح عقلاً وشرعاً، وحياء الحمق هو ما لم يرض به الشرع وهو ما تمليه العادات والأعراف التي لا تمت للدين بصلة، ومثل ذلك الذي يستحي أن يسأل عن مسألة شرعية فيبقى على جهله، لذا قيل لا حياء في الدين..
ومن كرم الله ولطفه على عباده أن يغفر للمستحي منهم ذنوبه وينسيها العباد، فقد روي انّ الله تعالى يقول ((عبدي انّك إذا استحيت منّي أنسيت الناس عيوبك، وبقاع الأرض ذنوبك، ومحوت من الكتاب زلاّتك، ولا اُناقشك الحساب يوم القيامة))، فما أعظمها من جائزة..
وتأملوا اخوتي وأخواتي في هذا الحديث جيداً وتدبّروا وتفكروا فيه كثيراً حيث يقول ربّ العزة والجلال ((ما أنصفني عبدي، يدعوني فاستحي منه أن أردّه، ويعصيني ولا يستحي منّي))، يا ألله ما أعظمه من حديث، أي جرأة نحن فيها وأي معصية أكثر من تلك الأوقات التي لا نستحي فيها منه تعالى ومع ذلك نطلب ونترجّى منه، بل ونعاتبه إن أبطأ عنّا، فما أحلمك يا ربّ وأجملك..
ومما تجدر الاشارة اليه انّ الكثير منا يحسب للناس حساباً ويستحي منهم ويرتب آثاراً على ذلك، ولكنه في المسائل التي يجب أن يستحي من خالقه لا نرى فيه تورّعاً عن ارتكاب تلك الأفعال، فهل هذه إلاّ استهانة بخالقه، وما أعظمها من وصية تلك التي أوصى بها الامام الصادق عليه السلام لاسحاق بن عمّار فقال ((يا إسْحاقُ، خَفِ اللهَ كَأّنَّكَ تَراهُ، وإِنْ كُنْتَ لاَ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ، وَإِنْ كُنْتَ تَرَى أَنَّهُ لاَ يَرَاكَ فَقَدْ كَفَرْتَ، وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ يَراكَ ثُمَّ بَرَزْتَ لَهُ بِالمَعْصِيةِ فَقَدْ جَعَلْتَهُ مِنْ أَهوَنِ النَّاظِرينَ عَلَيْكَ))..
فما لنا نرى الكثير من الناس لا يضع لذلك الحياء موضعاً من نفسه مع انّه يدّعي انّه من المؤمنين ومن المتشيعين، فنرى الشاب يفعل ما يفعل بداعي الحرية وانّ الدين سهل، والرجل الكبير لا يستحي حتى من شيبته، والمرأة لا تتناهى عن التشبث بمقولة الشيطان بحرية المرأة الداعية الى ترك الحجاب الشرعي والتبرج أمام الناس والاختلاط المحرم مع الأجانب..
فهل مبادئ الاسلام تتجزأ، فالمعلوم انّ حلال محمد حلال الى يوم القيامة وحرامه حرام الى يوم القيامة..
ولكن قد قالها سيّد البشرية صلّى الله عليه وآله ((إذا لم تستح فاصنع ما شئت))..
ألبسنا الله وإياكم لباس الحياء منه تعالى فنسير على نهج محمد وآل محمد عليهم السلام...
منقول