سيدنا ءادم عليه السلام هو أبو البشر وأول إنسان خلقه الله تعالى، فهو أول النوع البشري الذي فضله الله على سائر أنواع المخلوقات، فهو أفضل من النوع الملائكى وأفضل من النوع الجني.
وكان خلقه عليه السلام في الجنة ءاخر ساعة من يوم الجمعة من الأيام الست التي خلق الله فيها السموات والأرض كما جاء في حديث مسلم، وروى مسلم وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال(خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة فيه خلق ءادم)).
كيف خلق آدم عليه السلام
شاء الله سبحانه وتعالى بمشيئته الأزلية التي لا تتبدل ولا تتغير وجود ءادم عليه السلام فأبرزه بقدرته من العدم إالى الوجود. فقد أمر الله تعالى ملكا من ملائكته الكرام أن يأخذ من جميع أنواع تراب الأرض التي نعيش عليها ليخلق منه ءادم عليه السلام، فأخذ هذا الملك من جميع أنواع تراب الأرض من أبيضها وأسودها وما بين ذلك، ومن سهلها وحزنها أي قاسيها وما بين ذلك،ومن طيبها ورديئها ومما هو بين ذلك.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(إن الله قبض قبضة من الأرض من أبيضها وأسودها وما بين ذلك، ومن طيبها ورديئها وما بين ذلك فجاء ذرية ءادم على قدر ذلك)) رواه ابن حبان وغيره، وعند أحمد ((فجاء بنو ءادم على قدر الأرض، فجاء منهم الأبيض والأحمر والأسود وبين ذلك، والسهل والحزم وبين ذلك، والخبيث والطيب وبين ذلك)).
أي جاءت أحوال وألوان ذرية ءادم عليه السلام مختلفة بسبب هذا التراب المختلف الذي خُلق منه ءادم عليه الصلاة والسلام.
قيل سمي ءادم بهذا الاسم لأنه من أديم الأرض.
معنى قول الرسول إن الله خلق آدم على صورته
يجوز أن يكون معنى هذا الحديث: ((إن الله خلق ءادم على صورته)) أي على صورة ءادم الأصلية التي خلقه الله عليها طوله ستون ذراعاً وعرضه سبعة أذرع فيكون الضمير في((صورته))عائداً إلى ءادم عليه السلام، ويجوز أن يكون الضمير في ((صورته)) عائداً إلى الله فيكون التقدير على الصورة التي خلقها الله وجعلها مشرفة مكرمة، وتسمى هذه الاضافة إضافة الملك والتشريف لا إضافة الجزئية كإضافة الكعبة إلى نفسه كقول الله تعالى لإبراهيم وإسماعيلأنَ طَهِراَ بَيتِيَ)اية125 ،لأن الله سبحانه وتعالى لا يوصف بالجسمية والجزئية فليس هو أصلاً لشىء ولا هو فرعاً عن شىء ولا يتحيز في جهة ومكان لأن التحيز للجسم اللطيف والكثيف.
الخلقة التي خلق عليها سيدنا آدم
خلق الله سيدنا ءادم جميل الشكل والصورة وحسن الصوت لأن جميع أنبياء الله الذين بعثهم الله لهداية الناس كانوا على صورة جميلة وشكل حسن وكذلك كانوا جميلي الصوت، قال صلى الله عليه وسلم( ما بعث الله نبيا إلا حسن الوجه حسن الصوت وإن نبيكم إحسنهم وجها وأحسنهم صوتا)).
ولقد كان طول سيدنا ءادم عليه الصلاة والسلام ستين ذراعاً شبهه رسول الله في الطول بالنخلة السحُوق، فلما خلقه الله قال: اذهب فسلم على أولئك - نفر من الملائكة جلوس - فاستمع ما يُحيونك فإنها تحيتك وتحية ذريتك، فقال: السلام عليكم، فقالوا: السلام عليك ورحمة الله، فزادوه: ورحمة الله. وكل من يدخل الجنة يكون على صورة ءادم في الطول فقد ورد في مسند الإمام أحمد بإسناد حسن عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أن أهل الجنة يدخلون الجنة على خلق ءادم ستين ذراعاً في عرض سبعة أذرع.
روى الإمام أحمد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم((إن الله عز وجل لما صور ءادم تركه ما شاء الله أن يتركه فجعل إبليس يُطيف به فلما رءاه أجوف عرف أنه خلق لا يتمالك))، وعند أبي يعلي(فكان إبليس يمر به فيقول:لقد خلقت لأمر عظيم)).
ففي هذا الحديث الصحيح دليل على أن إبليس كان في الجنة لما خلق ءادم وذلك قبل أن يكفر لأنه كان مسلما يتعبد مع الملائكة ولم يكن منهم من حيث الجنس والأصل لأن الملائكة أصلهم النور وإبليس أصله من مارج من نار أي لهب النار، وفيه أن إبليس كان يدور حول هيكل ءادم وذلك قبل أن ينفخ فيه الروح فرءاه أجوف أي شيئا غير مصمت بل له جوف، فعرف أنه خلق لا يتمالك أي ليس كالملائكة ولا كالجمادات بل هو أضعف من ذلك.
ومن الكذب الظاهر ما شاع من نظرية ابتدعها بعض الكفار وهي أن أصل البشر قرد أو يشبه القرد وهذا فيه تكذيب
لقوله تعالى:فسيدنا ءادم عليه الصلاة والسلام هو أول إنسان خلقه الله تبارك وتعالىولم يكن أصله قرداً ثم ترقى حتى صار إنساناًفنظرية داروين التي تقول إن الإنسان أصله قرد ثم ترقى بسبب العوامل المجهولة حتى صار هذا الإنسان، هي نظرية باطلة لا تقوم على أساس علمي وتردها دلائل النقل وإن تلقفها المفتونون بكل جديد ولو كان سخيفاً باطلا.
وما جاء في القرءان من مسخ بعض اليهود قردة وخنازير فهو حالة نادرة جعلها الله تبارك وتعالى عذابا لليهود الذين اعتدوا في السبت وعصوا الله تبارك وتعالى وموعظة وعبرة للمتقين، قال الله تبارك وتعال في كتابه الحكيم: .
على أن أولئك الذين مسخهم الله تبارك وتعالى قردة لم يعيشوا طويلا بل عاشوا ثلاثة أيام ثم ماتوا ولم يتركوا نسلا من جنس ما مسخوا إليه.
ذكر احتجاج آدم وموسى عليهما السلام
روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم((حاج موسى ءادم عليهما السلام فقال له: أنت الذي أخرجت الناس بذنبك من الجنة وأشقيتهم، قال ءادم: يا موسى أنت الذي اصطفاك الله برسالته وبكلامه، أتلومني على أمر قد كتبه الله علي قبل أن يخلقني؟))قال صلى الله عليه وسلم ((فحج ءادمُ موسى)).
وأخرجاه أيضاً في الصحيح من طريق ءاخر وأحمد في مسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم((احتج ءادمُ وموسى، فقال له موسى: أنت ءادم الذي أخرجتك خطيئتك من الجنة؟ فقال له ءادمُ: أنت موسى الذي اصطفاك الله برسالته وبكلامه ثم تلومني على أمر قد قدر علي قبل أن أُخلق؟)) قال صلى الله عليه وسلم ((فحج ءادمُ موسى)).
وأخرجاه أيضاً في الصحيح من طريق ءاخر وأحمد في مسنده وابن حبان في صحيحه وغيرهم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((احتج ءادمُ وموسى فقال موسى: يا ءادم أنت أبونا خيبتنا وأخرجتنا من الجنة فقال له ءادم: أنت موسى اصطفاك الله بكلامه وخط لك بيده أتلومني على أمر قدره الله علي قبل أن يخلقني بأربعين سنة؟)) فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((فحج ءادمُ موسى، فحج ءادمُ موسى)).
وروى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((احتج ءادمُ وموسى عليهما السلام عند ربهما فحج ءادمُ موسى، قال موسى: أنت ءادمًُ الذي خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه وأسجد لك ملائكته وأسكنك في جنته، ثم أهبطتَ الناس يخطيئتك إلى الأرض؟، قال ءادم: أنت موسى الذي اصطفاك الله برسالته وبكلامه، وأعطاك الألواح فيها تبيانُ كلّ شىء، وقربك نجيا فبكم وجدت الله كتب التوراة قبل أن أُخلق؟ قال موسى: بأربعين عاماً، فقال ءادمُ: فهل وجدت فيها قال: نعم، قال: أفتلومُوني على أن عملتُ عملا كتبه الله علي أن أعمله قبل أن يخلقني بلأربعين سنة؟)) قال صلى الله عليه وسلم: ((فحج ءادمُ موسى))، ورواه بنحوه ابن أبي حاتم.
وروى أبو داود في سننه وأبو يعلى في مسنده عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن موسى قال: يا رب أرنا ءادم الذي أحرجنا ونفسهُ من الجنة، فأراه الله ءادم فقال: أنت ابونا ءادم؟ فقال له ءادم: نعم، قال: أنت الذي نفخ الله فيك من روحه وعلمك الأسماء كلها وأمر الملائكة فسجدوا لك؟ قال: نعم، قال: فما حملك على أن أخرجتنا ونفسك من الجنة؟ قال له ءادم: ومن أنت؟ قال: أنا موسى، قال: أنت نبي بني إسرائيل الذي الذي كلمك الله من وراء الحجاب ولم يجعل بينك وبينه رسولا من خلقه؟ قال: نعم، قال: أفما وجدت أن ذلك كان في كتاب الله قبل أن أثخلق؟ قال: نعم، قال: فيم تلومني في شىء سبق من الله تعالى فيه القضاء قبلي؟ قال رسول الله عند ذلك: فحج ءادم موسى، فحج ءادم موسى)).
وقد رد هذا الحديث قوم من القدرية لما تضمن من إثبات القدر
ذكر إخراج أرواح ذرية آدم من ظهره وأخذ الميثاق
روى النسائي وأحمد وابن جرير والحاكم في المستدرك بالإسناد عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( إن الله أخذ الميثاق من ظهر ءادم عليه السلام بنعمان يوم عرفة، فأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها فنثرها بين يديه ثم كلمهم قُبُلا قال
وروى الإمام أحمد في مسنده بإسناد عن شعبة، عن أبي عمران عن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يقال للرجل من أهل النار يوم القيامة: لو كان لك ما على الأرض من شىء أكنت مفتديا به؟ قال: فيقول: نعم، فيقول: قد أردت منك ما هو أهون من ذلك، قد أخذت عليك في ظهر ءادم أن لا تشرك بي شيئاً فأبيت إلا أن تشرك بي))، وقد أخرجاه في الصحيحين من حديث شعبة به.
فهذه الأحاديث كلها دالة على استخراجه سبحانه وتعالى ذرية ءادم من ظهره كالذرّ ثم استنطقهم وأخذ عليهم العهد وأشهد عليهم أنفسهم.