السلام عليك يا سلطان النفوس
كنت اجلس على الكرسي القريب من شباك الطائرة، ومشغولة بالبحث في حقيبة يدي الصغيرة على قطعة من العلكة، كي أواجه بها ضغط الطائرة عند التحليق، عندها اقتربت مني فتاة جميلة ثلاثينية، ذات هندام فارع وجلست على الكرسي الذي بجانبي، من ثيابها الفاخرة ومجوهراتها المطعمة (بالشوارفسكي) اكتشفت ببساطة بانها مترفة مادياً، ابتَسَمَت بعمق وحيتني بكل هدوء. ثم جلست بجنبها امرأة عجوز تسعينية العمر، من الحوار البسيط الذي دار بين العجوزة والفتاة اكتشفت بان هذه العجوز هي جدة الفتاة الجميلة..
بينما كانت الطائرة في أوج الاستعداد للتحليق، كانت هنالك ابتسامة غريبة عالقة على شفاه الفتاة من لحظة صعودها الطائرة الى لحظة الإقلاع، بادلتها الابتسامة، وفتحت معها باب الحديث، بعد محاورة قصيرة عرفت منها اسمها ومحل اقامتها، اكتشفت بانها امرأة اعمال ناجحة، وتتمتع بمركز اجتماعي مهم، حينها استغربت من نقطة وسألتها عنها: امرأة مثلك تتمتع برفاهية وقدرة مادية، من الغريب ان تسافر على متن طائرة في الجناح العادي وليس بدرجة رجال الأعمال "الفِرست كلاس"!!.
وما ان انهيت سؤالي واذا بضحكة الفتاة تتعالى في ارجاء المكان، حاوَلَت ان تستعيد انفاسها، ثم تنفست بهدوء وقالت:
ما قلته صحيح جداً، فأنا امرأة تتمتع برفاهية كاملة، ووضعي المادي ممتاز، وقد ورثت الشركات والمال من والدي الذي توفي منذ عشر سنوات، واستطعت بذكائي إدارة المال وتوسعة نفوذي، وبعد فترة من الزمن اخذت جدتي وتركت ايران بسبب ظروف العمل، وعلى اثره جبتُّ العالم ورأيت ما رأيت من جمال البلدان والمدن، فلم تسلم مني باريس، بندقية، لندن، دنمارك، ألمانيا، الهند...الخ. ولكن قبل فترة عدتُ الى طهران بسبب ظروف العمل التي أجبرتني على البقاء فيها لمدة غير معلومة، وفي احدى الأيام طلبت مني جدتي ان اخذها الى ارض طوس، عندما طلبت مني جدتي ذلك، ضحكت من أعماقي وقلت لها: جدتي الحبيبة تركتِ جمال لندن وباريس وألمانيا وتريدين ان اخذكي الى مشهد!!. وماذا يوجد هناك، لتطلبي مني هذا الطلب الغريب، قالت لي جدتي بهدوء: أودّ زيارة سلطان الكرم "علي بن موسى الرضا".
رمقت جدتي بنظرة غريبة وقلت لها: انا لن أنفق مالي ووقتي لزيارة هذه المدينة، الم تقولي بان علي بن موسى الرضا هو سلطان الكرم؟!، اذن فليأخذك هو على حسابه..
حينها لم أعِ ما قلته بالضبط، فأنا لم اذكر باني صُمت يوماً او التزمت بإداء صلاة، ومعرفتي بالأئمة لم تكن جيدة.
بعد فترة وجيزة تلقيت اتصالا مجهولا من رجل يعمل موظفا في المصرف، وبعد التحية الصباحية قال لي: هل انتِ سيدة نرجس نيشابوري، تهانينا، لقد فزتِ بتذكرتين لزيارة مشهد المقدسة، تستطيعين استلامها الإسبوع المقبل.
حينها تيبَّست من الصدمة، وكل ما استطعت ان أقوله هو: كيف؟، قال لي الرجل: لقد فازت أسهمك الموجودة في المصرف عن طريق القرعة السنوية التي يجريها المصرف.
أصابني الذهول عند سماع هذا الخبر المفاجىء الذي قلب كياني رأساً على عقب، وأطلقت عنان ضحكتي الهستيرية واتجهت نحو جدتي راكضة وقلت لها: جدتي جدتي، لقد تحقق مناكِ.. لقد أغرقنا المولى بكرمه، وطلبنا على حسابه لزيارته.
واستمرت الإبتسامة قاطنة على وجهي الى هذه اللحظة، فلم اصدق بأن الامور ستجري بهذه السرعة، ولم اعلم بان فيض كرم الله والإمام واسع لهذه الدرجة...
بينما كانت السيدة مستمرة في حديثها اتجهت المُضيفة نحونا وقالت لسيدة الأعمال:
عفواً سيدتي مكانك انتِ والحاجة في درجة "الفِرست كلاس"، تفضلوا معي رجاءاً..
أطلقت الفتاة ضحكتها بصوت اعلى وقالت: من الواضح ان سلطان الكرم مُصر على إحراجي بكرمه!.