بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركااته



يظهر البعض وجهه الحقيقي في المواقف الصعبة، حيث يتحرك بطريقة إنسانية، بعيدا عن الخلافات السابقة، انطلاقا من مبدأ ”عفى الله ما سلف“، فيما يتحول البعض الاخر الى وحش كاسر، حيث يحاول نهش الجسد المثخن بالجراحات، من خلال محاولة استغلال الظرف الصعب، بطريقة شيطانية وغير إنسانية على الاطلاق.

التعامل الإنساني مع النكبات ينطلق من اخلاق نبيلة، فالمرء يظهر معدنه الأصيل في هذه المواقف الاستثنائية، الامر الذي يتمثل في اطلاق المبادرات الساعية، لتقديم المساعدة، والتحرك الجاد للتخفيف من حجم الكارثة على الاخرين، بحيث يترجم بشكل عملي عبر وضع الخلافات جانبا، والعمل على تغليب القواسم الإنسانية المشتركة، خصوصا وان الظرف الصعب يفرض اتخاذ القرارات السليمة، نظرا لأهمية اتخاذ المواقف الانسانية في المرحلة الراهنة، الامر الذي يتمثل في احداث تحولات كبرى في العلاقات المستقبلية، لاسيما وان المواقف النبيلة تفرض احترامها على الصديق والعدو في الوقت نفسه، وبالتالي فان الخروج من ”عقدة“ الانتقام، يمثل مدخلا لبدء مرحلة جديدة في شبكة العلاقات الاجتماعية.

التحرك بالاتجاه السليم في تضميد الجراحات المادية والنفسية في الكوارث، تفرضه القيم الإنسانية الحاكمة، فالمرء الذي ينطلق من الضمير الإنساني، يتعامل بحكمة ومروءة مع الظروف القاهرة، التي يكابدها ”الخصم“، خصوصا وان الكثير من الكوارث خارج عن الإرادة، مما يستدعي التعامل معها بطريقة تسهم في تقريب القلوب، واستبعاد كافة اشكال سياسة الضرب من ”تحت الحزام“، لاسيما وان مبدأ ”الأيام دول“ قائم على الدوام، فالمواقف الصعبة ليست حكرا على فئة دون أخرى، مما يستدعي وضع كافة الاحتمالات في الحسبان، من اجل التحرك بما ينسجم مع الضمير الإنساني، وترك الضغائن جانبا بشكل مؤقت، بهدف التحرك المشترك لانتشال الاخر، من مستنقع الكارثة الإنسانية التي يواجهها.

وجود اطراف قادرة على اختيار الطريقة الصحيحة، احد العناصر في توجيه الرأي العام بالاتجاه السليم، لاسيما وان محاولة حرف الأمور عن مسارها الطبيعي، يحدث حالة من الهيجان لدى بعض الشرائح الاجتماعية، مما يزيد من الفجوة بشكل كبير، الامر الذي يعزز اتجاه الاستغلال السيء للكارثة، التي تعيشها بعض الأطراف الاجتماعية، بمعنى اخر، فان تحكيم الضمير الإنساني والتغاضي عن هفوات ”الخصم“ في الظروف الصعبة، بحاجة الى عناصر قادرة على قراءة المستقبل، وعدم التعامل بانفعالية و”شماتة“، خصوصا وان احتمالية الدخول في النفق ذاته ليست مستبعدة، مما يستدعي النظر بطريقة مختلفة، من خلال تحريك الأمور بالاتجاه الاخر بعيدا عن العواطف، ومحاولة تكريس مبدأ الانتقام، فالظرف الصعب يستدعي تحكيم العقل بالدرجة الأولى.

المشاعر الإنسانية الصادقة تترجم في الكثير من المواقف النبيلة، حيث تظهر منذ اللحظات الأولى لظهور المصيبة على ”الخصم“، من خلال المبادرة لتقديم المساعدة بشكل سريع، مما يمهد الطريق امام عودة المياه الى مجاريها مجددا، فالخصم ينظر بعين الرضا للموقف الإنساني، ويعمل على ”رد الجميل“ بطرق المختلفة، فيما سيكون الوضع مختلفا للغاية بمجرد تجاهل الكارثة، واعتماد مبدأ ”عدم الاكتراث“، خصوصا وان الضمير الإنساني يفرض انتهاج الطريقة المعهودة في الوقوف الصادق، وبالتالي فان الشعور بالحسرة وخيبة الامل تولد ”حقدا“ كبيرا، بحيث يظهر على شكل مواقف انتقامية في المرحلة القادمة، لاسيما وان تداعيات ”الكارثة“ ستبقى مثالة لفترة، ولكنها ستزول في النهاية، مما يدفع للتحرك لمحاولة الانتقام بطرق مختلفة.

انتزاع الإنسانية من الممارسات الخارجية عملية صعبة، ولكنها قائمة في الكثير من الاعمال، فالبعض لا يجد غضاضة في التعبير عن التشفي والشماتة في الخصم، بمجرد الوقوع في كارثة كبرى، مما يعمق الخلافات القائمة بين تلك الأطراف من جانب، ويكشف المستوى الأخلاقي للخصم من جانب اخر، وبالتالي فان المحاولات لتقريب وجهات النظر، مع هذه النوعية من الغرماء لا تجدي نفعا، نظرا لوجود ”احقاد“ غير قابلة للزوال، الامر الذي تمثل في ارتفاع منسوبها في نوعية المواقف
”اللا إنسانية“، التي ظهرت ابان الكوارث التي عاشها الخصم في المرحلة السابقة.