بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركااته
يبدو أننا وصلنا إلى زمنٍ فات فيه أوان مُناقشة ”أسباب الطلاق“ بين الأزواج باعتبارها مُنغصات يُمكن تجنبها، وربما على جزء كبير من البشرية في عصرنا الحاضر قبول أن فرصة استمرار كُل زواج إلى الأبد لا تزيد عن خمسين بالمائة مهما بدَت بداياته رائعة واعدة بالسعادة والهناء الدائمين، وأن الاستمرار بأكبر قدرٍ من التوفيق والانسجام يعتمد بالدرجة الأولى على التوفيق الإلهي ثم الحظ، أما العوامل الخارجية التي يتم القاء الثناء أو اللوم عليها فليست سوى أعذار.
محاولات حل ما يُمكن اعتباره ”أسباب الطلاق“ في بعض الحالات ليست سوى محاولات لإجبار أحد الطرفين على تقديم تنازلات موجعة لا يرغب بها في سبيل البقاء متزوجًا بالآخر، ومادام هذا الشخص غير راغب بتقديم تلك التنازلات فإن استمرار هذا الزواج يعني سجنًا مؤبدًا لأحدهما أو كليهما في حياة مؤلمة غير مرغوبة، والطلاق هنا هو ”الحل“ وليس ”المُشكلة“ كما يرى بعض المُكابرين أمام تلك المسألة، أما تداعياته النفسية والعاطفية والصحية والاقتصادية فتلك قضايا تُعالج بطُرق أخرى تجعل الفرد الذي تضطره ظروفه لاجتياز تلك الفترة المؤلمة يتعافى ويصل إلى بر الأمان بسلام.
ثمة حقيقة صادمة لا يدركها كثيرون، وهي أن ليس لكل حالات الطلاق أسباب وجيهة، هناك زوجات يبذلن أضخم التضحيات لأجل إسعاد أزواجهن ثم يصدمن بأن يكون الطلاق جزاءهن، وهناك أزواج يفنون أنفسهم لأجل نيل رضا الزوجة ويُصعَقن بأن تُطالبهن بالطلاق! وكثيرًا ما صرنا نسمع في أيامنا كلامًا من نوع: ”كونها امرأة جيدة في كل شيء يُشعرني بتأنيب الضمير، لأنها لم تترك لي أسباب وجيهة تمكنني من قولها كي أبرر مُفارقتي إياها“ أو: ”إنه رجل رائع في كل تفاصيله، جنتلمان، وألف امرأة تتمنى مثله، لكنني لا أستطيع أن أطيقه رغم كل شيء!“. البعض يتصوَّر أن العِناد هنا قد يُجدي نفعًا؛ لكن الحقيقة أن العناد لا يُمكن أن يُحقق نتائج إيجابية هنا، لأن الطرف الآخر إن لم يحصل على ما يُريده منك بسلام فسيسعى لنيله بالقوة، وستجد نفسك مُضطرًا في النهاية للانفصال بطريقة مُؤلمة ومُخزية يصعب محوها من ذاكرتك، ويُسبب لك رهابًا من خوض تجربة زواج جديدة من انسان قد تكون سعادتك الحقيقية الدائمة معه.
ربما يجب علينا كبشر أن نتعامل مع الزواج في عصرنا الحاضر ك ”تجربة“ ككل تجارب الحياة، قد تنجح أو تفشل، قد تبقى على قيد الحياة أو تموت، وحتى لو حافظ الإنسان على زواجه بكل وسيلة ممكنة فثمة احتمال بأن يموت شريك حياته فجأة لأسباب تافهة مادامت الضمانات في الحياة مستحيلة، ولا بد من الانصياع لمشيئة الأقدار التي لا تعبأ بمشاعرنا البشرية. وهنا سينبثق سؤال يقول: ”لماذا إذن نخوض هذا النوع من التجارب مادامت احتمالات الخسارة قائمة؟“، الجواب هو أن البشر سيستمرون بخوض تلك المُغامرة، وسيكررون خوضها مرّة بعد مرَّة مهما فشلوا إلى أن يُحالفهم حظهم ويتمكنوا من النجاح، لأن الأمل مازال حيًا في مواجهة اليأس، ولأن الإنسان يحتاج الحب، يحتاج الاهتمام، يحتاج المُشاركة، يحتاج الثقة، يحتاج أن يشعر بأن هناك انسان آخر مُستعد لأن يقبل به ويُكمل حياته معه بمودَّة.