بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركااته




في حالات الحروب والكوارث والأزمات، تجد الكثير من المصادر والمنابر ضالتها التي تبحث عنها، لتُمارس أدوارها المشبوهة وسلوكياتها الكريهة كالإشاعات والاتهامات والتلفيقات والتجاذبات والاصطفافات، وتلك هي الحقيقة المرة التي كشفتها الأيام وأثبتتها التجارب.

حينما يمر المجتمع، أي مجتمع بظروف صعبة وحساسة، لابد من إيجاد خطة موازية تُساند الموقف الوطني للمجتمع، وذلك للحفاظ على مكتسباته ومقدراته وثرواته، سواء البشرية أو المادية، وكذلك أمنه وسلامته واستقراره. خطة، أشبه بخارطة طريق تحتوي على حزمة كبيرة من القيم والمثل والثقافات والمضامين والسلوكيات التي تُسهم في مكافحة وصد كل ما من شأنه زعزعة وتقويض حالة السلم والاندماج والتجانس الوطني، وهذا لن يحصل إلا بمساندة قانونية وتشريعية صارمة وشفافة، تتضمن العديد من الإجراءات والآليات والعقوبات، لأن الأفكار والرؤى والثوابت والقناعات، إن لم تُسنَد بقوة فعلية فانها لن تستطيع أن تؤدي عملها بالشكل المطلوب. فالقيم والمعاني والثوابت، بلا قوانين وآليات وتشريعات تحميها وتسندها، ستكون أشبه بكتابات على وجه الرمل، ستُمحيها أول زيارة للريح.

ومن أخطر المظاهر والسلوكيات السلبية التي تُفرزها المحن والصراعات والأزمات، هي تنامي ظاهرة الإشاعة بدرجة سريعة وكثيفة ومخيفة، مما قد يؤثر سلباً على سلامة البنية المجتمعية وتماسك الوحدة الوطنية، وخاصة لدى بعض شرائحه الاجتماعية.

إن الإشاعة، ليست مجرد صناعة للأكاذيب والتهم والافتراءات، وهي ليست مجرد تلفيق وبث وترويج للأخبار والأفكار والقصص والمواقف، بل هي كل ذلك وأكثر، ولكن خطرها الآن في تصاعد مستمر، خاصة في ظل الإمكانيات والقدرات الهائلة التي تتمتع بها وسائط ووسائل الاتصال والإعلام والتقنية، وتأتي في طليعتها وسائل التواصل الاجتماعي كتويتر والفيس بوك والواتس آب وغيرها. فإشاعة واحدة على شكل تغريدة لا تزيد عن 140 حرفاً، قد تتسبب في حدوث كارثة تجاه حدث ما، أو رسالة صغيرة عبر الواتس آب بلا مصدر موثوق، قد تكون سبباً لإشعال فتيل أزمة. فوسائل التواصل الاجتماعي، كبيئة حاضنة للإشاعات المغرضة في المجتمع، تُمارس الكثير من الأدوار والوظائف المشبوهة والخطيرة، خاصة لدى الشرائح والفئات الصغيرة والشابة التي لا تملك القدرة على الفرز والتحليل والتدقيق.

وبالعودة للتاريخ، القريب والبعيد، والذي حفظ لنا الكثير من الأحداث والخبرات والتجارب حول ظاهرة الإشاعة، نستطيع أن نرصد العديد من حالات الفوضى والانقسام والاحتراب التي حدثت للكثير من المجتمعات والشعوب والأمم، وكان السبب في كل ذلك، مجرد إشاعة بسيطة. صفحات التاريخ، تغص بالتجارب المريرة التي كتبت بدماء الضحايا وعلى أنقاض المدن، وكيف استطاعت الإشاعة أن تتسبب في حدوث حروب أهلية بين مكونات المجتمع الواحد، وكيف تسببت الإشاعة في تأليب الرأي العام حول قضية ما، وكيف ضربت الإشاعة وحدة أوطان وعصقت بسلم مجتمعات في مقتل، وكيف زرعت خلايا الكره والحقد والتعصب في عقول وقلوب أفراد وجماعات؟!.

الإشاعة، هذه الآفة الاجتماعية الخطيرة التي تُمثل خرقاً غائراً في قلب أي مجتمع من المجتمعات، تحتاج إلى وقفة جادة من كل مقومات ومكونات الوطن، لأنها أشبه بسرطان عالمي لا شفاء منه. نعم، الإشاعة بكل أشكالها ومستوياتها، تُشكل خطراً على أمن وسلم ورفاه المجتمع، ولكن الإشاعة الأكثر فتكاً وتدميراً لحالة الاندماج الوطني، هي الإشاعة الطائفية التي تتخذ من مسارها ووقودها بعداً طائفياً. وفي الأجواء المشحونة والظروف الاستثنائية، تطل الإشاعة الطائفية بوجهها القبيح، لتكون أشبه بخنجر في قلب الوحدة الوطنية التي تفخر بها المجتمعات والشعوب والأمم.


أخيراً..

الإشاعة، مرض خطير جداً، ولكنه قابل للعلاج، وذلك بضخ جرعات زائدة من المناعة الوطنية في وريد المجتمع، لتفويت الفرصة على كل من يُريد النيل من وحدتنا وتماسكنا وتسامحنا.