ألا ليت قلبي يومَ أعلنَ وَجْدَهُ
وآثَرَ من بينِ الجوانحِ بُعْدَه
رآه غَيورُ الحَيَ يَتْبَعُ ظَعْنَهم
فشَنَّ عليه الخيلَ خوفاً فَرَدَّه
وكيفَ يَرُدُّ القلبَ قَسْراً إلى الحشا
إذا طارَ يوماً من هوىً قد أَجَدَّه
وكم فوقَ تلك العيسِ من بَدْرِ هَوْدَجٍ
إذا لاحَ للسّارى رأَى الغَيَّ رُشْده
وذى طُرّةٍ إن طاردَ الليّلَ هازِمٌ
من الصُّبحِ وافَى صُدْغُه فأَمَدّه
أتَى دونَ تَشْييعِ الظّعائنِ باسلٌ
بهِنْديّةٍ يَحْمِي من الظّعْنِ هِنْده
وغَيْرانُ أضحَى للحِفاظِ بكَفِّه
زِمامٌ بفَضْلٍ منه سَوَّر زَنْده
غلامٌ إذا ما ماثَلَ السيفُ لَحْظَهُ
غَداةَ هِياجٍ طاوَلَ الرُّمْحُ قَدّه
إذا شاء رَدَّ البِيضَ حُمْراً ضِرابُهُ
وغادَرَ حَدَّ السّيفِ يُشْبِهُ خَدّه
فقَلبِيَ من شَوقٍ إذا قلتُ قد خَبا
مَع الليّلِ أحيا ناسِمُ الريحِ وَقْدَه
ومَنْ لي إذا آبَ الظّلام بهَدْأةٍ
ولو أنّ ما بي كان بالطّودِ هَدّه
تَحَمّلَ أصحابي فأصبَحْتُ ناظراً
إلى شَمْلِ أنْسٍ حَلّلَ الدّهْرُ عَقْده
وقد تركوني بالجِبالِ مُدَلّهاً
وهم أَخَذوا غَوْرَ العراقِ ونَجْده
وبالرَّغْمِ منَى سَيْرُهم وإقامَتِي
وَحيداً وقد جازَ الهَوى فِيَّ حَدّه
وإذ لم يَقُمْ عِنْدِي سوى الطّيْفِ منهمُ
وإذْ لم يَسِرْ منّي سوى القلبِ وَحده
فيالَكَ من قلبٍ تَمنّيتُ بُعْدَه
فلمّا نأَى عنّي تَذكَرْت عَهْده
أرَى أعجَبَ الأشياء ذَمّاً لصاحبٍ
وعَوْداً إلى صَفْوٍ إليه فحَمْده
يَرى الشّيءَ شَرّاً كُلّهُ المَرءُ قائماً
وشَرّاً منَ الشّرِّ الّذي فيه فَقْده
أنِسْتُ بِرَوْعاتِ الليّالي كأنّني
صَفاً تحت صَوْبِ القَطْرِ قد صَفَّ صَلْده
وفارَقْتُ حتّى أنّني ما يَعودُني
من الدّهر غيري عاجزاً أن يَعُدّه
ولكنّ شوقاً طارقاً حينَ ضافَنِي
إلى نازعٍ والليّلُ قد بَثَّ جُنْده
حطَبْتُ ضلوعي ثُمّ أقبلتُ قابساً
من البَرْقِ لَمّا بات يَقْدحُ زنْده
وأضرمْتُ ناراً في سوادِ جَوانحي
لِيُبْصِرَ ضَيْفُ الهَمِّ بالليّلِ قَصْده
عَدوٌّ تَسمّى لي بضَيْفٍ فلاسْمُه
وإنْ لم أُرِدْه زائراً لم أرُدّه
ألا مَن لبَرْقٍ خالَس العينَ غُمْضَها
فطار وأعطى خَرْق جَفْنيَّ سُهْده
وأكثَر من لَمْعِ اليدَيْنِ مُفَتِّحاً
لدمْعِي طريقاً طَيْفُهم كان سَدَّه
مَدافِعَ سَيْلٍ بين أجفانِ مُغْرَمٍ
إذا جاد منها خَدَّه الدمْع خَدّه
وللهِ تَعليلُ المُنَى ما ألذّهُ
وللهِ تَبريحُ الجوى ما أشَدّه
وللهِ ظَبْيٌ أحْورُ العينِ يَرْتَعِي
فؤاديَ لا ماءَ العقيقِ ورنْده
شَهِيّ الّلمَى يَجْلو بعُودِ أراكةٍ
له بَرَدٌ يَحْمِي من الصّبِ بَرْده
فواحسَدا منّي لأشعثَ ناحِلٍ
سِوايَ رأي في ذلك الماءِ وِرْده
وقد يتَساوى الطّالبانِ وإنّما
يَنالُ المُنى مَن يُسْعِدُ اللهُ جَدّه
فعَلَّ المَطايا أن يُسَلِّيَ وخْدُها
فتىً ما شَفى وصْلُ الأحبّةِ وجْده
وطَيّاً بأخفافِ الرّكائبِ لِلفَلا
إذا الظِلُّ أبدتْ صَحْرةُ الشّمْسِ طَرْده
بمُنتضَياتٍ للسُّرىَ أرحبّيةٍ
متى تَعْلُ هام البِيدِ وخْداً تَقُدّه
طوالعَ من أعلامٍ نِجدٍ طوائراً
بكُلِّ ابْنِ عَزْمٍ يَجعلُ السّيْرَ وكْده
وقاسَيْنَ ليلاً دونَ قاسانَ جُبْنَهُ
طويلاً على الآفاقِ قد زَرَّ بُرده
فوافَيْنَ مَجدَ الدّينِ صُبْحاً ومَن يَخَفْ
عنادَ الليّالي نَوَّخَ العيسَ عِنْده
وكم وَدَّ قلبي أن يَرى المجدَ رُؤيةً
إلى أن بَلغْتُ اليوم بالقلبِ وُدّه
بدا المَجْدُ شَخْصاً مِلْء عَيْنيَّ طالعاً
وما اسطاع قَبْلي ناظرٌ أن يَحُدّه
كأنّ الورى نالوا من المجدِ هَزْلَهُ
وأبقَوا لنا حتّى بلَغْناه جِدّه
كأنّا قصَدْنا المجدَ نحن حقيقةً
وكان مَجازاً ما يرومون قَصْده
أخو همّةٍ فَخْرُ النّجومِ بأنّها
إذا اسودَّ جُنْحُ الّليلِ سايَرْن وَفْده
غدا الفَلكُ الأعلى وقد شَدَّ خَصْرَه
بمِنْطَقةٍ عَمْداً لِيحكِيَ عَبْده
وأُقسِمُ لولا فَرْطُ علْياهُ لم يكُنْ
لِيُنْعِلَ إلاّ بالأهلّةِ جُرْده
وذو رتْبةٍ قد حَلَّ مِن قُلَلِ العُلا
ذُرا مَنزِلٍ ما حَلّتِ الشّمْسُ وَهده
فتىً لا يُعِلُّ الوعْدُ بالمَطْلِ جُوده
ولكنْ يُميتُ العَفْوُ في الصّدرِ حِقْده
ولا تَعْدَمُ الأيدي نَداهُ بحالةٍ
وإن كان يُعْيي أن تَرى العَيْنُ نِدّه
ويَسبِقُ منه الرِّفدُ للوفْدِ طالِباً
ومن أجلِ ذا لا يَطلُبُ الوفْدُ رِفْده
وأبلَجُ بالزُوّارِ غَصَّ فِناؤه
وهَيبتُه تُجَلِّي من الغابِ أُسده
يظَلُّ على الأعداء في السِّلْمِ هامُهم
مُعاراً له إن أنكَروهُ استَردّه
ويَكْفى عَقيمَ المُلْكِ إيماءُ رأيهِ
إذا كان يومٌ يَسلُبُ النَصْلَ غِمْده
وما اعترف الحُسّادُ حُبّاً بفَضْلِه
ولكنّهم لا يَستطيعون جَحْده
خُدودُ مُلوكِ الأرضِ تَحسُدُ نَعْلَهُ
من العِزِّ بل ما يُوطِئُ الأرضَ نَهده
ومَن يتَمنّى أن يُطاوِل فَضْلَه
إذا كان دِينُ اللهِ يُسْمِيهِ مَجده
وهل لِعُبَيْدِ اللهِ في المجدِ والعُلا
شَبيهٌ إذا شاء المُفاخِرُ عَدّه
تَزهّد إلاّ في اتِّخاذِ صنيعةٍ
وفي نَيْلِ شُكْرٍ من فتىً نال شُكْده
وولّى أموراً مَن تَولّى فحَسْبُه
على حَسَبٍ لا يَنزِفُ المَدْحُ عِدّه
وضَمّ إلى جُودٍ تُقَى اللهِ فانتَهى
إلى مَذْهَبٍ في المكرماتِ استَجدّه
فكم من ثناءٍ للوفودِ استَفادهُ
وحُسْنُ اقتناءٍ للمَعادِ استَعَدّه
أيا جاعِلاً في الدّهرِ للدّينِ نَصْرَه
وللخَلْقِ نُعْماه وللفَضْلِ وُدّه
ومَن جَلَّ عن شُغْلٍ يَجُلّ بهِ الورى
وإن لم يَنلْ صاعَ المُجارِين مُدّه
أخوك الّذي إن ثار شَيطان فِتْنةٍ
أتاه بأشطانِ الرِّماحِ فشَدّه
ومَن شام سُلطانُ السّلاطينِ رأْيَه
فَمدَّ يَداً للمُلْكِ حتّى أسَدّه
فأصبح كالإسكَنْدرِ المَلْكِ عِزّةً
لأنْ جَعَل الرّأْىَ المُعِينيَّ سُدّه
أرى الفَضْلَ أصلاً مَد فَرْعَيْنِ للعُلا
وكُلٌّ له ظِلٌّ على الأرضِ مَدّه
ومن عَجَبٍ في عَصْرٍ اثْنانِ أقبَلا
وكُلٌّ إذا ما قِستَه كان فَرْده
أيا صاحِباً ما زال باهرُ فَضْلِه
يُجِدُّ له نَظْمَ القريضِ ونَقْده
جَعلْتُ له قَصْدِي وغُرَّ قصائدي
وأحضَرْتُه طُرْفَ العلاء وتُلْده
وقَرّطْتُه بالدُّرِّ ممّا نظَمْتُه
وقلتُ له فاعذِرْ مُقِلاً وجُهْده
دِلاصٌ على عِرْضِ الكريم مُضاعَفٌ
وإن لم تُقَدِّرْ كَفُّ داودَ سَرْده
عِذابٌ قوافيها ولكنْ وراءها
هُمومٌ أمرَّتْ لي من العَيْشِ رغْده
ولى فِكَرٌ يُشتارُ من كَلماتها
مُجاجٌ إذا ما شِئْتُ أبدعْتُ نَضْده
وصَدْرٌ كبيتِ النَحْلِ تَكْمُن دائماً
لَواسِعُه فيه ويُعطيك شُهده
لقد كان تَأميلي بلُقياك واعِدي
فهذا أوانُ استَنجَز العَزْمُ وَعْده
ولست أُبالي بالزّمانِ وصَرْفِه
إذا كنتَ لي فليَجْهَدِ الدَّهْرُ جَهْده
وما الدّهرُ عندِي غيرَ ثوبٍ كُسيتهُ
لِتُبلِيَه في دولةٍ وتُجِدّه
أصَبْتَ العُلا عُطْلاً فأصبَحْتَ حلْيَها
فخِلْنا العُلا جِيداً وخِلْناكَ عِقْده
وما نِلْتَه بُشْرى بما ستَنالُه
إذا الصُّبحُ وافىَ كانتِ الشّمْسُ بَعْده