لا شك أن الإمبراطور أحمد زكي (1946 – 2005) أحد الممثلين الأهم فى تاريخ السينما المصرية، وهو موهبة نادرًا أن تتكرر مرة أخرى، ولا بد أن يوجد دائمًا فى قائمة أهم خمس ممثلين فى السينما، وهو بالطبع الرائد الأمثل لكل عشاق التمثيل وخصوصًا المتخصصين في المسرح والتمثيل (العميق).
البدايات (المسرح)
كانت بدايته مع مسرحية (هالو شلبي) مع المخرج سعد أردش عام 1969، وكان المشهد الشهير الذي قام فيه بتقليد الفنان محمود المليجي، وعلى الرغم من أن بدايته تُشبه كثيرًا عادل إمام (الذي لعب دور دسوقي أفندي) في مسرحية (السكرتير الفني) ولكن شتان بين دسوقي أفندي الذي وضع الزعيم على أول طريق السينما و(راضي الجارسون) الذي لم يحقق أي شيء للأمبراطور.. مما جعله ينتظر حتى عام 1973.
فيختاره المخرج جلال الشرقاوي ليلتحق بمدرسته مع باقي المشاغبين عادل إمام، وسعيد صالح، ويونس شلبي، وهادي الجيار.
التي حققت نجاحًا باهرًا، وكانت علامة فارقة في تاريخ المسرح، وأيضًا في حياة كل الذين شاركوا فيها والذين تخرجوا في المدرسة، وهم مستعدون للنجومية… إلا أن الإمبراطور تخرج فيها، وهو لم يحقق شيئًا تقريبًا، مرةً أخرى وهو ما تحدث عنه (زكي) فى أحد البرامج مبررًا إياه بأن نوع الدور الذي كان يلعبه وهو الشاب الفقير الشاعر الحساس لن يستطيع تقديم الكوميديا التي يقدمها باقي الطلاب مما جعل دوره هامشيًا.. وفي رأيي الشخصي -وهي معلومة يعرفها كل ممثلي المسرح- أن أفضل (الإفيهات) هي التي تخرج من أكثر الأدوار جدية.. ولكن يبدو أن الإمبراطور لم يستطع مجاراة باقي الطلاب في هذه المنطقة، وهو ما سنتأكد منه جميعًا عندما ننظر إلى المستقبل ونرى باقي أعمالهم المسرحية.
خرج الجميع من المدرسة ليجدوا فترة السبعينيات بكل ما تحمله من تِجارية وأعمال متخبطة غير جادة والتي سقط بها أغلب نجوم المرحلة، ولكن لعبت ملامح النجم الأسمر دورًا كبيرًا فى اختياره لأدوار في أفلام حربية، مثل: (بدور – العمر لحظة – أبناء الصمت).
العودة للمسرح مرة أخرى
جاء عام 1979 بقرار غريب من الإمبراطور عندما قرر المشاركة مرة أخرى في المسرح وبجوار: سعيد صالح، ويونس شلبي… في مسرحية كوميدية أخرى، وهي (العيال كبرت) للمخرج سمير العصفوري. وكان بالطبع اختيار غير موفق لأنه أعاد أحمد زكي مرة أخرى، إلى دور (السّنّيد) بعد أن قدم دور البطولة أمام سعاد حسني في (شفيقة ومتولي)، وأصبح أقل الأدوار أهمية على المسرح، ولم يستطع مرة أخرى أن يلحق بسعيد صالح ويونس شلبي على المسرح.. وكان لا بد أن يتعلم من التجربة الأولى أنه لا يوجد له مكان في المسرح الكوميدي، ولكن احتاج إلى تجربة أخرى ليعرف ذلك.
الثمانينيات (الواقعية الجديدة)
بدأ أحمد زكي الثمانينيات وهو ما زال مشوشًا لم يصنف بعد.. على عكس عادل إمام الذي استطاع تغيير جلده، أصبح نجم مصر الأول.. واستمر يونس وسعيد في مرحلة الأدوار الكوميدية الخفيفة جدًا.
عاد الإمبراطور مرة أخرى إلى الأدوار الثانوية أمام نادية الجندي في الباطنية، ومع نبيلة عبيد في الراقصة والطبال..
وفي عام 1986 تعاون الإمبراطور مع المخرج على عبد الخالق لتقديم فيلم شعبي، وهو (شادر السمك) وحصل الفيلم على نجاح تجاري مقبول جدًا، ولكنه كان بالنسبة للإمبراطور نجاحًا بطعم الفشل؛ لأنه لم يكن يشعر بأهمية الفيلم، وخصوصًا عند مقارنته بفيلم الحريف للمخرج محمد خان الذي وقع اختياره على أحمد زكي في بداية الأمر، ولكن لخلاف غريب وقع بين خان والإمبراطور، فأصر الثاني على حلاقة شعره تمامًا للعب الدور، ولكن رفض خان الأمر مما جعل الدور يذهب إلى الزعيم ويصبح من أهم أفلام السينما وهي الحكاية الشهيرة التي حكاها المصور (سعيد الشيمي) في كتاباته.
عن شريف عرفة والدرجة التالتة
جاء عام 1988 وقد ظهر مخرج شاب يتوقع الجميع له مستقبلًا باهرًا وهو المخرج (شريف عرفة) الذي ذهب إلى الزعيم ومعه فيلم من كتابة ماهر عواد وهو فيلم (الدرجة التالتة) ليعرض على عادل إمام البطولة أمام السيندريلا (سعاد حسني) وإنتاج (واصف فايز).. ولكن الزعيم بخبرته وذكائه الغريب يقرر أن هذا الفيلم لن ينجح ويرفض المشاركة به.. ليذهب عرفة إلى الإمبراطور الذي يقرر المشاركة في الفيلم.. ليفشل تمامًا على المستوى التجاري والنقدي.
بالطبع نعرف جميعًا بعد عام واحد كيف قدم الزعيم مع شريف عرفة مجموعة من أهم أفلام السينما المصرية.
الراعي والنساء
في عام 1991 يقدم المؤلف وحيد حامد إعدادًا سينمائيًا للمسرحية الإيطالية (جريمة في جزيرة الماعز) للكاتب (أوجو بيتي) ويقدمها للمخرج علي بدرخان لتحويلها إلى فيلم سينمائي ثم يحدث خلاف بينهما فيذهم وحيد حامد إلى خيري بشارة ليقدموا معًا الفيلم بعنوان (رغبة متوحشة) بطولة نادية الجندي ومحمود حميدة.. ويقوم (بدرخان) بإعداد المسرحية بنفسه ليقدم فيلمًا بعنوان (الراعي والنساء) بطولة أحمد زكي وسعاد حسني.. ويظهر الفيلمان بدور العضر بفارق بعض شهور بينهم.. ويتفوق التلميذ على الأستاذ ..حيث يتفوق محمود حميدة على الإمبراطور من حيث الإيرادات ثم تأتي الضربة الأخرى عندما يتفوق (الشيخ حسني) محمود عبد العزيز بفيلم (الكيت كات) لداوود عبد السيد ويحصد جوائز المهرجانات السينمائية.
التسعينيات
قدم أحمد زكي مجموعة من الأفلام في التسعينيات، مثل: (مستر كاراتية – الباشا – سواق الهانم – الرجل الثالث – نزوة – استاكوزا -أبو الدهب -حسن اللول -البطل – هيستريا…).
وكانت أغلبها أفلامًا تجارية، لم تحقق المستوى الفني المطلوب بالإضافة إلى عدم تحقيقها النجاح التجاري.. وهو ما جاء على لسان المنتج أحمد السبكي في أحد اللقاءات: بأن الأفلام التى أنتجها لـ (أحمد زكي) جميعًا فشلت.
(النهاية مع حليم)
لحسن الحظ يتدخل المخرج (شريف عرفة) والمؤلف (وحيد حامد) في نهاية التسعينيات ليضع (أحمد زكي) في مكانته الحقيقية بفيلم (اضحك الصورة تطلع حلوة).. ثم (داوود عبد السيد) بـ (أرض الخوف).. وسمير سيف بـ (معالي الوزير) ليبدأ أحمد زكي يعرف حجم موهبته الحقيقية، ولكن يبدو أنه أدركها متأخرًا؛ فلم يمهله الموت كثيرًا لينال منه في منتصف فيلم (حليم)، وهو بالمناسبة لم يحقق أي نجاح أيضًا، ويرجع ذلك لسببين؛ أولًا: وفاة أحمد زكي، والسبب الآخر نزول الفيلم إلى السينمات أثناء عرض مسلسل (العندليب) بطولة (شادى شامل) والمخرج (جمال عبد الحميد).
ويرحل الإمبراطور الذي سيظل خالدًا في ذاكرة السينما المصرية إلى الأبد ..وسنظل نشاهد أفلامه دائمًا ونتمنى شيئين؛
الأول: لو استطاع الإمبراطور إدارة موهبته جيدًا منذ البداية.
الثاني: لو امتد به العمر أكثر.
محمد عبد الفتاح - أراجيك