بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركااته
من الصعب استنباط حديث مفصل عن الأدوار الحضارية الأساسية التي تقوم بها المرأة في عصري التوطئة والظهور في ضوء معاناة الباحث من ندرة النصوص في موضوع المرأة، بيد أنّ الإشارة المجملة في بعض النصوص المتقدمة في بحثنا عن هذه الأدوار ربّما تساعدنا على استجلاء رؤية عامة منها.
فالنصوص الإسلامية تخوض عادة في قضايا تنبؤية مستقبلية بخطاب عام، وتترك تفصيله للتحولات التاريخية التي يمر بها الإنسان في حركة الحياة، والسبب في ذلك أنّ الزمان سيشهد تفصيلا للحوادث والقضايا العامة.
ولهذا فإنّ الإشارة المجملة في نصوص النبوءة تقدم حصرا عاما تساعدنا في تحديد الأدوار والمجالات الفاعلة للمرأة المؤمنة في عصر الظهور وقبله أيضا خاصة بعد أن شهد الزمان فعليا قيام المرأة بأدوار منصوص عليها في بعض الروايات، وقد أثبت الزمان مصداقية الخطاب التنبؤي الإسلامي بتحقق وقائع كثيرة، وما يزال تحقق وقائع أخرى في طي الغيب.
ويمكننا الآن تحديد بعض الأدوار والمسؤوليات والمواقف المتميزة التي يتوقع أن تقوم بها المرأة المؤمنة في عصر الظهور، مع احتمال تداخل بعض هذه الأدوار مع أدوار مماثلة تؤديها في عصر الغيبة.
ومن هذه المجالات:
* مشاركة المرأة في بعض المناصب القيادية
تفيد بعض الإشارات الواضحة من الروايات الإسلامية أنّ بعض النسوة المؤمنات هنّ من أصحاب الإمام المهدي، وجماعة الأصحاب أو الأنصار كما تؤكد كل الروايات بلا استثناء من أخلص الجماعات المؤمنة.
كما إن مشاركتها في بعض إدارة الشؤون العامة للمجتمع من خلال تسلمها بعض المراكز والمواقع القيادية سواء في حركة الثورة المهدوية على قوى البغي مع بدء عصر الظهور أو في مؤسسات الدولة بعد تحقيق الانتصار التاريخي ممكنة ويمكن قبولها لأنّ ذلك مرهون بقدرتها على بناء ذاتها روحيا وفكريا وأخلاقيا وتربويا على نحو يؤهلها للانضمام لجماعة "أنصار" الإمام المهدي(ع)، أو الانتماء لجماعات أخرى أقل نضجا في تربيتها الهرمي من مستوى جماعة "الأنصار".
* مشاركتها في عملية تربية كوادر المنتظرين.
سبق لنا الإشارة إلى فعالية المرأة في المجال التربوي، وتقدم الحديث عن مساهمة المرأة بفعالية كبيرة في تربية "كوادر المنتظرين" وتدشين ثقافة الانتظار وتأصيلها في حياة أفراد الأمة جيلا بعد جيل، وتمكين الأمّة من ترسيخ مقوّمات خصوصيتها الحضارية الأصيلة وتأصيل هوية الذات المسلمة المنتظرة في عالم صعب يستهدف الإيمان الروحي ويتهدد بالخطر ثوابت الأصالة تحت مطارق المعاصرة والعولمة.
فعن طريق الجهود التي تبذلها المرأة المنتظرة، الصابرة على امتداد فترة انتظارها التاريخي للإمام المهدي يتم تغذية هذه الكوادر بالقيم الإيمانية والروحية وتكوين إطار مرجعي عقائديا ومعرفيا كما نلاحظ ذلك من أدوار فعّالة تبذلها المرأة الآن في عصر الغيبة الكبرى، وهي أدوار تتأصل جذورها في مجتمع الظهور خاصة بعد شيوع الأمن النفسي للمرأة وتمتعها بقدر رشيد من الحرية والمسؤولية، وبثقة الدولة في القيام بالتعليم والعمل بمهنتي القضاء والإفتاء، وممارسة الاجتهاد بعد بلوغها قدر متقدم من العلم سواء في أحكام الشريعة أو العلوم الدنيوية الأخرى كما تقدمت الروايات الشريفة.
كما انخرطت المرأة المسلمة في عصر الغيبة الكبرى، كما يعلم القارىء الكريم، في أعمال وأنشطة إنتاجية متعددة يصعب العودة عنها في عصر الظهور ما دامت مؤيدة بتوافقها مع المعايير الشرعية، وما دامت تستجيب لحاجات المرأة ومتطلبات حياتها المعيشية، ومعبرة عن جوانب من رشدها العقلي. ولهذا يتوقع في إطار التوقعات الروائية بنمو إمكانيات المرأة في مجتمع "الظهور" ونضج قدراتها إلى منتهى مداه أن تستمر المرأة في مساهمتها في قطاعات إنتاجية وإنسانيّة يحتاجها المجتمع الجديد وتلبي حاجتها في الحياة الشخصية والاجتماعية كالتعليم والتمريض والإفتاء وممارسة القضاء وأنشطة إنتاجية أخرى، وسوف ترسخ أنظمة الدولة الإسلامية العالمية هذه المساهمة والمشاركة الإنتاجية، بل ستفتح دولة الإمام المهدي (ع) المجال واسعا للمرأة لممارسة أنشطة أخرى يتحفظ المجتمع المسلم في عصر الغيبة على عمل المرأة فيها خوفا عليها من مخاطر العابثين واعتداءاتهم، وسوف تسقط هذه الذريعة بالتأكيد كما نصّت على ذلك روايات مررنا بها في بحثنا. ولكنّها ستعيد بكل تأكيد تنظيم "الواقع المنحرف" والمحرّم للأعمال والمناشط الاقتصادية التي لا تتناسب مع كرامة المرأة أو تلحق الضرر النفسي والجسدي بإنسانيتها