الصلح في اللغة هو الإتفاق والسلم ، يقال تصالح القوم ،إذا اتفقوا وتسالموا فيما بينهم. أما في الاصطلاح فهو معاقدة يرتفع بها النزاع بين المختلفين،ويتوصل بها إلى الموافقة بين المتخاصمين،وقد توسع الفقه الاسلامي في الصلح أكثرمن أيِّ فقه أو تشريع،لرفع النزاع وإنهاء الخصومة،فقد شجع الإسلام على الصلح ونصَّ على مشروعيته بأدلة كثيرة.أحكام الـصـلـح فـي قـضايـا الـجـزاء
ومنها قوله تعالى: (...مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ) (وَالصُّلْحُ خَيْرٌ) وقوله: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا) إلى قوله تعالى: (فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) و من قول الرسول الكريم:(الصلح ُجائز ٌبين المسلمين إلاَ صلحاً أحلَّ حراماً أو حرَّم حلالاً) وهذه النصوص عامة في الدماء والأموال والأعراض، وفي كل شيء يقع التداعي والاختلاف فيه. وعرَّف بعض شراح قانون العقوبات الصلح بأنه:الإجراء الذي يتم عن طريقة التراضي على الجريمة بين الشخص المضرور كصاحب حق في الشكوى عنها والاتهام فيها وبين مرتكبها خارج المحكمة والذي يمكن اتخاذه أساساً لسحب الاتهام في الجريمة عن طريق سحب الشكوى أو التنازل عنها. وإذا عرف ذلك: فيمكن القول:بأن الصلح القانوني قد يكون من الطرق الناجعةلانقضاء الدعوى الجزائية،إذْهو في معناه العام يتضمن معنى التنازل عن الدعوى والحق المدعى به وتنقضي به الحقوق المدعى بها وهذا ينصب على الشق المدني في الدعوى العامة التي لها شق يتعلق بالحق العام أيضا. لذلك فالشق المدني يسقط حكما بالصلح ،وهذا ليس محل بحثنا. أما الحق العام ،فسقوطه لا يكون إلا بنص قانوني وبحسب نوع الدعوى وحجم الضرر الناجم عنها مثل دعاوى الإيذاء البسيطة ودعاوى القدح والذم و التشهير و الزنا و إساءة الأمانة. ويختلف الأمر من بلد لآخر،أما إثبات الصلح فلا يتم إلا بالكتابة ابتداءا،ولايحق للقاضي المعارضة في قبول صلح اتفق عليه الأطراف. ويظهر من ذلك وغيره أن من أفضل السبل والوسائل التي يتم فيها حسم النزاع هو الأخذبمبدأالصلح بين طرفي النزاع،ذلك الطريق الذي قد يعدُّ سيد الأحكام بين المتخاصمين،لأنه يحظى بموافقتهما و رضائهما على عكس ما قد يحدث من حسم بينهما في مجالس وهيئات القضاء على مختلف أطيافها، والحكمة من اخذ الكثير من التشريعات بمبدأ المصالحة عن الجرائم هي محاولة قطع دابر الضغينة والعداوة بين الإفراد وإعادة الأُ لفة بينهم لاسيما في تلك الجرائم التي لا تشكل خطورة كبيرة على الهيئة الاجتماعية أوالحق العام. والتشريعات العراقية كمثيلاتها من المنظومات القانونية في العالم قد راعتْ هذا المسعى الاجتماعي ونظمته بموجب قواعد قانونية آمرة ملزمة وترتب آثار مهمة في حسم النزاع وفض الخصومة،فعلى المحكمة مراعاة تنازل المشتكي عن الشكوى وتصالحه مع المتهمين حتى عند فرض العقوبة. فقد أشار قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971 المعدل وقانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 المعدل إلى جملة من الأحكام القانونية التي تنظم تلك الحالة وبيان الكيفية التي يتم فيها الصلح الذي يرتب اثر قانوني تجاه الأطراف . فمن أحكام الصلح القانوني ما ورد في المادة (194 إلـى 198) من قانون أصول المحاكمات الجزائية . حيثُ أقرالصلح في تلك المواد وبيَّن فيهامايقبل الصلح ومالايقبل ،كما أحاطهابجملة شروط يجب توفرها حتى يرتب على الصلح أثره القانوني،وهذه
الشروط كما يأتي :-
1- أن يتم قبول الصلح بموجب قرار قاضي التحقيق أو المحكمة . 2- أن يطلب المشتكي أو المجني عليه أو منْ يقوم مقامه قانوناً كالوكيل الذي يملك حق إجراء المصالحة وقبول الصلح، ويكون هذا الحق مثبت بشكل صريح وواضح في صك الوكالة . 3 - أن تكون الدعوى من الدعاوى أو القضايا التي لا يجوز تحريكها إلا بناءً على شكوى المجني عليه أو المشتكي. والحكمة في ذلك أن بعض الجرائم لا يتعدى أثرها طرفي العلاقة مما تكون المصلحة في قبول الصلح وحسم النزاع افضل من الاستمرار في التحقيق والمحاكمة وهذه القضايا قد حددتها المادة (3) من قانون أصول المحاكمات الجزائية وكما يلي :- 1- زنا الزوجية أو تعدد الزوجات خلافاً لقانون الأحوال الشخصية . 2- جرائم القذف أوالسب أوالشتم أوإفشاء الأسرار أوالتهديد أو الإيذاء إذا لم تكن الجريمة قد وقعت على موظف مكلف بخدمة عامة، أثناء قيامه بواجبه أوبسببه. 3- جرائم السرقة أو الاغتصاب،والمقصود هنا اغتصاب السندات أو الأموال ،أو خيانة الأمانة،أو الاحتيال على أن يكون الجاني إما زوجاً للمجني عليه أو أحد أصوله أو أحد فروعه ولا تتعلق بمحجوزات تمت بموجب قرارات قضائية أو إدارية . 4- إتلاف الأموال أو تخريبها عدا أموال الدولة ولم تقترن بأي ظرف مشدد . 5- انتهاك حرمة المسكن والجرائم المتعلقة بالدخول في ارض الغير الزراعية أو المهيأة للزراعة . 6- رمي الأحجار أو الأشياء الأخرى على وسائط النقل أو البيوت أو ما شابه ذلك . 7- الجرائم الأخرى التي ينص عليها القانون باعتبارها ممن لا تقام فيها الشكوى إلا بناء على شكوى المجني عليه. وهذه الالتفاتة القانونية الكريمة احترازية، حيث إن تطور الحياة يلقي بظلاله على المجتمع مما يدعوا المشرع إلى إصدار تشريع يتعلق بأحكام إقامة الشكوى ،لذلك لم يتم غلق الباب تجاه مثل هذه الحالات . لكن لم يفتح المشرع العراقي الباب على مصراعيه للمواطن بالمصالحة بل حدده بشرط قبول المحكمة لهذا الصلح وعلى وفق ما يأتي :- يقبل الصلح دون موافقة القاضي أو المحكمة، إذا كان فعل المتهم لا يتعدى الحد الأقصى لعقوبته المنصوص عليها في القانون بالحبس لمدة سنة،أو كانت العقوبة الغرامة . أما إذا كانت العقوبة التي حددها القانون لفعل المتهم اكثر من سنة واحدة فلا يجوز قبول الصلح إلا بموافقة القاضي أو المحكمة التي تنظر في الدعوى . فهنا أوضح القانون إن بعض الأفعال لا يتم الصلح فيها إلا بموافقة القاضي أو المحكمة حتى وان كانت عقوبتها اقل من سنة واحدة ،ومنها التي تتعلق بجرائم التهديد والإيذاء وإتلاف الأموال . لكن القول بموافقة القاضي للصلح في أحوال وجرائم معينة غريب على المنطق القانوني إذ الصلح قد يخص بين أطرافه دون حاجة إلى موافقة القاضي،وهذا من المسلمات والوقائع القانونية. فلابد من عدم الخلط بين شرط الصلح وبين أثره،وعليه نرى أن الصلح لا ينتج أثره في إسقاط الدعوى العامة أو في التخفيف من العقوبة إلا في حالات معينة نص عليها القانون ولا علاقة لموافقة القاضي فلايجوز توقيف الصلح على موافقة القاضي. فكم أشارالقانون العراقي إلى أن الصلح في جريمة خيانةالأمانة مثلا يجوز أن يسقط الدعوى العامة،وكذلك في جريمة الزنا، علماً بأن الفقه القانوني المقارن جعل الصلح سببا مخففا بحيث يعطي القاضي الحق بإنزال العقوبة إلى حدها الأدنى أو إبدالها بالغرامة بحسب الحال وبحسب النص وبحسب نوع الجريمة،جناية أو جنحة أو مخالفة. كما يجوز إثبات الصلح وفقا للقواعد العامة في الإثبات وعلى القاضي إقراره فيما لو ثبت أو جرى أمامه ولا يملك رفض ذلك. ومن هذا المنطلق يمكن القول: بأن حصرالقانون العراقي لقبول الصلح في دعاوى جنائية من الجرائم المنصوص عليها موقوف على قبول القاضي يكون موضع انتقاد.! ومما تقدم يتضح مايأتي: 1- أن جرائم المتعلقة بالحق العام ومعاقبة مرتكبيهاليس فيها تصالح أو تنازل.. وأن قانون العقوبات ليس فيه أي نص يسمح بتنازل المجتمع عن محاكمة مرتكبيها. 2- يقبل الصلح دون الموافقة قبل أن يُدان المتهم أمام القضاء أو إحالته أمام السلطة المعنية. 3-للمحكمة سلطة تقديرية في رفض الصلح أو قبولها لتقرير ما إذا كان من مصلحة العدالة أو لا،لأن الصلح بين الطرفين وحده لا يكفي ولا أثر له من الناحية القانونية في الدعوى الجزائية حتى تجيزه المحكمة على حسب الأحول . 4- اذا تم الصلح بين الأطراف تنقضي الدعوى الجزائية، فلايجوز العودة إلى اى إجراءات التحقيق والمحاكمة ضد المتهم مالم ينص القانون على غير ذلك ..