.
تَأكَّدتُ أنَّهُ مِنْ المُسْتَحِيْلِ على ذَاكِرَتِي الحَاليَةِ أنْ تَسْتَعِيْدَ لي لَحْظَةً وَاحِدَةً ، كُنْتُ فيْهَا دِينَاصُورًا مُنْذُ خَمْسَةٍ وَسِتِّيْنَ مِلْيونِ عَامٍ ، على الأرْجَحِ ، بالوَاحَاتِ البَحَريَّةِ ، شَاهِقًا في المَوْتِ .
كُنْتُ الوَحِيْدَ الَّذي يَسْتَمِعُ إلى تقريرِ الــ c.n.n عَنْ اكْتِشَافِ بَقَايَا الدِّيناصُورِ المِصْريِّ ، وَتَحْرِقُهُ مَرَارَةُ الذَّاكِرَةِ المَبْتُورَةِ .
كُنْتُ الوَحِيْدَ الَّذي يَبْكِي .
أُحَدِّقُ في بَقَايَا الدِّيناصُورِ ، وَعَبَثًا أُحَاولُ أنْ أسْتَعِيْدَ حَالةً وَاحِدَةً كُنْتُ فيْهَا فيْهِ .
أُمَدِّدُ جَسَدِي على الأرِيْكَةِ ، مُغْمِضًا عَيْنَيَّ ، وَمُسْتَجْمِعًا ، دُوْنَ أنْ تَجِيءَ لَحْظَةٌ ، كُنْتُ فيْهَا دِينَاصُورًا ، أوْ حُوْتًا ، أوْ ثوْرًا ، أوْ شَجَرَةً ، أوْ مَاءً ، قبْلَ أنْ أُوْلَدَ وِلادَتِي الأخِيْرَةَ .
III
قبلَ أرْبعِيْنَ عَامًا
كُنْتُ أتهيَّأُ لِمُغَادَرَةِ الرَّحِمِ ، عَلى غَيْرِ رَغْبَتِي
وَدَّعْتُ أشْيَائي في الليْلَةِ الأخِيْرَةِ ، وَدَاعَ المُقْبلِ على المَوْتِ
بكيْتُ ، وَوَدَّعْتُهَا
بصُرَاخٍ طويْلٍ ، وَأنَا أُنتزَعُ إلى الحَيَاةِ الأخْرَى
بلا ذَاكِرَةٍ
وَبعَيْنَيْنِ مُعَذَّبَتَيْنِ
عَاريًا بيْنَ أيَادٍ غَريبَةٍ
وَأنْفَاسٍ لافِحَةٍ
وَهَمْهَمَاتٍ اقشَعَرَّ لهَا بَدَنِي .
IV
تبَيَّنْتُ مُوميَاءَ لي ، في المُتْحَفِ المِصْري القديْمِ ، كُنْتُ في العِشْريْنَ مِنْ عُمْرِي ، على الأرْجَحِ ، وَكَانَ مِنْ المُسْتَحِيْلِ على أحَدٍ ، أنْ يتفهَّمَ آلامَ رَجُلٍ يلتقِي مُومْيَاهُ ، مُصَادَفةً ، وَيَتَأمَّلُ فيْهَا ، غَائبًا في صَلاةٍ مَا ، وَبصعوبَةٍ يتنقَّلُ ، بجَسَدِهِ الجَديْدِ ، وَعَيْنَاهُ مُعَلَّقتَانِ ببقايَاه الأولى ، غَائبًا عَنْ كُلِّ مَا حَوْلَهُ .
ـــــــــــــــ
مختارات من ( حيوات مفقودة)
منقوول