اسمه بالكامل محمد قاسم أمين، وهو كاتب بارز ومصلح اجتماعي مصري.. ساهم قاسم أمين في تأسيس الحركة الوطنية المصرية، وكذلك كان ممن دعوا وساهموا في تأسيس أول جامعة مصرية، كما يُعد أحد أعلام مشروع النهضة الفكرية المصرية، والتي نشأت خلال النصف الأول من القرن العشرين، وأكثر ما يشتهر قاسم أمين به هو دعوته إلى تحرير المرأة، ومنحها حقها في التعليم والخروج إلى العمل وممارسة الأنشطة المجتمعية المختلفة، وقد واجه قاسم أمين خلال حياته هجوماً حاداً نتيجة ترويجه لتلك الأفكار.
قاسم أمين .. من هذا ؟ يشتهر قاسم أمين بأفكاره المُتمردة على المجتمع، ولكن السؤال هو من أين جاء بمثل هذه الأفكار؟.. كيف كانت نشأته وما العوامل التي ساهمت في تكوين شخصيته وبلورة أفكاره؟
الميلاد والأبوين : في الأول من ديسمبر لعام 1863م وُلِد قاسم أمين في طرّة بمصر لأسرة مسلمة، ونشأ في ظل مزيج بديع بين الثقافتين المصرية والتركية، فوالده كان يندرج من أصول تركية، وكان يشغل منصباً مرموقاً بالجيش، أما والدته فقد كانت سليلة واحدة من عائلات الصعيد العريقة، وكان أبيه معروف بشدته وحِدته وديكتاتوريته في التعامل مع من حوله، وبصفة خاصة والدته، وكان ذلك الأمر لا يروق لـ قاسم أمين الصغير أبداً، وكان يتعجب من انبطاح أمه وسائر النساء، كما يتعجب من سطوة أبيه كما هو حال باقي الرجال، ولكن في النهاية ما كان يملك سوى الصمت في مواجهة ذلك الواقع، الذي أدرك بفطرته إنه يجافي ويخالف قيم العدل والحق.
التعليم الأكاديمي : نشأ قاسم أمين في كنف عائلة ارستقراطية هو ابنهم الوحيد، وكانت العائلات المنتمية لتلك الطبقة الاجتماعية تحرص على تعليم الابناء، ومن ثم فإن فور بلوغ قاسم أمين سن الالتحاق بالمدرسة الابتدائية، تقدم والده بأوراقه إلى مدرسة طارق بن زياد، وهي كانت من المدارسة المخصص لابناء الطبقة الارستقراطية دون غيرهم، ثم تم ترقية والده مع تكليفه بالعمل بالقاهرة، فانتقل قاسم وأمه معه إلى هناك وأقاموا بحي الحلمية، وهناك التحق قاسم أمين بالمدرسة الثانوية، وبعد تخرجه منها التحق بمدرسة الحقوق والتي تخرج فيها بعام 1881م، وعُرف قاسم أمين خلال سنوات دراسته باتقاد الذكاء والقدرة الفائقة على التحصيل العلمي، الأمر الذي أهله ليكون الأول على الدفعة في عام تخرجه، ومن ثم اتيحت له الفرصة لاستكمال دراسته في فرنسا عن طريق البعثات، وهناك انضم إلى جامعة مونبلييه ودرس بها القانون لمدة أربع سنوات.
تأثره بالحياة الفرنسية : فترة إقامة قاسم أمين في فرنسا وتحديداً العاصمة باريس، تأثر بنسبة كبيرة بنمط الحياة الأوروبي، كما إنه كان منبهراً بنموذج المرأة الغربية العاملة، التي تقوم بالمشاركة في العمل العام والمجتمعي والسياسي، وفي ذات الوقت لا يخل ذلك بواجبتها الأسرية، وكان تأثر قاسم أمين بالحضارة الأوروبية الإنسانية واضح تماماً في كتاباته، ولكنه أيضاً كان موضوعياً في الطرح، فهو لم يدعو أبداً إلى استنساخ نمط الحياة الأوروبي كما هو، بل أراد فقط أخذ منه ما يتوافق مع تعاليم الدين الإسلامي.
تكوين شخصيته : تعريف النقطة السالف ذكرها بإنها تخص بالتعليم “الأكاديمي” لـ قاسم أمين ،كان مقصوداً، وذلك لأن تعليم قاسم أمين وتكوين شخصيته واتجاهه الفكري تم بطريقتين مختلفتين، أولهما ما تلقاه من علوم أكاديمية خلال مراحله الدراسية، أما ثانيهما والأكثر تأثيراً في شخصيته وأفكاره، فهو يتمثل في مرافقته الدائمة لرواد التنوير المصريين، ومن بينهم جمال الدين الأفغاني الذي انضم لمجالسه خلال دراسته الجامعية، ومن خلاله استماد الأفكار التنويرية الداعية للإصلاح المجتمعي، كذلك كان قاسم أمين مقرباً من الشيخ محمد عبده، والتقى به في باريس وهناك عمل مترجماً لكتاباته، وهذا فيما يخص الأساتذة، أما عن الزملاء فلم يكونوا أقل مكانة منهم، فقد كان الزعيم المصري سعد زغلول أو أقرب الأصدقاء إلى قاسم أمين
مسيرته المهنية : لم يقتات قاسم أمين من كتاباته ونشرها، بل إنه كان يعتبر الترويج لأفكاره وإصلاح مجتمعه، عمل تطوعي وواجب وطني، أما عن عمله الفعلي فقد امتهن قاسم أمين المحاماة لفترة من حياته، وبعد عودته من بعثته إلى فرنسا اشتغل بالسلك القضائي، وتدرج بالمناصب حتى صار قاضياً. الإنجاز الذي حققه : لم يشهد قاسم أمين الإنجاز الذي حققه، فدعوته إلى تحرير المرأة لم تؤت ثمارها بالشكل الذي يرضي طموحاته، ولكن أفكار قاسم أمين كانت ملهمة للكثيرين، ممن حملوا الراية من بعده وواصله مسيرته، وارتقوا بأوضاع المرأة في المجتمعات الشرقة، وأعادوا له جزءاً من حقوقها المسلوبة، وإن كانت لم تُرد بالكامل حتى يومنا هذا. زواجه : حياة قاسم أمين الشخصية أحيطت بكثير من الغموض، وكانت محل جدال واسع بين المؤرخين، لكنهم اتفقوا على إن زواجه كان تقليدياً، وإنه لم يكن على وفاق مع زوجته زينب، والتي كانت تعارض أفكاره وترى إنها داعية للسفور، وإن زواجه منها أثمر عن ثلاثة بنات، حرص قاسم أمين على غرس أفكاره بهن وتنمية ثقتهن بأنفسهن. الحب الغامض في
حياة قاسم أمين : هناك أقاويل عديدة مُثارة حول قصة حب غامضة عاشها قاسم أمين ،بعض المؤرخين ذهبوا إلى إن وفاته المبكرة كانت لإنه مات منتحراً، وقالوا بأن فشل قصة الحب هذه كانت هي دافعه للانتحار، بينما تم الرد على المدعين بذلك القول، بإن قاسم أمين كان يعاني في أيامه الأخيرة من مشكلات صحية عِدة، كما إنه لا يوجد دليل واحد على إنه قد أقدم على إنهاء حياته بنفسه، أما عن قصة الحب نفسها فهي أيضاً لا يوجد دليل قاطع عليها، إلا إن عدم وفاقه مع زوجته زينب يُرجح احتمالية وجود امرأة أخرى في حياة قاسم أمين ،وبعض الكتابات أشارت إلى أن تلك المرأة كانت الأميرة نازلي فاضل، والتي كان قاسم أمين عضو رئيسي بالصالونات الثقافية التي تعقدها، والبعض قال بأن ذلك الحب كان من طرف واحد، والبعض قال بأن لم يكن له وجود من الأساس، وإن العلاقة بينهما كانت مجرد صداقة. مؤلفات قاسم أمين : قاسم أمين له العديد من الكتابات التي روج من خلالها لأفكاره، والتي شكلت صدمة عنيفة للمجتمع المصري آنذاك، وتتنوع كتاباته ما بين القصة والمقال والكتب المباشرة، ولعل الكتب الثلاثة الأبرز والأشهر في تاريخ قاسم أمين، هي الكتب التي تناول من خلالها قضية المرأة الشرقية بشكل مباشر، وهم: المصريون – الصادر في 1894م. تحرير المرأة – الصادر في 1899م. المرأة الجديدة – الصادر في 1901م، والذي خصصه للرد على مهاجميه، ومن اتهموه بالسفور والخروج عن آداب المجتمع وتعاليم الدين الإسلامي.
وفاة قاسم أمين : أحدث نبأ وفاة قاسم أمين جلبة شديدة في الوسط الثقافي المصري والعربي، وكان ذلك في الثالث والعشرون من شهر أبريل لعام 1908م، وكان ذلك بمنزله بالقاهرة وتم تشييع جثمانه إلى مثواه الأخير بمدافن العائلة، وقد كان فراق قاسم أمين صعباً على الأصدقاء ورفاق رحلته، فقام الشعراء منهم بنظم قصائد الرثاء لقاسم، ومنهم حافظ إبراهيم وعلي الجارم وخليل مطران، كما قام بنعيه الزعيمين الأشقاء فتحي زغلول وسعد زغلول.