تاريخ أستقلال سوريا و لبنان
أستقلال سوريا :
لم تنم سوريا على الضيم، ولم تقف صامتة أمام مخططات الدولة المنتدبة. ففى عام 1925 قام أبناء جبل الدروز بثورة عارمة قادها سلطان باشا الأطرش، و أنتشرت فى العديد من المناطق السورية، ووصلت إلى لبنان، وكان ردة فعل الفرنسيين عليها عنيفة، حتى إنهم قصفوا دمشق بالقنابل. ورافق ذلك موجة أحتجاجات عربية، وغليان داخلى أجبر فرنسا على أعتماد سياسة اللين التى أظهرت فى شروعها بإقامة حكومة وطنية فى دمشق، و السعى إلى عقد معاهدة مع السوريين و تأليف جمعية تأسيسية.
قامت تلك الجمعية بدورها خير قيام، من جهة إعلان سوريا جمهورية نيابية دستورية. و عندما شعرت فرنسا بجدية عمل الجمعية التأسيسية، أنقلبت على ما كانت وعدت به، فضيقت على المشاريع الدستورية، و أنتهى بها المطاف إلى حل الجمعية و إصدار دستور يتناسب مع مصالح فرنسا.
على أثر ذلك كثرت الأضطرابات فى سوريا، وبقى الوضع غير مستقر، حتى كان عام 1936 وهو العام الذى عقدت فيه الحكومة الفرنسية معاهدة مع كل من سوريا و لبنان. ولكن تلك المعاهدة لم تدخل حيز التنفيذ لأن البرلمان الفرنسى لم يصدق عليها. وفضلاً عن ذلك عطل الفرنسيون الدستور و أقالوا الحكومة الوطنية و شددوا قبضة الأنتداب على سوريا.
وفى عام 1939 أجتاحت فرنسا قوات ألمانيا، و أنحاز المفوضى السامى فى سوريا و لبنان إلى جانب حكومة " فيشى " المؤيدة للألمان. و نظراً لأهمية الساحل اللبنانى - السورى من الوجهة الأستراتيجية، وضع الإنجليز نصب أعينهم قضية " تحرير " هذه البلاد من قبضة الألمان المتسترين فى جيش " فيشى ". لذلك قام الإنجليز بعملية " تحرير " لبنان و سوريا بمعاونة قوات فرنسا الحرة.
ورافق الحملة العسكرية حملة دعائية و بيانات صادرة عن القيادة الفرنسية الحرة، و خاصة عن الجنرال " كاترو "، تعلن عزم فرنسا على إنهاء الأنتداب و إعلان الأستقلال، وذلك بغية تشجيع المواطنين على الوقوف إلى جانب الحلفاء.
وفى عام 1943 تألفت حكومة وطنية و عادت الحياة النيابية إلى سوريا. ولكن الفرنسيين عادوا إلى المماطلة، فثار عليهم السوريون فى عام 1945، وكان رد الفرنسيين على ذلك قصف المدن السورية بالمدافع. و أمام الضغوط العربية و العالمية و إصرار السوريين على نيل أستقلالهم، أضطرت فرنسا إلى التسليم بإستقلال سوريا فى 1946. وبذلك أصبحت جمهورية برلمانية مستقلة. وفى عام 1958، حين توحدت مع مصر فى عهدى الرئيسيين شكرى القوتلى وجمال عبد الناصر، لتصبح قطراً من الجمهورية العربية المتحدة، وهذه الوحدة لم تعمر طويلاً.
أستقلال لبنان :
عبر اللبنانيون عن رغبتهم بالأستقلال عبر قرارات مجلس الإدارة فى جبل جبل لبنان، من جهة، وعبر الوفود التى أرسلت إلى مؤتمر الصلح و طالبت بأستقلال لبنان ضمن حدوده التاريخية من جهة أخرى.
وفى 31 آب 1920 أصدر الجنرال " غورو " قراراً يضم الأراضى و المدن التى سلخت فى عهد المتصرفية، وهى الأتية : ولاية بيروت، ولاية طرابلس، الأقضية الأربعة أى البقاع و بعلبك و حاصبيا وراشيا، إلى لبنان. وفى أول أيلول 1920، وفى أحتفال كبير فى قصر الصنوبر، أعلن " غورو " قيام دولة لبنان الكبير بحدوده الدولية التى ما يزال معترف بها حتى الأن.
وما بين 1920 و 1925 حكم لبنان ثلاثة مفوضين عسكريين. و أنشاً " غورو " للبنانين لجنة إدارية تمثل الطوائف اللبنانية، ثم أنشأ بديلاً عنها مجلساً تمثيلياً ينتخب بالأقتراع العام، وكان ذلك نواة الحياة البرلمانية فى لبنان. وفى عام 1925 دعا الجنرال " ساراى " إلى أنتخاب مجلس جديد دعى لاحقاً " مجلس النواب "، وكانت صلاحيات هذا المجلس محدودة عموماً. وقد بوشر بتنظيم الإدارة، وكان من طلائعها تنظيم الدرك و الشرطة، و إصدار نقد جديد خاص بسوريا و لبنان، و إصدار قوانين، تنظم الشؤون العقارية، وقوانين البلديات، وتنظيم الأنتخابات.
وقد خاب أمل اللبنانيين بالأنتعاش الأقتصادى بعد نهاية الحرب الأولى، كما بدأوا بالتذمر و الشكوى نتيجة ظلامة الفرنسيين و مرواغاتهم فى السعى إلى تحقيق الأستقلال، ولكن الشكوى لم تبلغ حدا كبيراً، و أقتصرت على مقالات الصحف و البرقيات. وفى عام 1925 أندلعت الثورة العربية فى سوريا، فتأثرت بها الأطراف اللبنانية، و الجنوبية منها بخاصة. و لتخفيف من النقمة العارمة سعى المفوض السامى " دو جوانفيل "، فى عام 1925، إلى وضع دستور لبنان، فدعا المجلس التمثيلى المنتخب إلى سن الدستور الذى سعلن فى 23 أيار من العام 1926. وكان هذا الحدث بداية مسيرة لبنان على طريق الحكم الوطنى.
و أصبح للبنان رئيس جمهورية لبنانى، ووزراء، ومجلس نيابى. و أستمرت الحياة الدستورية فى لبنان من 1926 إلى 1932 حين علق الدستور حتى عام 1936، ثم أعيدت إليه الحياة ليعلق مجدداً فى عام 1939 مع الحرب العالمية الثانية. ومع ميلاد الدستور حمل لبنان أسم " الجمهورية اللبنانية "، وكان أول رئيس له شارل دباس.
وكما ذكرنا سابقاً، فقد سعى لبنان، عبر رؤسائه المتعاقبين، إلى تنظيم العلاقات مع فرنسا. وكان بنتيجة ذلك، وفى عهد الرئيس أميل اده، توقيع معاهدة صداقة و تحالف بين فرنسا و لبنان لخمس و عشرين سنة على أن تعترف الدولة المنتدبة، بالمقابل، بأستقلال لبنان، ولكن هذه المعاهدة لم تنفذ كما ذكرنا سابقاً. وعلى أثر ذلك ساء الجو فى لبنان، ولكن الحرب العالمية الثانية سمحت للفرنسيين بالإفادة من الظرف، فعلق المفوض السامى الدستور اللبنانى وحل مجلس النواب و ألغى مناصب الوزراء، وضيق على على الحريات.
وبسقوط فرنسا بيد الألمان أنتقل لبنان إلى سلطة حكومة " فيتشى "، وقد كلف ذلك لبنان غالياً، إذ أضحى مسرحاً لعمليات الحلفاء ضد الألمان و الفرنسيين المؤيدين لهم بقيادة المفوض السامى " دانتر ". ولتأديب المواطنين على الفيشيين أعلنت حكومة فرنسا بلسان الجنرال " كاترو " إنها عازمة على أنهاء الأنتداب و إعلان الأستقلال، كما ذكرنا بخصوص سوريا.
وفى 8 تموز " يوليو " توقف القتال ووقعت الهدنة فى 14 تموز " يوليو " 1941 بين " ولسون " القائد العام لقوات الحلفاء و الجنرال " دى فردياك " مساعد القائد العام لجيوش " فيشى " فى الشرق، ودخل الحلفاء إلى بيروت.
فى 26 تشرين الثانى أعلن " كاترو " أستقلال لبنان. ولكن القوة الوطنية طعنت بذلك و رأت أن الأستقلال لا يكون صحيحاً إذا لم يعكس رغبات الشعب عبر أنتخابات حرة. وكان لإعلان " كاترو " أثره فى مجرى السياسة اللبنانية، إذ ستباشر القوى العظمى بتعيين ممثلين لها تجاه الدولة اللبنانية.
وتردد الفرنسيون فى تحقيق أستقلال، و راوغوا، وماطلوا فى إعادة الحياة النيابية، وحاولوا منع السلطات اللبنانية من ممارسة صلاحيتها. ولكن التطورات قادت إلى إجراء أنتخابات نيابية فى آب و أيلول من عام 1943، أدت إلى أنتخاب الشيخ بشاره الخورى رئيساً للجمهورية.
وكانت أول خطوات رئيس الجمهورية تكليف رياض الصلح تشكيل الوزارة. وفى طليعة أعمال هذه الوزارة كان أنبثاق ما يعرف ب " الميثاق الوطنى "، و التأكيد على هوية لبنان : جمهورية برلمانية مستقلة ذات سيادة، وترفض كل أشكال الحماية الأجنبية، و التأكيد على كون لبنان وطناً لجميع اللبنانين و موطناً للحريات العامة.
ورفضت الحكومة الجديدة الزيارة التقليدية للمفوض السامى، وعممت أستعمال اللغة العربية فى المعاملات الرسمية. وكانت ردت فعل المفوض السامى على تجاسر الحكومة على سحب كل الصلاحيات من الفرنسيين و تعديل الدستور بشكل يؤول إلى الأستقلال التام الناجز، زج رئيس الجمهورية و رئيس الوزراء فى الأعتقال. وجاية الشعب اللبنانى ذلك بثورة عارمة لاقت تأييداً عربياً واسعاً ضغطاً إنجليزياً على فرنسا، مما أجبر الفرنسيين على التراجع و إعادة المعتقلين من دون قيد أو شرط.
وفى 22 تشرين الثانى أنتهت معركة الأستقلال، وبدأت مرحلة الجلاء. فى كانون الأول من عام 1946 آخر جندى فرنسى عن أرض لبنان.
المرة القادة تاريخ أستقلال العراق و الأردن
رد مع اقتباس
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة husaam
هادا بقلمى
