بالتأكيد سمعنا جميعًا عما يُعرف بالجريمة الكاملة ، هذا النوع من الجرائم التي لم يتمكن المحققون من الكشف عن مرتكبيها ، أو القبض عليهم ، أو فك وحل طلاسم وقائعها ، ولعل أشهر قصص الجرائم الكاملة تاريخيًا قصة الداليا السوداء ، والآن لدينا قصة تروي أحداث لم يتمكن المحققون من الكشف عن مرتكبها.
البداية ..
تقع مزرعة هنتركافيك في ألمانيا ، وتبتعد عن مدينة ميونخ بحواليّ الساعة وصولاً بالسيارة ، كانت تلك المزرعة والحظيرة الملحقة بها مملوكتان لعائلة شخص يُدعى جروبر ، ويعيش بها مع زوجته وابنته الأرملة وحفيديه.
كانت العائلة منعزلة عن الجيران للغاية ، ولم يكن يتودد أحدُ منهم إلى أي شخص ، عدا الابنة الأرملة التي كانت تذهب إلى الكنيسة من حين لآخر ، وتغني مع الجوقة بها ، وكعادة أية قرية صغيرة لا ينفك السكّان بها عن تداول الأقاويل ، بشأن الحياة الخاصة لأي شخص يعيش بها .
فكان معروفًا عن الأب جروبر بأنه رجل صارم ، وغير ودود ، وليس له أصدقاء ، بالإضافة لانتشار فكرة أنه شخص ساديّ يتلذذ بتعذيب زوجته ، وضربها ضربًا مبرحًا كل يوم ، وتشكك الناس حول أحد حفيديه بأنه ابنًا له من ابنته الأرملة ، فقد كان يرفض تزوجيها عقب وفاة زوجها ، وتداول الجيران بأنه عاشقًا لابنته ، نظرًا لأنه يحبها ولا يستطيع الاستغناء عنها .
أحداث مريبة ..
كان لتلك العائلة خادمة تُدعى ماريا سيدة هادئة الملامح ، وتظهر عليها علامات الطيبة ، وكانت ماريا تعتني بكافة أمور المنزل وتساعد الزوجة في كل ما يتعلق بالمنزل من شئون ، ولكن في أحد الأيام جاءت ماريا شاحبة اللون وترتعد فرائصها بشدة .
وطلبت من العائلة مغادرة المنزل ، ومع استغراب أفراد العائلة روت ماريا بأنها تسمع ليلاً أصواتًا غريبة ، تأتي من الطابق العلويّ للمنزل ، وأحيانًا تأتي من خارجه من اتجاه الحظيرة الملحقة بالمنزل ، بالطبع لم يعترض الأب على رحيلها ، وفي أثناء مغادرة ماريا للمنزل نظرت للأب بخوف شديد ثم غابت في الضباب ، وعندما سأل الجيران عن سر مغادرة ماريا ، ادعى جروبر بأنها تعاني من اضطرابٍ عقليّ.
وفي إحدى الليالي التالية ، وبعد قدوم عاصفة ثلجية في عام 1922م ، خرج الأب جروبر لتفقّد مزرعته والحظيرة الملحقة بها ، لرؤية ما قد تلف أو تم تدميره إثر هبوب العاصفة ، ولكن لفت نظر الأب وجود آثار أقدام واضحة لشخص ما ! .
ارتاب الأب في وجود لص ما ، فاقتفى تلك الآثار إلى أن رآها تدخل إلى خلفية منزله ، ارتعب الأب من فكرة وجود غريب بالمنزل ، وذهب لتفقد المنزل كاملاً ، ولكن وللدهشة لم يجد أي أثر ، اختفت الآثار والعلامات ولم يجد أحدًا أو شيئًا مريبًا ، تذكر وقتها كلمات الخادمة بشأن وجود أشباح بالمنزل ولكنه نفض الفكرة سريعًا .
وفي اليوم التالي ، سمع جروبر الأب أصوات تأتي من الطابق العلويّ ، فأيقظ زوجته وأحضر البندقية ، ولكنه عندما صعد لم يجد شيئًا ، تزايد ارتياب الأب بالأمر وذهب لجلب مفاتيح المنزل ، ولكنه لم يجدها ، ووجد آثار محاولة اقتحام على الباب بشيء حاد!
وفي صباح يوم آخر ، جاءت الخادمة الجديدة للمنزل واستقبلها الأب ، ثم ذهب لتفقد المنزل ومراقبة ما إذا كان هناك أحدهم ، وذهب ليسأل أحد جيرانه إذا ما كان قد رأى أحد الأغراب ، فأبلغه الجار بأنه لم يرَ شيئًا غريبًا بالمكان ، فعاد الأب لمنزله ليجد صحيفة قد حُشرت تحت إحدى النوافذ ، فسأل من بالمنزل ولكن أجابوه بأنهم لا يعرفون عنها شيئًا ، ولم يروا أحدًا بالمكان.
الجريمة ..
مرت عدة أيام لم تذهب فيها الابنة الأرملة للكنيسة ، ولم تذهب طفلتها للمدرسة ، وعاد رجل البريد دون أن يسّلم للعائلة ما وصلهم نظرًا لعدم وجود من يتسلم منه ، أثار أمر اختفاء أفراد العائلة لعدة أيام تساؤلات وريبة جيرانهم ، ولكنهم اجتمعوا على الذهاب إلى المنزل ومعرفة ماذا أصاب الأسرة .
وكانت المفاجأة ، اقتحم الجيران الحظيرة ليجدوا الأب ، والابنة ، والأم مقتولون وغارقون في دمائهم بشكلٍ بشع للغاية ، وعندما صعدوا للأعلى داخل المنزل ، وجدوا الطفلة مقتولة في غرفتها ، والابن مقتول في غرفة أمه ، وبعد بحث قليل عن الخادمة ، وجدوها قد قتلت أيضًا بغرفتها .
تم إبلاغ شرطة ميونخ ، التي توجهت إلى مسرح الجريمة ليتم رفع الأدلة الجنائية والتحقيق حول مقتل العائلة بأكملها ، حيث أكدت الفحوصات بأن العائلة قد تم استدراج أفرادها للحظيرة ، وتم قتلهم عن طريق الضرب بمعول على الرأس ، وأن القاتل قوي البنية ، إذا قام بضربهم بشكلٍ مباشر أدى إلى الموت الفوري عقب تلقي الضربة ، ومن الواضح أنهم كانوا في طريقهم للنوم ، إذا كانوا يرتدون جميعهم ثياب النوم ، ومن المثير أن الجثث قد تم تغطيتها بالقش ، عدا جثتي الخادمة والطفل ، تم تغطيتها ببطانية ، وملابس أخرى.
وضع المحققون عدة احتمالات لأسباب القتل ، ولكن لم يفلح أي منها ؛ فتارة قرروا بأن السرقة كانت الدافع ، ولكن وجود دلائل بأن القاتل لم يسرق شيئًا من ذهب والمجوهرات بالمنزل رغم وجوده لفترة طويلة به ، قد نفت تلك الشكوك .
ثم عادت الشرطة لتطرح رأي آخر ، وهو أن يكون القاتل أحد عشاق الابنة ، أو زوجها الذي ادعى مقتله بالحرب ولكنهم لم يروا جثته ، أو أحد الأشخاص الذين ادعوا بأن الأب وابنته على علاقة محرّمة ، ولكن الشرطة لم يكن لديها أدلة كافية في كل الاحتمالات السابقة ، وقام الجيران بهدم المنزل ومزرعته وبنوا نصبًا تذكاريًا للعائلة ، وأرسلت رؤوس الجثث للتحليل في معامل ميونخ ولكنها لم تعد .
وأغلقت القضية دون اتهام أي شخص نظرًا لعدم كفاية الأدلة ، التي يمكن ربطها بأي شخص في تلك القضية التاريخية المرعبة و الغامضة