،،،،
"أضطراب الشخصية الاعتمادية"
اضطراب الشخصية، هو خللٌ مستمرٌ في تصرفات وتفكير ومشاعر الشخص، يؤدي إلى ظهور صفات سيئة التلاؤم مع المحيط، وما يتبع ذلك من خللٍ مهنيٍّ واجتماعيٍّ، تزيد هذه الصفات غير المحببة عند المصاب باضطراب الشخصية، عن التقلبات الموجودة عند معظم الناس عادةً، لكنها تبقى مقبولةً نوعًا ما. اليوم، سنتحدث عن إحدى هذه الاضطرابات وهو اضطراب الشخصية الاعتمادية (DPD).
اضطراب الشخصية الاعتمادية
اضطراب الشخصية الاعتمادية (Dependent Personality Disorder)، أو كما تسمى أحيانًا بالسلبية أو المستسلمة أو المذعنة، هو واحد من أكثر اضطرابات الشخصية شيوعًا، يحدث بشكلٍ متساوٍ بين الرجال والنساء، وعادةً ما يظهر في سن الرشد أو في وقتٍ لاحقٍ باعتباره شكلًا مهمًّا من العلاقات بين البالغين، وتعد حالةً غير مرنةٍ وغير قادرةٍ على التكيُّف ويمكن أن تسبب خللًا وظيفيًّا وضيقًا.
يعاني الفرد المضطرب من احتياجٍ يتميز بالاعتماد المفرط على الآخرين، وغالبًا ما تكون احتياجاته العاطفية والجسدية إلى الأشخاص الأقرب، وبالتالي، هو بحاجةٍ مفرطةٍ للرعاية، تقوده إلى أن يؤدي سلوك الخاضع لخوفه من الانفصال، وغالبًا ما يكون المصاب غير قادرٍ على اتِّخاذ أي قرارٍ، فقد يسمح المصابون بهذا الاضطراب لأحد الوالدين بتحديد الملابس التي يرتدونها، والشخص الذي يجب أن يرتبطوا به، وكيف يقضون وقت فراغهم والمدرسة أو الكلية التي يجب أن يسجلوا بها.
أسباب الإصابة باضطراب الشخصية الاعتمادية
تتداخل بالآلية الإمراضية لاضطراب الشخصية الاعتمادية عوامل مختلفة، وراثية وعائلية وبيئية وبيولوجية، وتندرج ضمنها أسباب عديدة. من أسباب حدوث اضطراب الشخصية الاعتمادية ما يلي:
- العنف الأسري أو العيش في أسرةٍ دائمة الخلافات.
- قلق الأم المفرط.
- أمراض جسدية مزمنة.
- حدوث اضطراب القلق من الانفِصال (SAD) في مرحلة الطفولة.
أعراض الإصابة بالمرض
يتصف اضطراب الشخصية الاعتمادية بأعراضٍ مميزةٍ نتيجة نقص ثقة المصابين بأنفسهم وبقراراتهم، حيث يشعرون دومًا أن قرراهم خاطئ وأنهم موضع سخريةٍ. سنتحدث الآن عن أشيع المعايير التي توسِم هذا الاضطراب، وتساعد في تشخيصه:
- إن العَرَض الأهم، هو التعلُّق الشديد بشخصٍ ما، والخوف المستمر من الانفصال عنه، فقد يقبل مريض الاضطراب بعنف وخيانة الشريك خوفًا من أن يتخلى عنه، إذ أنه لا يتحمل الوحدة نهائيًّا ويصاب بالاكتئاب الشديد عند ضياع الشخص المعتمد عليه.
- صعوبة في اتِّخاذ أي قرارٍ مهما بلغ من أهميةٍ، حيث يحتاج إلى قدرٍ كبيرٍ من النصائح والطمأنينة من الآخرين، لكي يستطيع اتخاذ قرارٍ ما، فقد تصل لمرحلة تحديد الملابس كما ذكرنا.
- الحاجة إلى وجود شخصٍ يتحمَّل مسؤولية عن معظم المجالات الرئيسية في حياة المريض.
- صعوبة في اعتراف المريض أن لديه مشاعر سلبية تجاه أمرٍ ما، بسبب الخوف من فقدان الدعم أو الموافقة.
- صعوبة في بدء مشاريع خاصة أو القيام بالأشياء مستقلًّا، وذلك نتيجة نقص ثقته بنفسه.
- الشعور بالدونية، ويزيد على ذلك خضوعه التام لرغبات وآراء الآخرين، وعدم معارضتهم وعدم المطالبة بالحقوق.
- يعاني مريض اضطراب الشخصية الاعتمادية من الخوف المستمر من الوحدة.
- في حال انتهاء علاقةٍ وثيقةٍ سابقة، فإنه يسعى بسرعةٍ لعلاقةٍ أخرى كمصدرٍ للرعاية والدعم.
تشخيص المرض
يتم تشخيص اضطراب الشخصية الاعتمادية بناءً على التقييم النفسي، سينظر مقدم الرعاية الصحية بالأعراض آنفة الذكر، ولكي يُشخّص اضطراب الشخصية الاعتمادي يجب أن تتحقق خمسة معاييرَ على الأقل من المعايير السابقة.
هل يمكن علاج الأشخاص المصابين باضطراب الشخصية
تقديم العلاج أمرٌ صعبٌ بشكلٍ عام، لأنهم ليسوا مرضى، والعلاج الأساسي نفسيٌّ، بشرط أن يكون المعالج ذا خبرةٍ خاصةٍ في استيعاب المريض، وأن يكون حريصًا على فهم تصرفاته، ويكسب ثقته وتعاونه. يضم العلاج عدة نقاط:
- العلاج السلوكي المعرفي.
- العلاج النفسي التحليلي.
- العلاج الدوائي.
يركز العلاج النفسي التحليلي والعلاج المعرفي السلوكي، على تقييم مخاوف المريض من الاستقلال والقدرة على اتخاذ القرارات، ويحاول الطبيب مساعدة المرضى في تجاوز هذه العقبات، ويحرص على عدم تعزيز التبعية في العلاقة العلاجية.
الأدلة حول فعالية العلاج الدوائي قليلةٌ، ولكن عمومًا، تُستخدم مضادات الاكتئاب ثلاثية الحلقات (مثبطات أوكسيديز أحادي الأمين MAOIs) و مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية (SSRIs)، وتعد ذات فعاليةٍ جيدةٍ. ولكن، من المهم الابتعاد عن استخدام البنزوديازيبينات (BZD)، لأن المرضى الذين يعانون من اضطراب الشخصية الاعتمادية، لديهم مخاطر متزايدة من الإدمان على المخدرات.
طُرُق الوقاية من الإصابة باضطراب الشخصية الاعتمادية
الهدف من الوقاية من اضطراب الشخصية الاعتمادية هو بناء الثقة في الذات، لكي يصبح الفرد قادرًا على الاعتماد على نفسه والوثوق بقرارته، وقدرته على البقاء بصحةٍ جيدةٍ على الرغم من تصرفات الآخرين.
غالبًا ما يُشخَّص هذا الاضطراب في مرحلة البلوغ، ولكن يمكن أن تظهر الأعراض في مرحلة الطفولة أو المراهقة، ولكي نمنع ظهور أو تطور الأعراض؛ يجب أن نستهدف المرضى في سنٍّ مبكرةٍ قدر الإمكان، ونعلم الطفل أو المراهق الصورة الإيجابية عن الذات واستراتيجيات التأقلُم الصحية.
لعلاج تدني احترام الذات والشعور بالدونية، يجب أن يبدأ الشخص بعدة خطواتٍ لتحسين تقدير الذات، ويمكن أن تكون هذه الخطوات فعالة للأطفال والكبار على حدٍّ سواء. لبناء صورة ذاتية إيجابية، يتم تشجيع الشخص المصاب على تنمية الشعور بالثقة والاستقلالية، حيث إن بناء الثقة وتعزيز تقدير الذات سيقلل من الخوف مستقبلًا من الهجر والانفصال، إذ سيعتقد الشخص أنه سيكون حينها قادرًا على رعاية نفسه، فمن غير المرجح أن يعتمد على الآخرين.
،،،،