أتَدري ما بقلبِكَ من جِراحِ
فَتاةٌ طَرْفُها شاكي السِّلاحِ
تُدِيرُ على النُّدامَى مُقلتاها
كُؤُوسَ مَنيَّةٍ وكُؤُوسَ راحِ
مُهفهَفةُ القَوامِ رَنَتْ بعينٍ
ذكرتُ بها الأسِنَّةَ في الرِّماحِ
تَسُلُّ اللَحظَ من جَفْنٍ مَريضٍ
كما تَفتَرُّ عن دُرَرٍ صِحاحِ
وَقَفْتُ برَبعها فبَكيتُ حتّى
تَباكَتْ وُرْقُهُ بعدَ النَّواحِ
وسَمْتُ الأرضَ دَمعاً إثرَ دَمعٍ
فبعضٌ كاتبٌ والبعضُ ماحِ
لقد عَبِثَتْ بنا أيْدي اللَيالي
فراحَ القومُ أدراجَ الرِّياحِ
تَبطَّنَ كلَّ وادٍ كلُّ نادٍ
تَطيرُ به المَطِيُّ بلا جَناحِ
قَصَدنا مَنزِلَ الشَّهباءِ ليلاً
وقد سالت بنا خِلَلُ البِطاحِ
فأغنتَنا النَسائمُ عن دَليلٍ
ونيرانُ الخليلِ عن الصَّباحِ
إذا زرتَ الوزير على صلاحٍ
فقل للركبِ حيَّ على الفلاحِ
وقُلْ للدَّهرِ مالَكَ من سبيلٍ
علينا في الغُدُوِّ وفي الرَّواحِ
هو الظِلُّ الظَليلُ بأرضِ قومٍ
وقاهُمْ حَرَّ هاجرةِ الضَّواحي
جَرَتْ سُودُ اليَراع براحتَيهِ
فإنْ قَصُرَتْ جَرَت بيضُ الصِّفاحِ
أقامَ الرُعبَ في الأكبادِ حتَّى
أحاطَ بكلِّ نفسٍ كالوِشاحِ
فأيقَظَ كلَّ جَفنٍ فيهِ غُمضٌ
ونَبَّهَ كلَّ قَلبٍ غيرِ صاحِ
هُمامٌ قد تَصَّدرَ في مَقامٍ
يَبينُ الجِدُّ فيه من المُزاحِ
قَضَى حَقَّ الوزارةِ فاقتضاها
بحُكم العَدلِ والحَقّ الصُراحِ
سليمُ القلبِ ذو عرضٍ مَصُونٍ
كريمُ النَّفسِ ذو مالٍ مُباحِ
لهَيبَتِهِ شكائمُ في الرَّعايا
تَرُدُّ الجامِحينَ عن الجِماحِ
أتى كالغيثِ تَرْوَى كلُّ أرضٍ
بهِ بينَ اغتباقٍ واصطباحِ
فصفَّقَتِ الغُصونُ لهُ ابتِهاجاً
وأصبَحَ باسماً ثَغرُ الأقاحي
عَرَفنا حمدَهُ في القلبِ لكن
عجَزَنا في اللِسان عنِ امتِداحِ
فلَيسَ على عُلاهُ منِ انحطاطٍ
بذاكَ ولا علينا من جُناحِ
أيا مَنْ أفعَمَ الحُسَّادُ ذُلاً
وأفحَمَ كلَّ مُعترِضٍ ولاحِ
لقد وافاكَ نصرُ اللهِ فَوْراً
يُبشِّرُ بالمسَرَّةِ والنَجاحِ
فكُنْ باللهِ مُعتصِماً رشيداً
مهيبَ السُّخطِ مأمولَ السَّماحِ