بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركااته
.
قال الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه الكريم: ”ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ“، سورة الشورى: آية 23.
جعل الله سبحانه وتعالى أجر رسالة الإسلام التي جاء بها نبينا محمد ﷺ، وبكل ما فيها من نور وخير وسعادة في الدارين، جعل الله أجر ذلك كله هو المودة لقربى رسوله ﷺ في قوله تعالى: ”قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى“. ونعت هذا الأجر بالبشارة للمؤمنين الذين آمنوا برسالة النبي ﷺ، وعملوا الصالحات التي أمرهم بها. قال العلامة السيد الطباطبائي في تفسير الميزان: أن الحسنة التي وردت في قوله تعالى: ”وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا“ تعني مودة قربى رسول الله ﷺ. وبشرت الآية الكريمة أيضا المؤمنين الذين يودون أهل البيت بأن الله سوف يزيدهم حُسنا في كل حسنة يقترفونها، وتعبر كلمة ”الحُسْن“ عن كل شيء جميلٍ في حياة الإنسان المؤمن. وقد تكون تلك الزيادة في الحُسْن تشمل الزيادة في الإيمان، والإخلاص، والثبات، والطمأنينة، والسكينة، وغيرها من المفردات الحسنة. فهل يتصور أحدنا مقدار تلك الزيادة - في الحُسْن - الصادرة عن المطلق سبحانه وتعالى؟ قطعًا سوف تكون تلك الزيادة بلا حد ولا نهاية. فهنيئا لمن يلقى الله سبحانه وتعالى يوم القيامة وفي قلبه تلك الحسنة وهي مودة أهل البيت .
نلاحظ في الآية الكريمة السابقة أن الله سبحانه وتعالى قرن الإيمان بالمودة، ووعد المؤمنين بالمكافأة على مودتهم لأهل البيت بأنه سوف يزيدهم حُسْنًا على حُسْنٍ في كل شيء جميلٍ وفي كل شيء حسنٍ يقترفونه.
وقال تعالى في آية أخرى: ”هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا“، سورة الفتح: آية 4. قال العلامة السيد الطباطبائي: الله هو الذي أوجد الثبات والاطمئنان ليشتد به الإيمان الذي كان في قلوب المؤمنين قبل نزول السكينة، فيصير بذلك أكمل مما كان قبله. ونلاحظ في هذه الآية الكريمة أن الله سبحانه وتعالى قرن الإيمان بالسكينة، وكلاهما محلهما القلب. كما أن الإيمان يزداد بالسكينة، فالإيمان أيضا يزداد بالمودة لأهل البيت . لذا تجد أن المسلمين الذي يتولون أهل البيت ويحبونهم قولا وفعلا، يتصفون برقة القلب وشفافية اللسان واللطف في تعاملهم مع الآخرين مهما كان دينهم أو مذهبهم. ينطلقون في ذلك من تعاليم القرآن الكريم وسيرة الرسول الأعظم ﷺ وسيرة أهل بيته .
فهل يا ترى يجتمع الإرهاب وحب أهل البيت في قلب واحد؟
لو أسقطنا ما فهمناه من تدبرنا لتلك الآيتين الكريمتين على هذه الحادثة الأليمة التي أدمت القلوب وأقرحت العيون، هل من الممكن أو من الصحيح أن نقول بأن هذا الإرهابي الذي فجر نفسه في بيت من بيوت الله سبحانه وتعالى، وفي مسجد كان مكتظًا بالمصلين، أن في قلبه مودةً لأهل البيت ؟ أو في قلبه سكينة أنزلها الله عليه؟ قطعًا سوف تكون الإجابة بالنفي القاطع، لماذا؟ لأن كل مسلم يؤمن بالله ورسله وكتبه واليوم الآخر، ويؤمن بالمَعاد والحساب والعقاب، يعتقد اعتقادًا جازمًا أنه ليس من المنطق في شيء أن يجتمع النقيضان: حب أهل البيت مع هذا الكم الهائل من الكراهية المصبوبة على مسلمين مسالمين كانوا يؤدون صلاتهم في مسجد من مساجد الله، فيدخل عليهم هذا الإرهابي بكل ما يحمل من كراهية في قلبه، ويفجر نفسه فيهم من غير رحمة ولا رأفة. قطعًا لن يكون في قلبه إيمان ولا مودة ولا سكينة. بل يقينا، لو كُشف لنا الغطاء لوجدنا في قلبه شيطانًا متربعًا فيه، يأتمر بأمره وينفذ خططه الإجرامية.
لو حللنا شخصية هذا الكائن الداعشي، لوجدنا أنه يكره حتى نفسه، لذلك أزهق روحه وعجل بها إلى نار جهنم وبئس المصير.
نصيحتي لكل من يحمل هذا الفكر التكفيري المدمر للبشرية والإنسانية، أن يجلس مع نفسه ويتفكر قليلا في معاني الإسلام الجميلة. ذلك الدين الإسلامي الحنيف، دين المحبة والسلام.
إن الدين الإسلامي الحنيف كَفل لجميع الناس حرية العبادة وحرية الاعتقاد وحرية التعبير. قال الله تعالى: ”لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ“، سورة البقرة: آية 256. نستفيد من هذه الآية الكريمة أن الاعتقاد والإيمان من الأمور القلبية التي لا يُحَكم فيها الإكراه والإجبار. وسيظل الناس مختلفين مهما اتُّخذت التدابير لتذويب الاختلافات بينهم.
لذا فإن السبيل الأمثل لإدارة الاختلاف بين الأديان والمذاهب والطوائف هو التركيز على ثقافة التعايش السلمي بين أفراد المجتمع وبين أفراد الأمم. وتبَنّي مبدأ الحوار لتقليص هوة الاختلاف. فالحوار مبدأ قرآني أصيل نجد ذلك في قوله تعالى: ”ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ“، سورة النحل: آية 125. وقال تعالى: ”وَلاَ تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلاَ السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيم“، فصلت: آية 34.
وهذا السلوك مصداق لقول الإمام علي في عهده لمالك الأشتر رضوان الله تعالى عليه في وصفه للناس: ”فإنهم صنفان إما أخ لك في الدين وإما نظير لك في الخلق“، محمد عبده: نهج البلاغة، ج3، ص84. والجميل في قول الإمام علي أنه استخدم مفردة ”الدين“ ولم يستخدم مفردة ”الإسلام“ وكأنه يهدف من قوله هذا إلى مخاطبة جميع أهل الأديان المختلفة ليقول لهم: أن هذا الإنسان إما أخ لك في دينك الذي تنتمي إليه، سواء كان دينك هو الإسلام أو المسيحية أو اليهودية أو المجوسية، أو غيرها من الأديان السماوية والوضعية الأخرى، أو أنه أخ لك في الإنسانية لكنه ينتمي إلى دين آخر مغاير لدينك. ومنه نستنتج أن التعايش السلمي ومفهوم المواطنة رسمه أهل بيت العصمة في أقوالهم وأفعالهم منذ الأيام الأولى من دعوة النبي الخاتم ﷺ.
وتجد تلك الدعوة السلمية متمثلة في كثير من آيات القرآن الكريم. ومثال على ذلك ما ورد في شأن فرعون، حيث أرسل الله سبحانه وتعالى نبيه موسى وأخاه هارون عليهما السلام إلى فرعون وقال لهما: ”اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى، فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى“، سورة طه: آية 43 وآية 44. مع أن فرعون كان طاغيًا ومتعاليًا في الأرض ومتجبرًا على الناس، وقد ادّعى الربوبية، إلا أن الله سبحانه وتعالى أمر موسى وهارون عليهما السلام أن يستخدما اللين والكلمة الطيبة مع فرعون.