بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركااته
الإمامة: القيادة المتحرّكة
يقول الله تعالى في كتابه المجيد: {ونريد أن نمنّ على الذين استُضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين* ونمكّن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون} (القصص:5-6). لأن مسألة الإمامة تنطلق من القاعدة التي أطلقها رسول الله(ص) في قوله وهو يودِّع هذه الدنيا: "إني تارك فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبداً؛ كتاب الله، وهو حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض، فانظروا كيف تخلّفوني فيهما".
لذلك، فإن مسألة الإمامة التي انطلقت بعد النبوة في خطِّ رعاية الإسلام وحمايته، وتصحيح ما يحاول الآخرون أن يدخلوا فيه من الأخطاء، تمثل القيادة المتحركة التي ترافق الناس في كل قضاياهم، من أجل أن تفتح عقولهم على الحق، وتفتح قلوبهم على الخير، وتفتح حياتهم على العدل، لأن مسألة الإمامة والولاية لأهل البيت(ع)، ليست مسألة حبّ يمتزج في مشاعر القلب، ولكنها موقف وحركة والتزام بالقيادة الإسلامية التي ينطلق الأئمة(ع) بها من أجل أن يربطوا الناس بالرسالة التي انطلق بها رسول الله(ص)، وبكتاب الله تعالى، ليملأوا الحياة بالإسلام، ليكون المجتمع في كل الأجيال مجتمعاً مسلماً، يعيش فيه الأب إسلامه في بيته، ويعيش فيه الناس إسلامهم في نواديهم وأسواقهم وفي مواقع الصراع، حيث لا تكون هناك كلمة إلا كلمة الله والرسول فيما يأخذ به الناس أو فيما يتركونه.
على هذا الأساس، نفهم مسألة الإمامة، وأن ارتباطنا بالأئمة(ع) منذ عليّ(ع) حتى الحجة(عج)، هو ارتباط بالقيادة التي نأخذ منها ما تركته لنا من تراث في تفسير القرآن بحقائقه، وفي تحريك السنّة في حياتنا العامة، لأن الأئمة(ع) إذا كانوا قد فارقونا عندما انتقلوا إلى رحاب الله، وعندما غاب إمام الزمان (عج)، فإنهم لم يتركونا في فراغ، بل أعطونا علماً من علمهم، وتراثاً من تراثهم، وهذا ما أخذ به العلماء الذين أرادنا النبي(ص) أن نأخذ منهم ما تركه لنا من كتاب الله وسنّته، وما تحرك به خلفاؤه من أئمة أهل البيت(ع)، عندما قال: "العلماء ورثة الأنبياء".
وجاء عن النبي(ص) وهو يحدد مواقع العلماء: "العلماء أمناء الرسل ما لم يدخلوا في الدنيا"، قالوا: وما دخولهم في الدنيا؟ قال(ص): "اتّباع السلطان ـ اتباع السلطة الجائرة الظالمة، أو الذين يكيدون للإسلام والمسلمين طمعاً في مالهم ووظائفهم ـ فإذا رأيتم العالِم محبّاً لدنياه ـ يعمل للدنيا ولا يعمل للآخرة ـ فاتهموه على دينكم"، لا تأخذوا منه دينكم، لأنه سوف يقدّم لكم بعض دنياه وانحرافه على أنه دين. وقد ورد في الحديث المروي عن إمام الزمان(عج)، عندما أجاب عن بعض الأسئلة التي سأله عنها بعض العلماء في آخر الغيبة الصغرى، قال: "وأما الحوادث الواقعة ـ الأشياء المستجدة ـ فارجعوا فيها إلى رواة أحاديثنا ـ إلى من يروي عن أئمة أهل البيت(ع) رواية دراية ووعي وعلم ـ فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله".
إمام العدل والخير
وفي عقيدتنا، أن الإمام الحجة(ع) هو إمام المستضعفين والمظلومين والمقهورين والفقراء والمساكين، وأما دوره، فهو ما ورد في الحديث، أنه إذا ظهر فإنه "يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً". إن دوره هو أن يهدِّم كل مواقع الظلم والمستكبرين في العالم، وأن ينشر العدل في العالم كله ليكون العدل عالمياً. إن رسالته هي رسالة العدل، لأن الله تعالى أكّد في القرآن الكريم، أن قاعدة كل الرسالات منذ آدم(ع) حتى نبيّنا محمد(ص) هي العدل: {لقد أرسلنا رسلنا بالبيّنات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط} (الحديد:25).
على هذا الأساس، فإن التزامنا به، يفرض علينا أن نأخذ بالعدل في كل أمورنا. إن أنصاره ـ ونحن ندعو لأن نكون من أنصاره وأعوانه والمستشهدين بين يديه ـ هم العادلون، الإنسان الذي يعدل في نفسه فلا يظلمها، ويعدل مع ربه فلا يظلم ربه في حقه، ويعدل مع عائلته ومع الناس كلهم، ويقف في مواجهة كل الظالمين والمستكبرين. لذلك علينا أن ندرس أنفسنا جيداً؛ هل تنطبق علينا صفة جنده وأعوانه وأنصاره؟! إنّ ذلك يتحدد إذا عرف الإنسان نفسه بأنه يأخذ بالعدل، وأنه لا يتحرك بالظلم، ولا يتّبع الظالمين ولا يساعدهم ولا يساندهم في ظلمهم.
ولذلك، ليس من الضروري ما يفعله الكثيرون من الناس عندما يرجعون إلى هذا الكتاب وذاك ليتحدثوا عن علامات الظهور، لأن قضية الظهور هي غيب من غيب الله، ولا يملك أحد أمره أو توقيته، فالله هو الذي يأذن بظهوره، بحسب حكمته ومجيء دوره، تماماً كما أذِن الله لغيبته. إن الإمام الحجة(عج) هو إمام الإسلام والعدل والخير كله، وعلينا أن نتحرك في خط هذه الإمامة، لنكون العادلين الذين يعملون على أن ينشروا العدل في كل مكان، وأن يواجهوا الظالمين في كل مكان.
أن ننتظره،، بل في خط الجهاد. لذلك فإن المجاهدين هم الذين انتظروه، لأنهم {صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلاً} (الأحزاب:23).
اللهم اجعله الداعي إلى كتابك، والقائم بدينك، استخلفه في الأرض كما استخلفت الذين من قبله، مكّن له دينه الذي ارتضيته له، أبدله من بعد خوفه أمناً يعبدك لا يشرك بك شيئاً، اللهم أعزّه وأعزز به، وانصره وانتصر به، وانصره نصراً عزيزاً، وافتح له فتحاً يسيراً. اللهم إنّا نرغب إليك في دولة كريمة تعزّ، بها الإسلام وأهله، وتذلّ بها النفاق وأهله، وتجعلنا فيها من الدعاة إلى طاعتك، والقادة إلى سبيلك، وترزقنا بها كرامة الدنيا والآخرة. اللهم أرنا الطلعة الرشيدة، والغرّة الحميدة، واجعلنا من أنصاره وأعوانه والمجاهدين والمستَشهدين بين يديه.