من واشنطن إلى باريس، تنتشر الموجة الثانية من وباء كورونا وتكثف السلطات القيود مرة أخرى، ولكن هذه المرة، بات الجميع مرهقا من القيود والتغييرات التي طرأت على المجتمع بسبب كورونا.
بات موظفو المستشفيات في جميع أنحاء العالم محبطون بعد 7 أشهر من مكافحة الفيروس التاجي، واختفى خطاب الحرب الذي استخدمه زعماء العالم في البداية لحشد الدعم، وحتى عامة الشعب الذين التزموا بالإغلاق عن طيب خاطر خلال الربيع وجدوا أنفسهم فجأة يواجهون صعوبة في مقاومة الرغبة في لم الشمل.
ووفقا لصحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، كانت زوي شارب (43 عاما)، رائدة الموارد البشرية في واشنطن العاصمة، صارمة مع عائلتها منذ ظهور الوباء، وتطهر أزرار المصعد، وتطهر الطرود قبل لمسها وتضع حتى الصحيفة في الميكروويف، وأنشأ ابنها هانك البالغ من العمر 4 سنوات قائمة حظر العناق لحماية أفراد العائلة الأكثر عرضة للفيروس، مثل أجداده.
إلا أنه قبل أسبوع، حدث شيء مفاجئ، إذ حجزت شارب رحلة لزيارة حماها في مدينة ممفيس في ولاية تينيسي، وزارت مدينة الملاهي المحلية، وأزالت الجد من قائمة حظر العناق.
وتقول شارب: "أحتاج التطلع إلى شيء ما، والأطفال يريدون رؤية جدهم، فهم قلقون عليه، ويتحدثون عنه كثيراً".
وقد برز الإرهاق الجماعي، والمعروف باسم الإرهاق الوبائي، كخصم هائل للحكومات التي تعتمد على درجة عالية من التعاون العام في أحدث جولات القيود لتقليل انتشار العدوى.
وتقول السلطات إن الإرهاق الوبائي يمكن أن يؤجج حلقة مفرغة، حيث يتجاهل الجمهور المرهق القيود وتدابير السلامة، مما يؤدي إلى المزيد من الإصابات والقيود التي تؤدي بدورها إلى تفاقم الإرهاق.
وهذا جزء مما يدفع بموجة الانتكاسات السياسية الأخيرة، حيث باتت الحانات والمقاهي التي أعيد فتحها بعد إغلاق الربيع فجأة قيد الإغلاق مرة أخرى، ويُطلب الآن من العمال الذين طُلب منهم العودة إلى مكاتبهم أن يعملوا من منازلهم إن أمكن، وفي فرنسا، خفضت السلطات مؤخراً مدة العزل الذاتي إلى أسبوع واحد، على أمل أن يعزز ذلك الامتثال.
وقال وزير التعليم الفرنسي جان ميشيل بلانكير: "إنها مسألة توازن، ولكي نتمكن من تطبيق قاعدة جديدة، علينا أن نتأكد أولا من أن الناس يمكن أن يقبلوا بها".
وتظهر الدراسات الاستقصائية على جانبي المحيط الأطلسي أن الناس أفضل في مواكبة أحدث القواعد فيما يتعلق الأمر بالنظافة الشخصية، مثل غسل اليدين والأقنعة، وقد وجدت استطلاعات الرأي الأسبوعية التي أجرتها مؤسسة غالوب وشملت حوالي 9353 شخصًا في الولايات المتحدة أن 91% من المشاركين قالوا إنهم ارتدوا قناعًا في الأيام السبعة الماضية حتى 27 سبتمبر، مقارنة بـ 80٪ في الأسبوع السابق لـ 10 مايو.
وتبدأ المشاكل عندما تتعارض القواعد مع الحاجة إلى الاتصال الاجتماعي، وأظهرت استطلاعات غالوب خلال الفترة نفسها من مايو إلى سبتمبر أن عدد الأمريكيين الذين يتجنبون التجمعات الصغيرة مع العائلة والأصدقاء قد انخفض من 71% إلى 45%.
ووجد مسح حكومي في فرنسا أن 72% من المشاركين في الاستطلاع قالوا إنهم يتجنبون التجمعات والاجتماعات المباشرة اعتباراً من منتصف مايو، مباشرة بعد انتهاء إغلاق البلاد، ولكن بحلول 23 سبتمبر، انخفض هذا الرقم إلى 32%، وفي نفس الإطار الزمني، انخفضت نسبة الذي قالوا إنهم يمتنعون عن المصافحة أو العناق من 88% إلى 69%.
ويبدو أن الالتزام بارتداء الأقنعة قد بدأ يضعف أيضا في بعض البيئات الاجتماعية، حيث وجدت دراسة استقصائية في المملكة المتحدة أن 98٪ من المشاركين في الاستطلاع قالوا إنهم ارتدوا قناعا طبيا خلال الأسبوع المنتهي في 11 أكتوبر، ومع ذلك، انخفض هذا الرقم إلى 19 %، عندما كانت اللقاءات بين شخصين فقط.
ويقول علماء الأوبئة أن هذه مشكلة كبيرة بالنظر إلى حلول فصل الشتاء، حيث يميل المزيد من الناس إلى الاجتماع في المساحات المغلقة، حيث ينتشر الفيروس أسرع.
ومن جانبهم، يحاول الشباب توخي الحذر خوفا من نقل العدوى إلى الآخرين عند عودتهم إلى أوطانهم في العطلة، فعلى سبيل المثال، تعتزم "كليمنس جوجو"، وهي موظفة موارد بشرية تبلغ من العمر 33 عاماً، السفر إلى ليون في نوفمبر لحضور لم شمل الأسرة، وهو حدث سيشمل اختلاطها بوالديها وأجدادها، والتي كانت معهم أخر مرة في يونيو، بعد وقت قصير من انتهاء إغلاق فرنسا، وقالت كليمنس إن جدتها أخبرتها بأنها تفضل الموت من كوفيد-19 على أن تحرم من الاتصال بعائلتها.
وفي يونيو، لم يكن على كليمنس القلق من نقل العدوى لأي شخص، لأنها كانت من بين الملايين من الفرنسيين الذين خرجوا حديثا من واحدة من أكثر الإغلاقات صرامة في الغرب، ولكن منذ ذلك الحين، كانت كليمنس منخرطة في حياة اجتماعية ومهنية مزدحمة في باريس، والتي أصبحت مرة أخرى واحدة من أكبر المناطق الساخنة في أوروبا.
عادت كليمنس للعمل في المكتب، حيث ترتدي قناعاً طوال اليوم، حتى في مكتبها، وعندما أعلن الرئيس إيمانويل ماكرون حظر التجول في الساعة التاسعة مساءً، طلبت من رئيسها مغادرة المكتب في وقت أبكر من المعتاد حتى تتمكن من قضاء الوقت مع أصدقاءها، مشيرة إلى أن تكييف جدول مواعيدها بالتوافق مع حظر التجول صعب للغاية.
وأعرب فنسنت هنري، صديقها البالغ من العمر 26 عاما، عن تعبه أيضا، حيث يتضاءل عمله في بيع النبيذ والمشروبات الروحية، بعد أن أُغلقت المطاعم والحانات والمعارض التجارية في المدينة أبوابها، ولم يستضيف معرض تذوق منذ مارس، وعاد ليعيش في منزل والديه، والذين لم يعد بإمكانه استقبالهما بالقبلة التقليدية على الخد.
وقال فنسنت: "لدي شهادتين ماجستير، وأقوم بتوصيل الطلبات بالدراجة، وهذا شيء كان بإمكاني القيام به في سن 16 عاماً".
وعندما وصل الإغلاق إلى لندن في مارس، التزمت عائلة دايموند بكل التدابير، وأنشأوا مكتبًا منزليًا، واشتروا دراجة ثابتة وحدوا من خروجهم من المنزل إلى مرة في الأسبوع إلى متجر بقالة يعتمد قواعد التباعد الاجتماعي بصرامة.
واستمرت العائلة على هذا الروتين لمدة 7 أشهر، وحتى بعد أن خففت المملكة المتحدة القيود خلال فصل الصيف، مما سمح للناس بالعودة إلى المطاعم والحانات وصالة الألعاب الرياضية، وقال لورانس دايموند البالغ من العمر 36 عاماً: "كنا حذرين للغاية".
ومع ذلك في يوم 10 اكتوبر قرروا أن الوقت قد حان للعودة للاختلاط بالمجتمع مرة أخرى، والتقوا بأصدقائهم في حانة ودعيا الناس لتناول طعام الغداء في المنزل يوم الأحد.
وتقول ميغان دايموند، زوجة لورانس البالغة من العمر 35 عاماً: "كنا نشعر بثقة أكبر، وبدا الفيروس تحت السيطرة ولم نشعر أننا نعرض أي شخص للخطر بالاجتماع.
وبعد بضعة أيام، مُنع سكان لندن من استضافة أي شخص في منازلهم أو الذهاب إلى الحانة مع أشخاص خارج أسرهم، وقالت ميغان: "الشتاء طويل في بريطانيا، وجميعنا مللنا من هذا الوضع".