شهيد القسطل عبد القادر الحسيني


شهيد القسطل عبد القادر الحسيني

يعتبرعبد القادر الحسيني واحدا من أبرز الشخصيات الفلسطينية التي صنعت الحدث في فلسطين بتضحياته من أجل وطنه فلسطين، بحيث استطاع أن يقف في وجه الاستعمار البريطاني، وكذلك وقف في وجه الاستعمار والاستبداد الصهيوني.

⬅️ نسب عبد القادر الحسيني :
ينتمي عبد القادر الحسيني لإحدى أكبر عائلات فلسطين والتي تنتسب إلى الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم عن طريق جدهم الحسين بن علي ابن فاطمة الزهراء، وكذلك عبد القادر الحسيني هو ابن الزعيم الفلسطيني كاظم باشا الحسيني المعروف بأبي الحركة الوطنية وأحد أهم رجالات فلسطين وعميد آل الحسيني، كان موسى باشا كاظم قد شغل مناصب متعددة في زمن الدولة العثمانية حيث منحته لقب باشا.
⬅️ ولادة ونشأة عبد القادر الحسيني :
- ولد عبد القادر الحسيني في مدينة القدس، حيث هناك تضارب في تاريخ ميلاده حيث حدد بين العامين 1908 و1910.

- توفيت والدة عبد القادر الحسيني السيدة رقية الحسيني قبل أن يكمل عامه الثاني.

- نشأ وكبر عبد القادر الحسيني في مدينة القدس ودرس في المدرسة الراشيدية الواقعة داخل أسوار البلدة القديمة حيث تلقى عبد القادر تعليمه الابتدائي.
⬅️ شخصية عبد القادر الحسيني :
- ترعرع ونشأ عبد القادر الحسيني وسط عائلة عريقة لها جذور في القدس، ولها تاريخ حافل داخل فلسطين.

- كان والد عبد القادر الحسيني السيد موسى باشا كاظم الحسيني رئيسا لبلدية القدس.
⬅️ إحتلال بريطانيا لفلسطين:
عندما بلغ عبد القادر الحسيني 9 سنوات من عمره احتلت بريطانيا فلسطين بعد أن أصدرت وعد بلفور، كان الفتى الصغير يراقب القوات البريطانية عن كثب، حيث شهد بنفسه بطشهم ومكائدهم وأدرك أن القدس سُرِقت من أهلها.

دخول بريطانيا إلى القدس ألقى بظلاله على المقدسيين خاصة، لتتوالى الحركات والاجتماعات في منزل الزعيم الفلسطيني الباشا موسى كاظم الذي كان رئيسا لبلدية القدس وقتها، الحراك الوطني المستمر في منزل موسى كاظم صقل شخصية عبد القادر الحسيني.

- أثناء فترة الانتدابة التي دامت 30 عاما تعلم عبد القادر من الممارسات القمعية اللاإنسانية التي مارسها البريطانيون في حق الفلسطينين، لهذا السبب كان عبد القادر من الأوائل المنضوين في صفوف الكفاح المسلح لأنه أدرك أنه لا يمكن تغيير السياسة البريطانية إلا من خلال النضال ونهج الكفاح المسلح لمواجهة الاحتلال البريطاني.
⬅️ الدراسة الجامعية لعبد القادر الحسيني:
- في سنة 1928 أنهى عبد القادر الحسيني مرحلة الثانوية حيث قرر مواصلة تعليمه الجامعي، حيث تتحدث بعض الروايات أنه في البداية إلتحق عبد القادر بالجامعة الامريكية في بيروت، وبعدها انتقل للجامعة الأمريكية في مصر، وفي هذا السياق قال صديق عبد القادر الكاتب الفلسطيني إميل الغولي الذي كان رفيقا مقربا من عبد القادر : "رأى والد عبد القادر الباشا موسى كاظم أن يلحقه بالجامعة الامريكية في بيروت للدراسة، لكن عبد القادر أصر على الالتحاق بالجامعة الامريكية في القاهرة، وكان هدفه من هذا الاختيار كما أعلمني هو رغبته أن يعايش الحركة الوطنية المصرية التي كانت قد بلغت أوج شدتها حينئذ".

- في سنة 1929 وصل عبد القادر إلى القاهرة حيث إلتحق بالجامعة الأمريكية فيها حيث إختار كلية العلوم قسم الكمياء.

- في الوقت الذي كان فيه عبد القادر الحسيني يتابع دراسته في الجامعة الأمريكية، كانت بريطانيا تحتل مصر تماما كفلسطين، غير أن مصر كانت في عزِّ حركتها الاستقلالية.

- رأى عبد القادر الحسيني في مصر الميدان المناسب لإشباع رغبته في خلق حركة الكفاح والنضال، حيث بدأ نشاطه الكفاحي في الأوساط الطلابية داخل الجامعة الأمربكية، حيث قام عبد القادر بإنشاء أول رابطة لنصرة فلسطين قضيته الأم والمركزية التي تجري في عروقه.

- في سنة 1932 أنهى عبد القادر الحسيني دراسته الجامعية في الجامعة الأمريكية في القاهرة بحصوله على شهادة جامعية، حيث أقيم حفل التخرج وكانت مناسبة كبيرة توافدت عليها أبرز الشخصيات السياسية والاكاديمية في مصر، وعندما جاء دور عبد القادر الحسيني ليستلم شهادته من رئيس الجامعة، حيث حدثت المفاجأة التي لم يكن يتوقعها أحد، ما إن تسلم عبد القادر الحسيني شهادته قام بتمزيقها أمام أنظار جميع الحاضرين في حفل التخرج، ثم قال لإدارة الجامعة أمام الحشد الكبير: "إني لست بحاجة إلى شهادة من معهدكم الذي هو معهد استعماري وتبشيري، فأنا الذي حققتها وليست هي من حققتني"، كانت رسالة عبد القادر الحسيني رمزية لتسليط الضوء على قضيته الفلسطينية، ولكنها تركت أثرا وبصمة في قلوب الحاضرين، ثم تحدث عبد القادر الحسيني بعد تمزيق الشهادة بأنه لم يجد في الجامعة الأمريكية ما كان يتمناه، بل وجد في الجامعة الأمريكية أنها جامعة تساند وتشجع الإستعمار، وفي اليوم الثاني من الحادثة قامت الصحف المصرية بنشر الخبر، وتحدثت عن شاب فلسطيني جريء يحتج على سياسة الجامعة الأمريكية، وعلى إثر ذلك تم حرمان عبد القادر الحسيني من شهادته الجامعية.
⬅️ ترحيل عبد القادر الحسيني من مصر إلى فلسطين:
- أصدرت الحكومة المصرية التي كانت يترأسها إسماعيل صدقي باشا قرارا بترحيل عبد القادر الحسيني من مصر إلى وطنه فلسطين، وذلك بسبب ما قام به عبد القادر الحسيني أمام الجامعة الأمريكية.

- عاد عبد القادر الحسيني إلى فلسطين بعد إكمال دراسته
في سنة 1933، وكانت أخباره قد سبقته إلى فلسطين وعن مواقفه الشجاعة في مصر وداع صيته بين الناس، لكن وضع فلسطين في ذلك الفترة كان يزداد صعوبة لأن بريطانيا أصبحت شرسة وأقسى من السابق، وكانت تعمل بوثيرة أسرع لتنفيذ وعد بلفور.

- بعدما علمت بريطانيا بعودة عبد القادر الحسيني إلى فلسطين أرادت بريطانيا استقطاب عبد القادر حيث كانت تعلم توجهاته وميولاته للحركة الوطنية، وكان من سياسات بريطانيا أنها تسعى أن تستميل كل أبناء العائلات الكبيرة خاصة المتعلمين منهم، لتفادي كل الإحتمالات التي لا تخدم مصالحها.

- عرض المندوب السامي على عبد القادر الحسيني وظيفة لم تكن تمنح للعرب وقتها، وكانت هذه الوظيفة هي العمل في دائرة تسوية الأراضي، وافق عبد القادر على الوظيفة فورا، كانت دائرة تسوية الأراضي الوسيلة الرئيسية التي يستولي اليهود بها على أراضي الفلاحين الفلسطينين، ومن خلال عمل عبد القادر الحسيني في الدائرة أدرك اللعبة الخبيثة التي كانت تستعملها بريطانيا واليهود للإستيلاء على الأراضي الفلسطينية، حيث استطاع عبد القادر الحسيني حماية أكثر من 16 أرض فلسطينية من الاستيلاء عليها من طرف بريطانيا واليهود.

- في الوقت الذي كان فيه عبد القادر الحسيني يشتغل في الدائرة لم يتخلى أبدا عن هدفه النضالي، حيث زاد تصميه أكثر وأكثر على تنفيذه يوما بعد يوم.
⬅️ بداية عبد القادر الحسيني النضال والكفاح المسلح:
- كان يرى عبد القادر الحسيني في الكفاح المسلح والنضال من أجل تحرير فلسطين الوسيلة الوحيدة لإيقاف مشروع الإمتداد الصهيوني ومواجهة بريطانيا، حيث بدأ بتشكيل تنظيم سري مناضل يقف في وجه بريطانيا وليكون التنظيم نواة جيش الجهاد المقدس التنظيم المعروف تاريخيا، والتشكيل المسلح الذي سيحارب بريطانيا واليهود.

- بدأ أبناء تنظيم الجهاد المُقَدس نضالهم ضد بريطانيا، حيث بدأوا يحرضون الأهالي على الخروج في مظاهرات كبيرة كمقدمة لعصيان مدني شامل، وكان من ضمن خطة عبد القادر الحسيني أن يتصدر زعماء فلسطين وكبار شخصياتها ذلك الحراك، وكان أول من فكر فيه عبد القادر ليكون على رأس المظاهرات هو والده الباشا موسى كاظم، حيث أطلعه على الأمر وحثه على أن يكون أول الخارجين على بريطانيا.

- وصل إلى عِلم بريطانيا بموضوع المظاهرات، فقامت بإرسال المندوب السامي بنفسه السيد" آرثر واكوب" ليجتمع مع موسى كاظم محاولا إيقافه عن قرار تزعم المظاهرات، لكن موسى كاظم رفض طلب المندوب السامي.
⬅️ بداية خروج المظاهرات الفلسطينية ضد بريطانيا:
- في يوم الجمعة 13 من أكتوبر 1933 خرجت أولى المظاهرات الكبيرة في مدينة القدس، وكان على رأس المظاهرة موسى كاظم وإلى جانبه ولده عبد القادر الحسيني، حيث بدا الامر تحديا لبريطانيا ورفضا واضحا للمشروع الصهيوني.

- واجهت القوات البريطانية المظاهرات بشدة في ذلك اليوم حيث تعرض عبد القادر إلى الضرب المبرح من طرف القوات البريطانية.

- بعد مظاهرات القدس بأسبوعين ومرة أخرى خرجت المظاهرة الثانية في مدينة "يافا"، وكانت هذه المظاهرة أيضا بقيادة موسى كاظم وبتحريض من عبد القادر، لكن بريطانيا كانت هذه المرة حازمة وأشد قسوة على المتظاهرين، حيث سقط في المظاهرة أكثر من 50 شهيدا وجرح العشرات، كما تعرض موسى كاظم إلى الضرب بشدة من طرف القوات البريطانية، وكان عمره وقتها يناهز 80 عاما، كما تعرض عبد القادر إلى الاصابة في يده جراء الرصاص البريطاني.

- توفي موسى كاظم الحسيني بعد أشهر بسبب جراحه التي أصيب بها في المظاهرات، وفي جنازة شعبية مهيبة شيع الفلسطينيون قائدهم الذي كانت بريطانيا سببا في وفاته.

- قرر عبد القادر الذهاب إلى المفتي الحاج أمين الحسيني، الذي كان شخصية لامعة ويلعب دورا مهما في فلسطين، حيث لعب أيضا دورا بارزا في تاريخ فلسطين، لذلك قصده التنظيم السري الذي يقوده عبد القادر للقاءه في مكتبه، حيث أطلعوه على خططهم وتجهيزاتهم في المرحلة القادمة، لكن المفتي الحاج أمين فاجأهم بعلمه عن تحركاتهم ونشاطهم حيث قال لهم: "ليس من مصلحة الشعب والبلاد أن يقوم اصطدام جدّي مع الانجليز قبل أن تتم التهيئة الكاملة لذلك، وهناك أمور وأشياء ستعلمونها في الوقت المناسب، وأحيطكم علما بأنني عالم بما تفعلون وتدبرون، وأن نجاحكم في مهمتكم هو أمنيتي الغالية ويمكنكم الاعتماد علي لمعاونتكم، لكن دون علم أحد ".

- كان المفتي الحاج أمين مؤمنا بالمقاومة الفلسطينية ضد الإحتلال البريطاني والمد الصهيوني، وكانت استراتيجية المفتي أنه في البداية بدأ بخلايا وتنظيمات صغيرة، ولكن بعد أن قويت هذه التنظيمات خاصة في الشمال والجنوب جمع قادة التنظيمين وشكلوا جيش الجهاد المقدس، ووضع الحاج أمين الحسيني عبد القادر رئيسا لهذا الجيش أي جيش الجهاد المُقَدس.

- في سنة 1935 تزوج عبد القادر الحسيني من إحدى قريباته السيدة وجيهة الحسيني لتكون رفيقته في نضاله.

- أنجب عبد القادر الحسيني ثلاثة أبناء وبنتا واحدة، وهم هيفاء وموسى، ولاحقا فيصل وغازي اللذين إنضما إلى منظمة التحرير الفلسطينية بعد تأسيسها.

- مضى عبد القادر في نضاله المقاوم ضد الإستعماو وبدا مستعدا لمواجهة بريطانيا العظمى، وقد توافد العديد من المتطوعين الراغبين في القتال إلى جانبه، فعمل على تدريبهم وتجهيزهم لكن المشكلة الدائمة التي كانت تواجهه هي توفير السلاح، ففي كل مرة كان يجد نفسه في حاجة إلى السلاح والذخيرة.

- تمركز عبد القادر الحسيني وأفراد الجهاد المقدس في جبال فلسطين بعيدا عن عيون بريطانيا وقواتها، وفي أجواء أمنية صعبة جمع السلاح الذي كان في الأصل شحيحا، إلا أن ذلك لم يكن ليمنعهم أو يقف عائقا أمامهم عن المقاومة.
⬅️ تصفية عز الدين القسام:
في نفس الفترة قامت بريطانيا بتصفية الشيخ عز الدين القسام وعدد كبير من أفراد تنظيمه المقاوم، ألقت تصفية القسام بظلالها على عبد القادر، فبريطانيا كانت مصممة على نسف كل ثورة تقف في وجهها إلا أن عبد القادر وأعضاء الجهاد المقدس مضوا في نضالهم.
⬅️ إضراب 1936 التاريخي:
- في سنة 1936 دخل أهل فلسطين في إضرابهم التاريخي الشهير الذي استمر ستة أشهر احتجاجا على سياسة بريطانيا والهجرة اليهودية، تزامنا مع الاضراب جاءت الخطوة الأبرز التي انتظرها عبد القادر طويلا الثورة، ثورة 1936 التاريخية، وفي صباح يوم 7 ماي 1936 انطلقت الثورة الفلسطينية المسلحة ضد القوات البريطانية، حيث قاد عبد القادر الحسيني هجوما بنفسه على قرية "بيت سوريك" معلنا بداية شرارة الثورة، ثورة الشباب ثورة الشعب التي نقمت على الانتداب على بلفور وعلى بيع الأراضي وعلى السمسرة، ورفض الانتداب البريطاني، ورفض التعاون مع الحركة الصهيونية.

- خلال ثورة 1936 انتشرت قواعد المقاومين في كل فلسطين وكانت منطقة القدس بقيادة عبد القادر الحسيني.

- تحولت فلسطين خلال ثورة 1936 إلى ساحة حرب حقيقية تمتع فيها عبد القادر الحسيني بأداء عسكري مميز، فقد ظهرت مواهبه في القتال ومجابهة بريطانيا، حيث وضع عبد القادر الحسيني الخطط المُحكمة والتكتيكات المتقنة خلال الثورة، حيث تركز تكتيكه على مهاجمة الثكنات البريطانية والمستوطنات اليهودية، بالاضافة إلى سياسة قطع طرق المواصلات بين المدن والقرى لشل حركة القوات البريطانية.

- أمام كل هذه التطورات لم تسكت بريطانيا على الثورة فقد كانت تقوم بإعدام كل من تجد بحوزته قطعة سلاح أو ذخيرة، وراحت تبحث عن كل من له علاقة بأعضاء الجهاد المقدس أو من يقدم لهم الدعم أو من يساندهم، وأصبح عبد القادر الحسيني من أهم المطلوبين لبريطانيا.
⬅️ معركة الخضر وإعتقال عبد القادر الحسيني:
- في 4 من أكتوبر 1936 اندلعت معركة الخضر التي وقعت بالقرب من قرية الخضر غرب طريق القدس الخليل، شارك فيها عبد القادر الحسيني تحت قيادة المناضل السوري "سعيد العاص" وهو أحد ثوار سوريا الذين قارعوا الاحتلال الفرنسي والذي جاء إلى فلسطين إبان ثورة 1936 ليشارك فيها.

- عندما بدأ القتال في المرحلة الأولى من الثورة وصل إلى فلسطين مجاهدين من عدة بلدان من بينها سوريا والعراق ولبنان ودول أخرى، لما ذهب سعيد العاص لفلسطين انظم لعبد القادر الحسيني وتعاونوا مع بعض في مواجهة بريطانيا.

- في معركة الخضر كانت معركة الثوار محكمة نصبوا كمينا لقافلة بريطانية كانت تمر على ذات الطريق، حيث اندلعت معركة قوية وعنيفة استمرت عدة ساعات، في بداية المعركة تكبد الانجليز خسائر فادحة، ثم وقع الأسوأ أُستشهد في المعركة عدد كبير من الثوار من بينهم سعيد العاص، وأصيب عبد القادر الحسيني إصابة بالغة أدت إلى إعتقاله، حيث كانت جراحه في المعركة خطيرة، مما جعل بريطانيا أن تدخل عبد القادر إلى إحدى مستشفياتها العسكرية قبل أن يبدأ محاكمته.

- تحت شدة ظلمة الليل استطاعت مجموعة من ثوار الجهاد المقدس تهريب عبد القادر الحسيني، وقاموا بنقله سريعا إلى دمشق ليكمل علاجه، ومن دمشق بقي عبد القادر الحسيني يتابع سير المعارك، حيث أثر بشكل كبير خروجه من الميدان، ووضع عناصر الجهاد المقدس في مأزق كبير.
⬅️ مغادرة عبد القادر الحسيني إلى العراق بعد أن سحقت بريطانيا الثورة الفلسطينية:
- توقف إضراب 1936 بعد ستة أشهر من بدايته، لكن الثورة والقتال استمرت حتى عام 1939، كان عبد القادر وقتها قد عاد إلى فلسطين وشهد المرحلة الثانية من الثورة حيث استطاعت بريطانيا سحق الثورة في نهاية المطاف، وتم تصفية معظم الثوار وَزُجَّ بالالاف من المعتقلين في المعتقلات وغادر عدد من قادة الثورة إلى خارج فلسطين من بينهم عبد القادر الذي ذهب إلى العراق.

- في سنة 1938 وصل عبد القادر إلى بغداد وهناك استقبل استقبال الأبطال ثم وصلت زوجته السيدة وجيهة التي لم يكن قد رأها منذ فترة طويلة.

كانت الحرب العالمية الثانية على الأبواب وكانت عين بريطانيا على العراق.

- في سنة 1941 اندلعت ثورة رشيد الكيلاني الشهيرة ضد الانجليز الراغبين في السيطرة على العراق وحكمه، حيث وقف الجيش العراقي في مواجهة القوات البريطانية المتحالفة، ومن جديد وجد عبد القادر الحسيني نفسه في مواجهة بريطانيا مرة أخرى، حيث شارك مع فرقة فلسطينية خاصة في قتال القوات البريطانية إلى جانب القوات العراقية، هُزِم الجيش العراقي في المعركة واعتقل عبد القادر مع مجموعة من المناضلين وَوَضِعُوا في أحد السجون العراقية، حيث بقي عبد القادر الحسيني في السجون العراقية عدة أشهر.

- فيما كان عبد القادر الحسيني في السجن كانت زوجته السيدة وجيهة تبذل جهودا مكثفة في محاولة للافراج عن زوجها، وفعلا وبعد كثير من التدخلات والوسطات العربية حصلت على قرار بترحيل عبد القادر الحسيني من العراق إلى الأراضي الحجازبة كلاجئ سياسي للعربية السعودية.
⬅️ مغادرة عبد القادر الحسيني إلى ألمانيا للتدرب على الاسلحة:
- بقي عبد القادر الحسيني خارج فلسطين متنقلا بين الحجاز ومصر، وخلال تلك الفترة طلب منه الحاج أمين الحسيني التوجه إلى ألمانيا من أجل التحضير للمعركة القادمة، وفعلا توجه عبد القادر الحسيني سرا إلى ألمانيا مطلع العام 1944 كما تشير وثائق سفره، كان الحاج أمين متحالفا مع هتلر في الحرب العالمية الثانية، حيث كان يراهن على انتصاره فيها، وبذلك يشكل انهزام بريطانيا امام ألمانيا خدمة مصلحة فلسطين.

- ساهم الجيش الألماني بتدريب عبدالقادر الحسيني بعد وصوله لألمانيا، فقد إلتحق بأحد المعاهد العسكرية الألمانية، حيث تدرب عبدالقادر على صنع الألغام والمتفجرات وأصبح خبيرا فيها.

- مكث عبد القادر الحسيني في ألمانيا ما يقارب ستة أشهر، ثم عاد بعد ذلك إلى مصر، وفي ذلك الفترة كانت الأجواء المحيطة بالقضية الفلسطينية غامضة في بداية سنة 1947، لكن الجميع ومنهم عبد القادر كانوا يعلمون بأن ساعة الصفر لحرب كبيرة على الأبواب.
⬅️ تقسيم فلسطين وإعتراف العالم بوجود دولة يهودية:
- في 29 من نونبر من سنة 1947 صدر قرار بتقسيم فلسطين واعترف العالم بوجود دولة يهودية وقتها، مما جعل الحاج أمين الحسيني يعطي تعليمات لعبد القادر الحسيني، حيث أمره بأن يقوم بتجهيز جيش من الفلسطينيين للدفاع عن فلسطين، وألقى عليه مسؤولية تسليح هذا الجيش وشراء الدخائر، على إثرها قرر عبد القادر الحسيني العودة إلى فلسطين في نهاية سنة 1947.

- تم تشكيل مجلس لقيادة الثورة حيث أصبح عبد القادر الحسيني قائدا أعلى لجيش الجهاد المقدس، حيث قام بتوزيع قوات جيش الجهاد المقدس على عدة مناطق، فيما أصبح هو مسؤولا عن منطقة القدس، ومن المشاكل التي وقفت في طريق الجهاد المقدس هو مشكلة السلاح وندرته، مما جعل عبد القادر يتوجه للجامعة العربية لطلب السلاح، لكن على إثر قرار التقسيم أنشأت جامعة الدول العربية ما بات يعرف باللجنة العسكرية للدفاع عن فلسطين برئاسة اللواء طه الهاشمي، والتي انبثق عنها جيش الانقاذ الذي يقوده فوزي القاوقجي، والذي أوكلت إليه مهمة المشاركة في المعارك في فلسطين، لكن علاقة اللجنة العسكرية بعبد القادر قد كانت سلبية للغاية.
⬅️ بداية الحرب بين اليهود والمقاومة الفلسطينية بزعامة عبد القادر الحسيني:
- بدأت الحرب وكان اليهود مستعدين لها تماما وكانت عيونهم دائما متركزة على احتلال القدس بأي طريقة، على الرغم من أنها كانت منطقة دولية بموجب قرار التقسيم.

- في سنة 1948 استطاعت المقاومة من إحراج اليهود بفضل خطط عبد القادر الحسيني الدفاعية خاصة في القدس، لكن استراتيجيته العسكرية رجحت الكفة لصالح الثورة، فقد كانت خطته تهدف إلى القيام بالسيطرة على طرق المواصلات الرئيسية المحيطة بالقدس حيث استطاع بحنكته من فصل القدس عن محيطها، مما سبب إرباكا في صفوف اليهود، لكن مشكلة كبيرة كانت تعيق عمله وهي حارة اليهود أو حارة الشرف كما كانت تسمى في القدس القديمة، حيث كان يقبع هناك عدد كبير من اليهود في داخل البلدة القديمة والقدس الغربية، حيث استطاع عبد القادر الحسيني من فرض حصار محكم عليها وتمكن من قطع عنهم المؤن والامدادات، ووضع يهود القدس تحت قبضته كما استطاع أن يبسط السيطرة بشكل كلي على نحو 100 ألف يهودي في القدس.

- إستفاد عبد القادر الحسيني من التدرب الذي تدربه في ألمانيا حيث إكتسب خبرة من الجيش الالماني جعله يتقن صناعة الألغام والمتفجرات، وقام عبد القادر الحسيني مع فوزي القطب بتشكيل فرقة للتدمير داخل الجهاد المقدس، حيث قام الجهاد المقدس بعمليات تفجير نوعية في القدس ومحيطها، فقد قاموا بتفجير شارع بن يهود في 28 فبراير 1948، ثم قاموا بتفجير الوكالة اليهودية في 11 مارس 1948، حيث كانت ضربة نوعية نتج عن هذه العمليات عدد كبير من القتلى والخسائر في صفوف اليهود، وعمت في أوساطهم حالة من الذعر والاستياء.

- كان وضع القوات اليهودية صعبا للغاية في القدس فقد رجحت الكفة لصالح عبد القادر الحسيني.
⬅️ خطة نحشون واحتلال قرية القسطل من طرف اليهود:
- على إثر حصار اليهود في القدس، وضع بن غوليون الذي يعتبر أحد أهم القادة بالنسبة لليهود خطة عسكرية محكمة لفك الحصار عن القدس عُرِفت بخطة "نحشون الافعى" ، حيث تقضي الخطة بأن يتم احتلال القرى العربية المحيطة بالقدس والواقعة على طريق القدس تل أبيب، والتي كان الجهاد المقدس يسيطر عليها كمقدمة لفك الحصار الذي فرضه عبد القادر الحسيني على القدس، ووفقا للخطة فإن أول قرية يجب احتلالها في هذا السياق هي قرية "القسطل" غرب القدس، قرية القسطل إحدى قرى الطوق المحيطة بالقدس تقع على طريق القدس "تل أبيب" وطريق القدس "يافا"، وهي عبارة عن تلة جبلية يصل ارتفاعها إلى أكثر من 800 متر، وبذلك تعتبر عقدة بحد ذاتها.

- تسربت خطة نحشون إلى استخبرات الجهاد المُقَدس، ثم اجتمع عبد القادر الحسيني بأعضاء المجلس العسكري لبحث الأمر، لكن نفس المشكل يتكرر مرة أخرى وهو نفاذ السلاح، وبذلك قرر المجتمعون أن يسافر عبد القادر فورا إلى دمشق لطلب السلاح من اللجنة العسكرية التي كان يقع مكتبها في دمشق، والذي كان تابعا لجامعة الدول العربية.

- في 26 من مارس 1948 وصل عبد القادر الحسيني إلى دمشق، حيث اجتمع بالامين العام للجامعة العربية، الذي كان يترأسه في ذلك الوقت عبد الرحمان عزام، حيث حضر الاجتماع مسؤولون من اللجنة العسكرية بالاضافة إلى المفتي الحاج أمين الحسيني.

- خلال وجود عبد القادر في دمشق كانت الأمور في القدس تسير إلى الأسوأ، حيث قامت القوات اليهودية بتقديم موعد تنفيذ "خطة نحشون" إلى 2 أبريل، حيث بدأوا بالزحف إلى قرية القسطل ليبسطوا سيطرتهم عليها، وصلت الاخبار إلى علم عبد القادر لكنه كان يخوض اجتماعات متتالية مع أعضاء اللجنة العسكرية للحصول على السلاح، كان من بين المجتمعين رئيس اللجنة اللواء طه الهاشمي ونائبه اللواء اسماعيل صفوت، لم يحصل عبد القادر الحسيني على شيء من اللجنة العسكرية وتخلوا عنه.

- عاد عبد القادر إلى القدس سريعا لكن هذه المرة خالي الوفاض فلم يحصل على أي سلاح.

وصل عبد القادر الحسيني في السابع من أبريل، عقد اجتماعا عسكريا عاجلا حيث قرروا فيه تنفيذ هجوم شامل لاسترجاع القسطل بأي ثمن، توزع جيش الجهاد المقدس على ثلاثة محاور محور بقيادة "حافظ بركات" ومحور آخر بقيادة "هارون بن جازي" ومحور بقيادة "ابراهيم أبو ديه"، وفي نفس الليلة حشد ما أمكن حشده وقرر الهجوم على القسطل، وكان عبد القادر الحسيني في حالة نفسية صعبة، وكان مصمما إما على تحرير القسطل أو نيل الشهادة.
⬅️ معركة القسطل واستشهاد عبد القادر الحسيني:
- انطلقت كتائب الجهاد المقدس نحو القسطل مع ساعات الصباح لتحريرها، حيث دارت معارك جد عنيفة، وكان وضع اليهود أقوى بسبب تمركزهم في قمة الجبل، مما أعاق فرق الجهاد المقدس بالتقدم نحو القسطل، ومع بداية إسدال الليل ستاره على القسطل لم يستطع عبد القادر الحسيني الانتظار طويلا، وتحت وابل من الرصاص المتبادل تسلل عبد القادر خلسة إلى داخل القسطل ومعه أحد مرافقيه، كان يهدف من دخوله قرية القسطل نسف أحد المواقع التي تعيق تقدم الثوار، لكن الاشتباكات كانت ضارية، فوجئ عبد القادر الحسيني بوجود خلل في اللغم الذي أحضره فأرسل مساعده لطلب الدعم، تعرض عبد القادر الحسيني للحصار في أحد منازل القسطل واضطر إلى خوض مواجهة مباشرة مع القوات اليهودية، ومع ساعات الصباح انتشر الخبر بسرعة في القدس والقرى المحيطة أن عبد القادر الحسيني محاصر في القسطل، حيث استنفرت كتائب الجهاد المقدس للذهاب للقسطل، هبَّ الناس من كل مكان لدعم عبد القادر ولينفذوا هجوما معاكسا وشاملا نتج عنه استرداد القسطل.

- بعدما انتهت معركة القسطل بحث الناس عن عبد القادر الحسيني ليجدوه وقد احتضن سلاحه شهيدا، كانت صدمة كبيرة للناس المتواجدين، وعلى الفور حمله الناس إلى القدس، وبقيت القسطل وحدها من غير حماية.

- انتشر خبر استشهاد عبد القادر الحسيني في كل أرجاء فلسطين، وفي يوم الجمعة 9 أبريل 1948 شُيع القائد الفلسطيني في جنازة عسكرية مهيبة، شارك فيها آلاف الناس لوداع شهيد القسطل، ودفن عبد القادر الحسيني في ساحة الأقصى إلى جانب والده موسى كاظم.